الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الفوضى الشاملة- : الاستراتيجية الأميركية الجديدة المعتمدة حيال منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001

حليم الخوري

2005 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


تحتلّ الولايات المتحدة الأميركية اليوم، موقعاً بارزاً بين باقي دول العالم،بسبب التطوّر السياسي والعسكري والاقتصادي والتكنولوجي الذي تشهده، ممّا يجعلها في نظر الكثيرين، حجر الزاوية في بناء صرح الاستقرار الإقليمي والدولي على حدّ سواء. وقد ساهم هذا التطوّر بشكل فعّال، في خلق نظرية "السوبر-دولة" لديها، القادرة بنظرها على لعب الدور الذي تريد في أيّ بقعة تختارها من بقاع الأرض، دون أيّ رادع أو مانع، ووفقاً لما تقتضيه مصالحها واستراتيجياتها الكبرى، لا سيّما وأنّها تتواجد اليوم، إن بقواها العسكرية الذاتيّة أو بواسطة عملائها وأتباعها المحليين أو من خلال قواعدها البريّة والبحريّة والجويّة، على معظم أراضي دول العالم الأوروبي والآسيوي والإفريقي، بعد أن فرضت نفسها كإمبراطورية العصر التي لا تقهر، مستندةً في خططها التوسعيّة، إلى سلسلة من الحجج الواهية والشعارات المزيّفة، مثل الحرب على الإرهاب وحماية السلم الدولي ونشر الحرية والديمقراطية بين الشعوب، بينما تقوم في الواقع بزرع الفتن والفوضى الشاملة في أنحاء كثيرة من العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، ذي الأغلبية العربية والإسلامية، تماماً كما هو حاصل اليوم في كلّ من أفغانستان والعراق، وكما سيحصل ربما لاحقاً في إيران وسوريا ولبنان وغيرها من الدول التي تشكّل بمواقفها المعادية للسياسات التوسعيّة الجديدة التي بدأت الولايات المتحدة الأميركية باعتمادها حيال المنطقة في أعقاب الهجمات التي شهدتها أراضيها في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001، عائقاً في وجه الأهداف والخطط التي رسمتها لها إدارتها الحالية، في ظلّ هيمنة حفنة من المحافظين الجدد، من أمثال "ريتشارد بيرل" و"بول وولفويتز" وغيرهم من أصحاب النظرة المكيافيللية للأمور.

تهدف سياسة الفوضى الشاملة الأميركية بشكل أساسي، إلى تغييب كامل لدور المؤسسات المحليّة السياسية والأمنية للدول المعنيّة، بغية شلّ قدرتها على تطوير حياتها السياسية الداخلية من جهة، وإلى تعميم حالة مستشرية من التسيّب الأمني على أراضيها من جهة ثانية، سعياً إلى تحويل أنظار حكّامها وشعوبها عن المخططات الآيلة إلى هيمنة الولايات المتحدة الأميركية بشكل كلي،ّ على المقدّرات المختلفة التي تمتلكها هذه الدول. ولكن هنالك هدف أخطر لهذه السياسة بدأ يظهر إلى العلن بشكل أوضح وأشمل، سوف ينتج عنه في حال تحقّقه، إقامة أنظمة جديدة في المنطقة تكون تابعة سياسياً واقتصادياً وثقافياً للإمبراطورية الأميركية، إذا جاز التعبير، وذلك عبر إلحاقها بالنظام العالمي الجديد الذي بات يعرف بـ"العولمة"، والذي يشكّل الوجه السلبي منه، انعداماً للحدود الجغرا-سياسية بين الدول، وما يعنيه ذلك من انتفاء كليّ لمفهوم الدولة القومية الذي كان سائداً خلال القرن الماضي، وفقدان لهويتها الوطنية ووحدتها وتماسكها الاجتماعيين، ممّا يعرّضها لخطر التفكّك والتفتيت والانهيار. كما يفتح الباب واسعاً أمام سيطرة الشركات الرأسمالية الكبرى على المقدّرات الأساسية لبعض الدول الفقيرة والضعيفة في المنطقة، بحجة تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي فيها؛ والمعروف بأنّ للقيّمين على إدارات هذه الشركات، ارتباطات وثيقة مع عدد كبير من السياسيين الأميركيين في الإدارة الحالية، وما يعنيه ذلك من التقاء للمصالح، تجسّده نوايا الأولى في تحقيق ما أمكن من المكاسب التجارية والاقتصادية على حساب الشعوب والمجتمعات الفقيرة من جهة، ومتطلّبات الثانية السياسية والأمنية على حساب وحدة وسيادة الدول الضعيفة من جهة ثانية.




هذا، وقد ساهم انتصار الولايات المتحدة الأميركية في الحرب الباردة، وما نتج عنه من سقوط مدوّ للاتحاد السوفياتي وللأنظمة الاشتراكية التي كانت تدور في فلكه، في هيمنتها المطلقة، وبشكل أحادي، على السياسة العالمية، ممّا جعلها قادرة على تمرير القرارات المختلفة التي تتلاءم مع أهدافها واستراتيجياتها دون أيةّ معارضة تذكر، لا من داخل الأمم المتحدة، التي أصبحـت بمثابة أداة في يدها، تحرّكها كيفما تبغي وساعة تشاء، ولا من خارجها؛ وما حدث مؤخراً في العراق وأفغانستان وقبلهما في يوغوسلافيا، يشهد على ذلك.

إنّ الفرق بين الحرب تلك وبين حرب اليوم التي باشرت الولايات المتحدة الأميركية بخوضها ضدّ ما يسمّى بـ"الإرهاب الدولي" في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، يكمن في أنّ الثانية موجّهة ضدّ عدو مجهول الهوية والأهداف، بعكس الأولى التي كان فيها الخصم معروفاً وأهدافه معلنة. إلا أنّ الطابع الإسلامي الذي طغى على هويّة منفذيّ تلك الهجمات، جعل الدولة العظمى، بإدارتها وبرأيها العام على حدّ سواء، تعتبر الإسلام مصدراً أساسياً للإرهاب حول العالم، وتنظر إليه نظرة العدو الشرس الذي يجب أن توجّه الحرب ضدّه، ممّا حدا بأكثرية المسلمين إلى الاعتقاد، وربّما عن حقّ، بأنّ أميركا تسعى من خلال حربها الشّعواء هذه، إلى إضعاف المجتمعات الإسلامية من الداخل، بغية تقسيمها وتفتيتها، تحت ستار مشاريعها المزيّفة الداعية إلى نشر الإصلاح والتغيير الديمقراطي في الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، كمشروع "الشرق الأوسط الكبير" مثلاً، المقتبس في الأساس عن مشروع قديم لرئيس وزراء إسرائيل الأسبق شيمون بيريز بعنوان "الشرق الأوسط الجديد"، وغيره... وهذا الأمر يبدو جليّاً اليوم في العراق، الذي يعيش منذ احتلاله من قبل الجيش الأميركي وحلفائه الغربيين، حالة متزايدة من الفوضى السياسية والأمنية والاجتماعية الشاملة، في وقت بدأت ترتسم بوضوح معالم تقسيمه إلى دويلات مذهبية ثلاث، سنيّة وشيعية وكردية.

أمّا بعد، فإنّ السؤال الكبير الذي بدأ يطرح نفسه بإلحاح شديد اليوم، ما هي الحدود التي ستقف عندها هذه الهجمة الأميركية الشرسة على المنطقة، وما هي السبل الآيلة إلى الصمود في وجهها والتصدي للمشاريع والمخططات التي تنوي الإدارة الحالية تمريرها من خلالها؟
يعتبر الأميركيون بأنّ أصداء الحربين اللتين شنّتهما على كلّ من أفغانستان والعراق، سوف تتردّد لا محال في أرجاء العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى، التي تشكّل أنظمتها الحاكمة اليوم باعتقادهم، خطراً كبيراً على أمنهم القومي والإقليمي على حدّ سواء، لا سيّما النظامين السوري والإيراني، اللذين وفي حال لم يرضخا للأمر الواقع المفروض أميركياً على المنطقة، فإنّهما سيواجهان دون شكّ المصير نفسه. والذرائع والحجج موجودة ومحضّرة مسبقاً؛ فكما كانت الحجّة لشنّ الحرب على العراق هي القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي زعمت الولايات المتحدة الأميركية بأنّ النظام العراقي السابق كان يمتلكها، والتي أثبتت فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة لاحقاً عدم صحّة هذه المزاعم، نجد اليوم أنّ الدولة العظمى تستخدم السيناريو ذاته مع كلّ من سوريا وإيران؛ إذ بدأت الضغوط تشتدّ على الأولى بسبب الاتهامات الموجهة إليها بتهريب المقاتلين عبر حدودها إلى داخل الأراضي العراقية من جهة، وبدعمها المستمر للمنظمات التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية إرهابية، كحماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين وحزب الله اللبناني من جهة أخرى، وعلى الثانية من خلال تضخيم الدعاية الإعلامية حول برنامجها النووي، وما يمثّله من خطر داهم على أمن واستقرار المنطقة بأسرها.



إنّ مجرّد رفع حكّامنا ومسؤولينا الحاليين شعار "أنّ التغيير لا بدّ من أن يأتي من داخل المجتمعات العربية والإسلامية، وبأنّه لا يمكن لأحد أن يفرض عليها ديمقراطية من الخارج"، دون الالتزام الصريح بتطبيقه على أرض الواقع، لم يعد كافياً للوقوف في وجه المشاريع والمخطّطات الأميركية الآخذة بالتدفّق على منطقتنا في هذه الأيام. لذا، فقد أصبح من الضروري الآن، وقبل فوات الأوان، حدوث تغيير جذري في الأنظمة العربية كلّها، دون استثناء، تنبثق عنه قيادات سياسية شابّة، تولي مواضيع كتحقيق الديمقراطية وحماية الحريات والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان وتفعيل دور المرأة في مختلف المجالات وتطوير الاقتصاد ونظم التعليم ونبذ التطرّف الديني ونشر المبادئ العلمانية داخل المجتمع، الاهتمام المطلوب، على أن تنطلق بعدها باتّجاه وضع خطّة عمل عربية مشتركة، تكون قادرة على مواجهة الآثار السلبية التي قد تخلّفها المتغيّرات الإقليمية والدولية الحاصلة من حولها على كافة الصّعد، السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لأنّ بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، سوف يقدّم للولايات المتحدة الأميركية، وربما لغيرها من الدول الغربية التي ما زالت لديها أحلام استعمارية في منطقتنا، ذريعة جديدة تضاف إلى الذرائع الأخرى، لشنّ مزيد من الحروب عليها بهدف احتلال دولها ونهب ثرواتها والعمل على نشر ثقافاتها في مجتمعاتها وبين شعوبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط