الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( رحلة العمر لمطرب الأجيال .. البلبل العذب كريم كابان ) ..

سالم اسماعيل نوركه

2016 / 1 / 25
الادب والفن


حياة كريم كابان مثل باقي فنانينا كانت متعبة وشاقة .. عملاق مثله يموت ولا يملك دار سكن وبنفسية عزيزة في كل اللقاءات لم أسمعه يشكو أو يطلب شيئاً وإن كان أستحقاقه بكل جدارة ..
مات وكله ألم وحسرة وآخر أيامه حتى فقد النطق وبصعوبة قال ( أنا كريم كابان ) فقلت مع نفسي ومن ذَا الذي لا يعرفك يا بلبل كوردستان ، يا تغريدة الحب بعذوبة ، والله حين كنت أبحثُ عن كريم كابان بطلب من دار الثقافة والنشر الكوردي لإلقاء محاضرة عنه وبرغبة جارفة مني كانت الدموع تسيل من عيوني مثل أول الغيث فأطفالي تعجعوا من أمري قالوا أبانا بدأ يكتب ويبكي ! لا أفشي سراً أنا أعشقه منذ طفولتي .. قصتي معه بدأت في مرحلة الابتدائية .. كنّا في سفرة الى سليمانية الحبيبة عاصمة الثقافة والأدب لأقليم كوردستان وكان السائق يُسَمعُنا من مسجل السيارة أغانيه .. كنت حينها لا أفهم جيداً كلمات الاغنية ولكني شعرت أن صوته مع المشاهد والمناظر تشكل سمفونية أمة .. أحسست بأن الاغنية ملكي أنا ، فيها ختم الكوردايتي وتفوح منها عطر الانسانية بعقلية وتعبيرات ذلك العمر .. أحس اللحن يجري في عروقي بدل الدم ..غادرَنا وكُلنا ألم وحسرة في الصباح الباكر من يوم الخميس 14-1-2016 في مستشفى الشار في السليمانية مسقط رأسه ، في حي الشيخان من مواليد 1927، ( له 3 أبناء و3 بنات ) غادرنا بهدوء تاركاً فينا ألقه الدائم ، صار خالداً في تاريخنا والذي سيقف عنده كثيراً كلما مَرَّ ذكره بعبق الورد ، ألتصق فَنه وألحانه وغناؤه بتراث وفلكلور أمته الخالدة ، المعشوق في الاجزاء الأربعة من كوردستان عامة وفي الجنوبية خاصة عملاق الغناء الكوردي صاحب الصوت الدافئ والعذب والذي هو يقول عن صوته بأنه يبكيني أحياناً الملحن والمطرب لكل الأجيال حسب رأي النقاد ، كان رسول سلام وفن أصيل ونضال ومحبة لذا ترك فينا ألماً وحزناً عميقين ، رحل عبدالكريم جلال محمود عزيز كابان والمعروف فنياً ب ( كريم كابان ) صاحب البصمة الكوردية الفريدة في كل أعماله طوال عمره الفني الذي يتجاوز سبعين سنة وبرصيد 100 أغنية لم يبق منه سوى عدد قليل من ذلك الإنجاز فالكثير منها مع كُلُّ الأسف تعرض للضياع والتلف وكيف لا وأمته تعيش بظلم ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الاولى 1914-1918 في أجزائها الأربعة وهو شخصياً نتيجة لأنتمائه لقومه الأصيل ولمواقفه السياسية تعرض مرتين للنفي إلى الوسط والجنوب من العراق ؛ مَرَّة في 1963- 1969 وأخرى بعد سنة 1974 نتيجة لأنخراطه في ثورة الشعب الكوردي .

هو من عائلة مهتمة بالدِّين ودرس في الكتاتيب ثم أكمل الدراسة الابتدائية في المدرسة الفيصلية نسبة ربَّما للملك الفيصل الأول 1921-1933ملك العراق ، ثُمَّ دخل سلك الشرطة ودورة لاسلكية في بغداد وشاء الأقدار أن يتوزع نشاطه بين مرحلتين ؛ الأولى في بغداد وبالذات في دار الأذاعة الكوردية في سنة 1945 والثانية في السليمانية من عام 1974 وفي الفرقة الفنية السليمانية .

في بغداد وخصوصاً أيام الجُمَع كان يغني مباشرة في الإذاعة الكوردية لعدم وجود التسجيل ، وأول أغنية له ( له رى دلدارى ) بمعنى في طريق العشق أو المحبة ، وهذا يعني أن عمره الفني أكثر من سبعين سنة وخصوصاً إذا عرفنا أنه في 1941 غنى في إذاعة الإنكليز في سراي السليمانية ..

تعرف عليه الفنان المتألق أنور قرداغي الذي يقول : تعرفي على كريم كابان كان من خلال اخيه الشهيد قادر كابان . المتولد 1937 بمعنى أنه أصغر من كريم كابان بعشر سنوات وقدم له كريم كابان أكثر من خمسة ألحان والذي يقال انه تعرض لعملية أنفال 28-2-1981.

يقول أنور قرداغي : طول فترة عملي مع كريم كابان في الفرقة الفنية في سليمانية لم يتعبنا كريم كابان في التدريب والعمل معه لأنه لَم يخرج عن اللحن ولم يفعل نشازاً قط ..

في سنة 1974 وبتشجيع من الدكتور كمال مظهر سجل كريم كابان أغنيتين ( شو ) و ( ياران وه سيه تم ) رائعة مولوي ( شه م ) باللهجة الهورامية وحولها الى اللهجة السورانية (بيره ميرد ) وبِلَحنه العذب مثل تدفق شلالات كلي علي بيك غَرد بها بلبل الكورد كريم كابان وما زلنا نرددها كلما أعترانا وجع فراق الحبيبة ووجع فراقه .

كان المبدع كريم كابان حين سئل عن أغانيه قال؛ كُلُّ ألأغاني التي غنيتها جميعهن حلوات لأن فيها بصمة كوردايتي ومتميزة لأنها مرتكزة على الشعر الكوردي الجيد والتراث والفلكلور الكورديين واللحن المدروس بأتقان ولكن أحبْ أغنية بالنسبة لي أغنية ( شو ) وحين سئل لماذا ؟ قال لأنها مرتبطة بي بعلاقة خاصة وأغنية فيها كل مواصفات الاتقان وحين التقى به مراسل روداو على ما أظن في آخر لقاء معه قبل موته وكان بلبلنا لا يجيد النطق في أواخر أيامه تلفظ بكلمة ( شو ) وتأثرت به حين لفظها بصعوبة وقال ( أنا كريم كابان ) ... نعم من لا يعلم كريم كابان وعذوبة ورقة وجماليات كريم كابان .. نعم انت استاذنا في العشق الكبير .. عشق الكوردايتي ..

وقال حتى لو مُتْ فهذه الأمة يوماً سيكون لها كيانها ...

كان يحلم بالدولة الكوردية..

ومن منا لا يذوب بسماع ( خندان ) و ( فينوس )

التي فيها ذاب أداؤه وألحانه الرقيقة والعذبة مثل عذوبة ماء كوردستان والتي تُغَنّى أغنياته في كل مدن وقرى وقصبات كوردستان .

كان المبدع كريم كابان لا يجيد العزف على الآلات الموسيقية ولكن كان يمتلك أذناً موسيقياً بديعاً وموهبة تلحينية راقية ويقول أبنه حين كان يجلس في الدار إذا يأتيه الهام موسيقى يصعد الى سطح الدار أو يخرج الى الخارج حين يشعر بأنه على موعد مع لحن راق.

أعرب عن عدم رضاه عن كل الذين غنوا أغنياته وقال بأنهم لم يعطوا الشعر حقه ولم يغنوه بعذوبة ، وسئل هل كان يكتب الشعر وأجاب كلا..

وسئل كريم كابان عن الذين تأثر بهم فكان المطرب الكبير علي مردان ( 1904-1981) الذي ولد في مدينة كركوك في حي تكية الشيخ علي ، صاحب أكثر من 1000 منجز طوال مسيرته الفنية 35 سنة حيثُ كان يغني ب ( الكوردية والعربية والتركمانية ) الذي قال عَنْه محمد القبانچي ( 1901-1988 ) بأنه أستاذ المقام ويذكر بأن محمد القبانچي في سنة 1932 تنافس مع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ولقب بمطرب المقام الأول ، وكذلك قال والكلام لكريم كابان ، تأثرت بالمقامات وبالذات المطرب ناظم غزالي ( 1921-1963 ) الولادة في بغداد في حي حيدر خانة ...

كان كريم كابان يهتم بصوته وأعرب عن أسفه وتَنَدمَه عن فترة كان فيها رفيق التدخين ..

كان كريم كابان عزيز النفس وعصامياً ومتواضعاً يحب ويعز جمهوره ويحب الطرفة وخفيف الظل والدم وأخيراً أذكر لكم هذه الطرفة .. كان ضيفاً على جمهور مدينة سردشت في إيران في محافظة أذربيجان الغربية ، في المسرح الذي أحتشد فيه محبوه طلب منه المذيع أن يعتلي المسرح ليقول لهم ولو بعض الكلام لان صوته كان متعباً وقال نحن نسعد بسماع ولو بعض الكلمات منكم فأجابه وصعد على الخشبة وقال لهم أنا أحبكم وأعزَّكم فأنتم أحبائي وأعزّائي وأحبُ هذه المدينة وقد زرتها مراراً ولي فيها ذكريات في معسكر رَبَتْ وهذا الشعر الذي قاله هذا الشخص لو كان هناك كمان وأعطيناه للأخ أنور قرداغي ..

كان أنور من بين الحضور وصعد الى الخشبة وأمسك بالكمان وقال : هذا الرجل وقد أشر لكريم كابان قال حين كان جالساً بقربي صوتي تعبان لا أستطيع الغناء فقلت له لا ضير قل لهم ولو بعض الكلام .. ومبْتَسماً : هذا الرجل وقد أشر لكريم كابان يبدو رويداً رويداً يلف الدولمة .. فأبتسم الجمهور وقال كريم كابان بلا أنور القرداغي لا أستطيع فعل شيء وقدما وصلة غنائية رائعة ...

لقد كُرِّمَ كريم كابان وهو في محل أعتزاز الجميع بالكثير وأخيراً قلد من قبل مركز كلاويژ بالقلادة الذهبية في قاعة رابرين ..

والقلادة ( تفرح ) لكونها عند إنسان كان ومازال أغلى من الذهب في ضمير محبيه فالهدايا والأوسمة تسعى له وكيف لا وهو فنان ومطرب الأجيال بكل جدارة .. رحل بهدوء الخالد بيننا ، بعدما ألتصق بضمير أمته وتراثها وفلكلورها وتاريخها وأصبح مصداً من مصدات الأمة للصمود بوجه عاديات الزمن ..

إلى ذمة الخلود كريم كابان ورحمة الله سبحانه وتعالى ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي