الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحديات بناء حركة نقابية قوية بالمغرب - 4

المناضل-ة

2005 / 11 / 11
الحركة العمالية والنقابية


تناولنا في الجزئين 1 و 2 من موضوع تحديات بناء حركة نقابية بالمغرب (العددان 1372 و1373 من الحوار المتمدن) الصعوبات المعترضة لتوسع العمل النقابي، سواء حجم البطالة واستشراء أشكال العمل الهش أو ضعف الاهتمام بتنظيم النساء اللواتي يتزايد وزنهن ضمن العمل المأجور. وعرضنا ما نراه سبيلا لتخطي الحركة النقابية لتلك العقبات.
و سنتطرق فيما يلي لمشكل الوحدة النقابية ومواقف الأطراف منه وسبل التقدم نحو هدف توحيد الحركة النقابية.
على أن نناقش في فرص مقبلة مشاكل الاستقلالية والديمقراطية ودور اليسار الجذري.


******************


تنسيق كدش والاتحاد العام الفوقي


كان إنشاء الكونفداليةالديمقراطية للشغل حسما لخلاف بين أطراف سياسية تصارعت حتى حول امتلاك اسم الحزب (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) . ونظرا لأن جناحا خاض الصراع طيلة سنوات مع حرص على وحدة النقابة (كان ذلك موقفا ثابتا لدى عمر بنجلون)، فقد ركزت مبادرة خلق الكونفدرالية على شعار الوحدة، وأدرج تحقيقها في مقدمة الأهداف في القانون الأساسي الأول (1978). لكن السلوك العملي طغى فيه السعي إلى منافسة الاتحاد المغربي للشغل وإزاحته تنظيميا، لدرجة أن مجرد ذكر اسمه لم يكن واردا لدى الاتحاديين سوى لشتمه، مع علمهم طبعا أن قاعدته العمالية أوسع من قاعدة "بديلهم التاريخي".

لكن بعد قمع بداية الثمانينات ( إضراب عام 1981 والتمرد الشعبي في يناير 1984 بمراكش والشمال) مع الشروع في تطبيق التقويم الهيكلي بتوجيه من المؤسسات المالية الدولية، وخروج حزب الاستقلال من الحكومة بعد سبعة أعوام من الاسهام في تنفيذ سياسات معادية للكادحين وقمعهم، ستشرع قيادة الكونفدرالية في مسار وحدوي على طريقتها. وجهت في شتنبر1985 رسالة الى قيادة الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب تقترح حوارا لايجاد صيغة عمل مشترك لتوحيد المطالب والمواقف. وبعد أزيد من عام أبدت اللجنة الادارية لكدش (6 نوفمبر 1986) استعدادها للانخراط في جبهة وطنية لمواجهة أوضاع التردي والاستغلال في نداء إلى الأحزاب "الوطنية والديمقراطية". ثم دعوة جديدة في 6 اكتوبر 1987 إلى الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بقصد توحيد الجهود.

واضح أن الطرف الاساسي المعني بالدعوة إلى توحيد الجهود هو الاتحاد المغربي للشغل، بفعل وزنه التنظيمي لا سيما بالقطاع الخاص. لكن قيادته ارتأت مواصلة الامتناع عن أي تعاون رغم ما أصبحت عليه الحركة النقابية من وضع عصيب.لا بل لم يقتصر زيغها على عدم الاكتراث بنداءت الآخرين إلى وحدة العمل، بل قضى حتى بترك نضالات قاعدة الاتحاد المغربي للشغل نفسها مشتتة وغير موجهة باية استراتيجية، وكأن الاتحاد هو المقر المشترك فقط. ولتبرير رفض دعوات العمل الموحد اعتمدت القيادة حجة متهافتة متمثلة في الطعن في مبررات تعدد النقابات في وقت بات فيه ذلك التعدد أمرا واقعا يستدعي معالجة تخدم نضال العمال. وقد عبر الأمين العام المحجوب بن الصديق عن الموقف الرسمي بالمجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل بالبيضاء يوم 24 نوفمبر 1987 في عرض بعنوان :"الوحدة النقابية والتعددية المزيفة"، حيث اعتبر أن المبرر الوحيد لتعدد التنظيمات منعدم وهو المبررالديني والعقائدي، مدعيا أنه سبب تعدد النقابات ببعض البلدان الاوربية. واعتبر النقابات الأخرى نقابات "مزيفة وأندية فارغة" لا هدف لها غير شق صفوف العمال لاضعافهم و كسب قاعدة جماهيرية لا توجد سوى في الاتحاد المغربي للشغل.

جلي أن هذا الموقف يمزج ثلاثة عناصر:

1- إنكار لحقيقة تاريخية وهي أن التعدد النقابي لا يقوم على أسس دينية في الجوهر بل هو تعبير عن تباين سياسي لا يجري تدبيره بطرق ديمقراطية. وهو من أسباب التعدد النقابي بالمغرب أيضا.

2- تهرب من الاعتراف بوجود مشاكل داخل النقابة الأم أدت إلى الانشقاق.

3- حق يراد به باطل : كون قوى غير عمالية تبحث عن قاعدة عمالية.

هكذا جرى استبدال البحث عن صيغة مشتركة لنضال الشغيلة بالتشبت بالوحدة النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل ورفض التعددية النقابية ونعثها بالمزيفة، هذا بينما تتقدم كدش في خوض النضالات و إزاحة الاتحاد المغربي للشغل من العديد من القطاعات الاساسية (سكك ، مناجم ، بنوك ،الخ).

فأيا كانت الطبيعة السياسية للتيار المهيمن داخل الكونفدرالية، فهي تحظى بتأييد قسم متنام من الطبقة العاملة، يعتبرها أداة للتصدي لهجمات أرباب العمل ودولتهم. ذلك ما يؤكده زخم النضالات ونتائج انتخابات مناديب العمال واللجان الثنائية والصيت الشعبي الذي أضحت تتمع به، وبالتالى فإن تجاهل وجودها ليس عقلانيا من زاوية مصالح الطبقة. ثم إن الاستنكاف عن العمل الوحدوي يعطي الكونفدرالية مزية الروح الوحدوية بينما هي في الواقع دون ذلك. ولو تجاوب الاتحاد المغربي للشغل مع نداءات وحدة النضال لجاءت تجارب تفضح حدود الروح الوحدوية لدى الكونفدرالية.

ومن جهتها لم تستجب قيادة الاتحاد العام للشغالين لنداء الكونفدرالية على نحو فوري، إذ وجب انتظار سنتين ونصف [فبراير 88] ليعلن عن أول اجتماع مشترك بين قيادتي النقابيتين. و تمضي السنوات و يظل الاتحاد المغربي للشغل ممتنعا عن أي تعاون وعن أي مبادرة وحدوية بديلة من جهته. لا بل لم تبد قيادته الحدود الدنيا من الاحترام بالرد (حتى بالرفض) على اللجنة النقابية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي يناضل قسم من أعضائها تحت لواء إم ش، لما ناشدتها بتوسيع وحدة العمل النقابي في نداء يوم 28 دجنبر 1988. هذا رغم أن التنسيق الفوقي بين الاتحاد العام والكونفدرالية كان يقابله تعاون ميداني من عمال الكونفدرالية مع رفاقهم في الاتحاد المغربي للشغل أكثر مما مع عمال الاتحاد العام. ففي سنتي 88-89 بلغ عدد الإضرابات المشتركة بين الاتحاد المغربي للشغل و كدش 11 إضرابا في حين لم تتجاوز تلك المشتركة بين الاتحاد العام وكدش 5 إضرابات [6] 46.

ورغم انصرام عامين بعد بدء التنسيق أقبلت كدش بمفردها على خطوة نوعية: الدعوة إلى إضراب عام يوم 19 أبريل 1990. ولم يكن بإمكان الجناح النقابي لحزب الاستقلال أن يتصرف من تلقاء ذاته مهما ادعى حرصه على مصلحة العمال، فلا بد من إذن حزب الاستقلال.

فكان أن انعقد اجتماع المجلس الوطني للاتحاد العام للشغالين يوم 17 نوفمبر1990 للمصادقة على قرار خوض الإضراب العام، وذلك برئاسة رجل الأعمال الاستقلالى محمد الدويري –مؤسس الاتحاد العام للشغالين- وهو الإضراب الذي نفذ يوم 14 دجنبر. وتنوع التشاور بين قمتي كدش و الاتحاد العام ليشمل دعوة للمشاركة في مسيرة تضامن مع شعب فلسطين يوم 1-6-90. واتخذ موقف سياسي موحد بمقاطعة الدستور في غشت 1992. و شهدت قطاعات عديدة إضرابات وطنية بتنسيق النقابتين. لكن الاحداث تذكر باستمرار بهشاشة التعاون الفوقي. ففي 9 فبراير 94 صدر بيان مشترك لتأكيد استمرار التنسيق، وبعده بأسبوع تنفرد كدش بالدعوة إلى إضراب عام. وأجلته بفعل مساعي الأحزاب والاتحاد العام للشغالين نفسه. كذلك كان شأن تنظيم فاتح ماي حيث صدرت بيانات مشتركة (95-1996) دون توحيد المواكب في المسيرات. وكان آخر تحرك موحد متمثلا في خوض إضراب عام يوم 5 يونيو 96 ، تلاه توقيع اتفاق فاتح غشت مع أرباب العمل ودولتهم ثم دخول الحزبين إلى الحكومة في مطلع عام 1998، ليدخل التنسيق مرحلة فتور غير مسبوق.

خلاصة استعراضنا هذا لتنسيق كدش مع الاتحاد العام أن هذا الشكل من العمل المشترك لم يكن من باب الحرص على مصالح العمال بل نتيجة أغراض قوى غير عمالية تستعمل نضالات الشغيلة لغايات خاصة بها. هذا لأن الأحزاب البرجوازية المعارضة ( الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال) تعوزها قوة سياسية مستمدة من قوة اجتماعية لها قدرة على انتزاع مطالب اصلاح الدستور وتحسين الموقع في مؤسسات الديمقراطية المزيفة.

ظل التنسيق منذ انطلاقه حتى توقفه فوقيا لأن القيادة تخشى إطلاق دينامية مستعصية على التحكم، ولأن عقودا من التربية المفسدة للوعي جعلت القيادات المحلية نفسها متبرمة من العمل الوحدوي، و أوهمت قواعد النقابات أن عمال كل مقاولة أو قطاع سيحلون مشاكلهم وحدهم.

لمادا توقف التنسيق بين الاتحاد العام وكدش؟ لأن حاجة الحزبين إليه توقفت بمشاركتهما في الحكومة بينما حاجة العمال إليه تتزايد بتصاعد الاعتداءات على قدرتهم الشرائية و على النزر اليسير من مكاسبهم الاجتماعية وحرياتهم.

هذا ولم يكن التنسيق أبدا موضوع نقاش في هيئات النقابتين ولا في إعلامهما. وحتى كدش المبادرة إليه، والمعبرة عن اندفاع أكبر في النضال، لم تقم بوضع أي حصيلة للتنسيق ولا رسم لافاقه في ما عقدت من مؤتمرات بعد انطلاقه (الثالث في 1997 والرابع في 2001) . ولم يثر الأمر أي نقاش في القواعد ولم يسجل أي جهد لليسار الجذري في حفز الاهتمام بموضع التجميع النقابي.


مصطفى البحري و محمود جديد
المناضل-ة عدد3


يتبع......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قانون خصخصة المستشفيات في مصر.. هل تتأثر الخدمة الصحية للفقر


.. رئيس الوزراء: رفع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى 19




.. بعد رفع الا?جور الطبية مطالب برفع الحد الا?دنى للا?جور، أح


.. رئيس لجنة قوى النواب يكشف أهم مطالب العمال في برنامج الحكومة




.. ضبط 84 حالة عمل ا?طفال و 1324 زيارة تفتيشية مخالفات لا?صحاب