الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخبار طفل يحب الأشجار

حفيظ بورحيم

2016 / 1 / 26
الادب والفن


فتح ذلك الطفل عينيه الصغيرتين على البيئة الجديدة التي سيعيش فيها، فاستقر في قلبه شعور بالتعاسة واﻷ-;-لم الشديدين ؛ لأن أمه انتزعته من جدته انتزاعا جائرا، وحملته معها إلى "سدوم"، فأقام مقارنة بين بيئته القديمة وهي "الدشيرة" التي نشأ فيها سعيدا مبتهجا في حضن الجدة الطيبة، وبيئته الجديدة وهي قرية كانت آنذاك في أسفل الدرجات من التخلف واﻷ-;-مية والجهل. فكره اﻷ-;-شياء وبكى ﻷ-;-نه خدع ﻷ-;-ول مرة في حياته.
قالت أمه :
ء من اﻵ-;-ن فصاعدا سوف نقطن بهذا البيت المتواضع، وسوف يكون طريقك واحدا وهو طريق المدرسة، سوف تذهب مع ابنة الجيران وستعود معها، وإياك أن تبتعد مع اﻷ-;-طفال في غيابي.
هكذا تم الاتفاق بين اﻷ-;-م وابنها وحينما طلع الصباح سار إلى المدرسة البعيدة مع بنت الجيران المتيقظة، فدخل إلى القسم وارتسمت لديه انطباعات أولية عن اﻷ-;-طفال واﻷ-;-شياء الغريبة التي بدأ يراها. شعر بالوحدة والضيق والحزن وعواطف أخرى كلها سلبية.
وبعد قليل، دخل اﻷ-;-ستاذ البشوش وجلس على كرسيه وألقى التحية على التلاميذ، وأمرهم بإحضار الأكل فهبوا من مقاعدهم وبين يدي كل واحد منهم صنف من الطعام. وعندما علم اﻷ-;-ستاذ أنه تلميذ جديد أخبره بالعادات التي تحدث في القسم ومن بينها هذه العادة التي وجدها الطفل غريبة جدا. ابتسم الأستاذ وشاركه الطعام محتفظا بالسكاكر والحلوى لنفسه ومعطيا إياه تفاحة صغيرة دلالة على الترحيب.
مرت اﻷ-;-يام وصاحبنا يجتهد ويدرس وينجز تمارينه ويحضر للأستاذ قطع الحلوى، واﻷ-;-ستاذ يلقاه دائما بوجه طلق بشوش، فكان سعيدا من هذه الناحية، لكن بعض اﻷ-;-طفال كانوا يحتقرونه وينبذونه على عادة كل جماعة يتغلغل إليها دخيل ما، وكأنهم يحسون بأنه يحوز شيئا يملكونه، فهموا بإزعاجه ولم يجد مهربا من الشجار الطويل؛ دفاعا عن نفسه من شرهم الذي لا يطاق رغم أنه كان خجولا جدا ..وذات مرة كان اﻷ-;-طفال يلعبون وكان يلعب معهم فاجتمعوا وتكتلوا ضده وخلعوا نعليه وأخفوها عنه، فبكى وبحث مع الباحثين من أخيار التلاميذ عنهما، فلم يجد شيئا تحت النبات واﻷ-;-عشاب، ولا فوق الأشجار فدخل التلاميذ إلى الفصل ودخل هو متأخرا، وأخبر اﻷ-;-ستاذ عن فعلهم الدنيء، فنالوا الجزاء وأعادوا ما سرقوه مكرا وعدوانا.
هبت اﻷ-;-مطار ليلا وصاحبنا في البيت مع أمه الصارمة يشاهدان القناة الثانية التي كانت مملة ، فتسرب إليه القنوط. لم يجد شيئا يمضي به وقته ويفرح نفسه، فبدأ يرسم ليفضح كل شيء فهو لم يكن يخبر أمه بما يمر عليه، كان يخفي كل شيء في القلب، حتى ورث عادات سيئة وهي الوحدة والكتمان.
كان الرسم شغفه الوحيد، كان يرسم دائما الطبيعة، فيبدع في رسم الشمس والغيوم، والسماء واﻷ-;-شجار، والحقول واﻷ-;-نهار؛ ذلك ﻷ-;-ن الكلمة لم تكن تسعفه..فمرت اﻷ-;-يام وبدأت علاقة صداقته بابنة الجيران تتوطد وتتقوى، فكانا يصيدان الحلزونات ويجمعانها معا ويخبئان أكثرها في السطح داخل علب الكارتون هكذا كانا يلعبان ويمرحان في براءة وود عفوي، حتى قالت له ذات مرة اشتر لي شيئا ما هدية ، فأبى ذلك وغرست أسنانها في شفتيه الصغيرتين فتخاصما.
مضت الأيام والليالي وعادت صداقتهما إلى ما كانت عليه سابقا، فحاولا ذات مرة أن يبحثا في مزبلة عن أي شيء يكون مصدر سعادتهما فلم يجدا شيئا، وقد كانت فكرة خاطئة من البداية؛ ﻷ-;-ن مزبلات القليعة مثل أصحابها فقيرة جدا.
هكذا كان يفكر عند عودتهما إلى المنزل، فقالت له فجأة:
ءإن "دراغون بول" سوف يبدأ بعد قليل، ادخل معي لنشاهده ما رأيك؟
ءأجل، أجل..مرحا..مرحا.
فدخلا معا، وبدأ المسلسل الكارتوني بأغنيته الحماسية المعتادة فاستمتعا بأحداثه العجيبة، ثم غادر إلى البيت لكي يلاقي الوحدة القاتلة.
مرت اﻷ-;-يام وجاءت أخرى وانتهى الموسم الدراسي وطفق الطفل يلعب مع اﻷ-;-طفال، ثم رأى بعضهم يلعب بالطائرة الشراعية فتملكه الحزن الشديد وصمم على امتلاك واحدة مثلها فصارت له واحدة، فكان يزعج بصوته السكان وهو يجري في الدروب بطائرته المحلقة في السماء.
وذات يوم رأى طفلا من اﻷ-;-طفال يصنع تمثالا من الطين، فبدأ يقلده بشغف كبير.. ثم تصادقا وكان هو عمود هذه الصداقة؛ لأنه كان يتحكم شيئا ما في القرارت والاختيارت فكان سعيدا كل السعادة بما يفعله، وأيضا كان يذهب مع أمه إلى اﻷ-;-رض التي كانت تشتغل بها فيعينها على قطع بعض الخضر، وربما يلعب في جنبات تلك اﻷ-;-راضي ويقطف اﻷ-;-زهار، لكن علة واحدة كانت تتعبه وتنهك جسده الصغير وهي علة فقر الدم، وكان قد أصيب بها قبل أن يأتي إلى القليعة فشعر بسببها بدوار شديد تملكه في يوم من اﻷ-;-يام وهو يلعب، فخافت أمه وشدت يده بقوة وأجلسته على صخرة كبيرة وغادرت فأمسك برأسه ورفع بصره فرأى أناسا يمرون وارتسمت تلك الصورة في ذهنه.. جاءت بعد ذلك أمه وهي تحمل كأس ماء أذيب فيه سكر، فشربه ببطء واستعاد وعيه رويدا رويدا وعادا إلى البيت.
حن إلى جدته فأخذته إليها ﻷ-;-ول مرة بعد مجيئه إلى هنا، فتعانقا طويلا وجلس في منزلها حتى المساء ثم عاد مع أمه إلى "سدوم".
مرت أيام كثيرة فحدث أن تخاصمت اﻷ-;-م مع ربة البيت فغادرا إلى مكان آخر.. وسكنا في مرأب تجتمع فيه الفئران والصراصير، فتعذب عذابا كبيرا وكان قد ألف السكوت واعتاد على الفقر والذل، وفي تلك المنطقة لا وجود لموضوع ما يمكن أن يكون مصدر متعة له، فاعتاد بعد ذلك على الصعود إلى شجرة كان يحبها ويعشقها. ورغم ذلك كان اﻷ-;-لم يدب إلى صدره، ولا يجد متعة في فعل شيء إلى أن قدمت الجدة ذات يوم وتزامن ذلك مع بداية الموسم الجديد ففرح واغتبط وذهبت معه إلى المدرسة .فدخل إلى القسم ورأى اﻷ-;-ستاذتين اللتين ستدرسانه ، فأعجبته أستاذة لغة الضاد وكره أستاذة اللغة اﻷ-;-جنبية كرها شديدا لتعجرفها وشراستها، وقد كانت مثل امرأة البارون "تاندر ترانخ ترون" ضخمة مثل الفيلة وكانت تضع المساحيق فتظهر للتلاميذ مثل شبح سمين مخيف.
أمرتهم بشراء غطاء المقعد فاشتراه مستغربا، ثم بدأت تتعامل بأساليب جائرة.. وذات مرة دفعت صاحبنا فاصطدم رأسه بالسبورة اصطداما فلم يقل شيئا لأمه وقال كل شيء للشجرة.. وكره اللغة الفرنسية من يومها.
مرت اﻷ-;-يام وصار له صديق، وتم اﻹ-;-علان عن مسابقة في الرسم ، فحفزه البعض على المشاركة؛ لكنه أبى وعندما بدأت تلك المسابقة، أخرج قلما وورقة وطفق يرسم الطبيعة وأشياءها غير نادم على شيء، وكأنه يريد أن يقول إن تلك المسابقة خاصة بالفاشلين، وبعد دقائق هبت اﻷ-;-مطار وجاء اﻵ-;-باء وذهبوا بأبنائهم إلى المنزل ، وظل هو في مكان من اﻷ-;-مكنة يرسم رسوما عديدة.
ربما كانت اﻷ-;-مطار أحن عليه، ربما كانت تبكي من أجله، ربما كانت الطبيعة واﻷ-;-شجار حضنا دافئا يشعره فيه باﻷ-;-من والسرور...
فجأة ظهرت جدته وهي تبكي أسفا عليه وندما على قرار أمه الجائر بإحضاره إلى هنا.. وحملته إلى البيت وحلفت أنها لن تدعه بعد اليوم حتى تعيده إلى الدشيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري