الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنوير بدلا من التحريض أو التخدير: BBC فضائية جديدة من

هويدا طه

2005 / 11 / 11
الصحافة والاعلام


لماذا أثار الإعلان عن قرب إطلاق بريطانيا لفضائية BBC العربية ذلك الشعور بالارتياح في أوساط مثقفين كثر في العالم العربي؟! هذا تساؤل يدفع إلى محاولة استعراض مشهد الإعلام الفضائي العربي لحظة إعلان هذا النبأ.. الذي اعتبره الكثيرون بالفعل نبأ ًسارا..
فضائية BBC ستكون بالطبع قناة (إخبارية) وليست قناة منوعات أو قناة لأغاني الفيديو كليب، وهو ما يعني أن مجرد الإعلان عن الشروع في تأسيسها يستدعي إلى الذهن على الفور القنوات الإخبارية العربية (لغويا) المتواجدة الآن في أثير الفضاء الإعلامي، وعلى رأسها الجزيرة من قطر والعربية من دبي والحرة من واشنطن، بالإضافة إلى فضائيات أخرى أقل انتشارا وتألقا مثل قنوات النيل للأخبار من مصر والمستقلة وANN من لندن والمنار من لبنان وكذلك قناتا العالم الإيرانية والإخبارية السعودية وغيرهم هنا وهناك، إضافة إلى قنوات أخرى أعلن عنها ولم تبدأ بثها بعد مثل قناة الغد من الأردن وكذلك قنوات الشام والممنوع والديمقراطية، أو تكون اكتشفتها بنفسك صدفة وأنت تمارس طقسا يوميا نمارسه جميعا وهو الترحال بالريموت كنترول بين المحطات على مدار الساعة.. إذ تكتشف قناة جديدة.. بالأمس فقط.. لم تكن هناك!
هذه كلها قنوات إخبارية تبث برامجها باللغة العربية- أي أن مشاهديها المستهدفين هم مواطنو البلدان العربية- وتمويلها غالبا عربي- ما عدا قناة الحرة الأمريكية وقناة العالم الإيرانية- وعربي خليجي تحديدا ما عدا قناة النيل المصرية، عندما تستعرض كل هذا العدد من الفضائيات المصنفة جميعا فضائيات إخبارية.. فإنك قد تقارن بينها متسائلا ما القاسم المشترك وما أوجه الاختلاف بينها جميعا؟ ثم تتساءل ما الذي يمكن أن يجعل مثقفين عرب يظنون أن القناة البريطانية المنتظرة سوف تكون مختلفة عن الجميع؟ أو بالأحرى ما الذي لم تقدمه لهم كل تلك القنوات حتى ينتظرونه من القناة البريطانية؟
عندما أغلقت قناة BBC بسبب الخلاف مع الشريك السعودي التقطت قطر اللحظة التاريخية.. وأطلقت في فضاء الإعلام أول قناة عربية إخبارية غير تقليدية، غيرت الجزيرة مشهد الإعلام العربي تماما وحازت على إعجاب المشاهد العربي.. الذي شعر أنها شيء جديد مختلف عما ألفه في تليفزيون بلده، وكان انطلاق قناة العربية هو أحد آثار وجود قناة الجزيرة، بل حتى قرار الولايات المتحدة بإطلاق قناة الحرة كان من ضمن تلك الآثار لقناة الجزيرة على المشهد الإعلامي ومن ثم الرأي العام، وظلت الجزيرة حتى اللحظة هي المقياس أو المعيار الذي تقاس بالنسبة إليه جودة كل هذا العدد من الفضائيات الأخرى، لكن وبعد مضي نحو عقد من الزمان منذ بدء ذلك السباق الإعلامي.. تجد أن القاسم المشترك بين تلك القنوات- مع تفاوت في الحرفية أو بعض الأهداف الإستراتيجية- هو أنها جميعا تكون في بعض الأحيان عامل (تحريض) للشارع العربي أو تكون عامل (تخدير) له في أحيان أخرى، إذ لعب معظمها على وتر (المزاج الديني) للإنسان العربي الذي يحب (النصر أو الشهادة) والمغرق في ذاتيته العربية ويعطله (اليقين) بأنه ينتمي إلى خير أمة عن فهم العالم المحيط به وعن تقدير عامل الزمن في حركة التاريخ، استدعى معظم تلك القنوات صورة من الماضي ما زالت تعشش في وعي العرب المتوارث.. وقدمتها له إعلاميا بأسماء تهدهد عجزه المستديم.. فتحرضه بها على فعل- لن يثمر أبدا لطبيعته اللاعقلانية- أو تخدره أمام شاشاتها ليصبح عاجزا عن الفهم والحركة معا، تفاوتت فقط تلك القنوات في درجة (المباشرة) في هذه العملية، كما تفاوتت أيضا في درجة (وضوح أهدافها) الحقيقية التي أطلقت من أجلها، فقناة العربية (شديدة السفور) في ارتباطها بالنظام السعودي بينما النظام القطري (منح) هامشا أوسع لقناة الجزيرة، أما قناة الحرة فمن العجب أنها اختلفت عن الجزيرة والعربية في أنها (أعلنت صراحة) أهدافها منذ اللحظة الأولى.. وهو أن الولايات المتحدة تريد (تحسين صورتها) في العالم العربي وكان هذا أحد أسباب فشلها في بداياتها، لكنها استطاعت في بعض المناسبات أن تتفوق عليهما في جذب المشاهد العربي.. باللعب على وتر (المعاناة من الاستبداد) وليس على أوتار النصر و الشهادة، أما باقي القنوات فهي إضافة إلى عدم انتشارها بنفس الدرجة.. فهي تدور بكثافة أكبر في هذا الفلك الذي يخدم أهدافا إما لأنظمة أو لأعراق أو حتى لطوائف..
المثقفون العرب في عمومهم ابتهجوا في البداية بهذا الاتساع في الفضاء الإعلامي العربي.. وذلك التميز لتلك الفضائيات عن التليفزيون الحكومي المحلي في بلدانهم، وهم معذورون في ذلك بالطبع نظرا للحالة المزرية التي كان عليها الإعلام التليفزيوني.. قبل انطلاق قناة الجزيرة وسرب القنوات الإخبارية الأخرى من بعدها، ثم سرعان ما انتبه بعضهم إلى كارثية ثنائية التحريض والتخدير.. التي انعكست بتأثير تلك الفضائيات على شعوبهم، وراحت بعض أصوات تتعالى مطالبة بشيء من العقلانية والنقد الذاتي والانفتاح على الأمم الأخرى.. الأقل خيرا.. من أمتنا! صار مطلب (إعلام من أجل التنوير لا التحريض أو التخدير) قاسما مشتركا في شكاوى النخب المثقفة في العالم العربي، إنما تغيير تلك القنوات لأهدافها واستراتيجياتها التي عرفت بها هو أمر مستبعد بطبيعة الحال، فكان أن ابتهج الكثيرون بخبر قرب انطلاق فضائية BBC ، لكن لماذا ظن البعض أن تلك القناة ستكون (تنويرية) وليست نسخة أخرى من تلك الفضائيات بطراز إنجليزي؟ ربما لأن لهيئة BBC البريطانية تراثا عريقا في الإعلام (المتوازن) رغم أنها نشأت في دولة (استعمارية) بطبعها وتاريخها! وربما لأن المسئولين عن تلك القناة متحررون من عبء الانتماء إلى خير أمة! لذا قد يأخذون بيد مشاهدهم العربي إلى طريق ثالث غير النصر (المستحيل) أو الشهادة (العبثية)! وربما لأن فضائية بريطانية من شأنها أن تكون (بين) فضائيات أمريكا الفجة وفضائيات العرب الغارقة في الماضي وإن بتقنيات حديثة، لكن أيا كان مصير تلك الآمال.. إلى تحقيق أو إلى إحباط جديد في سلاسل إحباط لا تنتهي اعتاد عليها المثقفون العرب.. فإنهم وبعد عقد من الزمان قضوه بين جذب التحريض وشد التخدير.. لا جناح عليهم إن هم حلموا بشيء من التنوير.. وإن على الصراط الإنجليزي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله