الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة الكاندم

محمد يسري

2016 / 1 / 28
السياسة والعلاقات الدولية


إذا كنت قد ولجت لقراءة هذا المقال معتقداً أن هناك خطأ في كتابة العنوان وأن كلمة الكاندم قد كتبت خطا وان العنوان الصحيح هو "معركة الكوانتم" فيؤسفني ان اصيبك بالإحباط فالعنوان الموجود في اعلي المقال هو عنوان صحيح ومقصود مائة بالمائة.
اما نظرية الكوانتم التي تم استدعائها في مخيلتك عندما قرأت العنوان فمحل ذكرها ومناقشتها في مواضع واماكن ومجتمعات اخرى حيث تم الانتهاء من ركام هائل من الاشكاليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من تجليات التخلف ونتائج الجهل والاضمحلال الخلقي والمعرفي.
اخي القارئ العزيز من الممكن ان تقرأ عن الكوانتم في مجلات علمية تصدر في بلاد العالم المتقدم في اميركا واوروبا واليابان ...اما هنا فيجب ان توطن نفسك على ان تسمع وتشاهد وتناقش وتلقي بدلوك في مشكلة أكثر اهمية وابعد تأثيرا ...الا وهي معركة الكاندم
في يوم 25 يناير عام 2011م اندلعت الثورة في مصر ... قامت الثورة على الفساد والمحسوبية والظلم الاجتماعي وخلال خمسة اعوام كاملة تغيرت الاحداث فتعاقبت الدساتير والرؤساء وقتل المئات في الميادين والشوارع وزج بالآلاف في غياهب السجون
كانت السياسة هي المحرك والدافع للأحداث ...أباء اختلفوا مع أبنائهم واخوة قاطعوا أخوتهم وأزواج فارقوا ازواجهم ...كل ذلك وأكثر حدث بسبب اختلاف التوجه السياسي والفكري
وبعد كل تلك الاحداث وبعد خمسة اعوام وفي الذكرى السنوية لما تبقى من ذكريات ثورة فاتت ولم يبقى منها سوى الذكريات، نجد الرأي العام ينشغل بمسألة في غاية الاهمية والخطورة واقصد بها الفيديو الذي قام بتصويره اثنان من الشباب في ميدان التحرير وبه استهزاء واضح بأفراد الشرطة
ولي عدد من الملاحظات على هذا الفيديو
اولاً
ان مجرد المقارنة بين حال ذلك المجتمع الان مع حاله من خمس سنوات مضت لكفيلة بإبراز الاوجه السلبية التي تتزايد يوما بعد يوم ويتفاقم خطرها بشكل مطرد
فما بين الحالتين يظهر مجتمع متخلف بائس عاجز اثبتت الايام انه غير جدير بأهليته السياسية ولا بصلاحية افراده لممارسة ما يمارسه غيرهم في باقي المجتمعات من ممارسة السياسة بطريقة ديموقراطية سليمة.

ثانياً
أثبتت المناقشات الدائرة حول الفيديو ان هناك عدد من القواعد والثوابت التي تؤثر كثيراً في المعادلات السياسية -الفكرية في مجتمعاتنا والتي يجب ان يتم الالتفات اليها والتنبه لها في أي حراك سياسي مستقبلي
المجد للأقوى...المجد للأشد تعصباً والاكثر راديكالية
من ساءهم الفيديو اعترضوا بشدة وبعنف ...طالبوا بنفي منفذيه وبسجنهم وتأديبهم بل طالبت بعض الاصوات بسحقهم بلا رحمة ولا شفقة وتدمير مستقبلهم بل وبإعدامهم ان تطلب الامر
أصحاب ذلك الرأي اعتقدوا وامنوا ان السخرية من مجند بسيط هو في حقيقة الامر سخرية من الداخلية ومن ثم الجيش ... اعتقدوا ان السخرية تطول الدولة كلها
ولذلك نراهم لم يفكروا كثيرا ولم يقيدوا أنفسهم بقيود متخيلة من حرية الابداع وحرية الاعلام ومدى قانونية الفعل من عدمه
هؤلاء لم يضعوا أنفسهم مكان منفذي الفيديو ولم يلتمسوا لهم سبعين عذر ... ولم يحاولوا ان يمسكوا العصا من المنتصف ولا ان يلونوا الصورة باللون الرمادي المحبب للكثيرين
على الجانب الاخر نجد الكثيرين ممن يطلقون على أنفسهم اسم الثوار من مؤيدي الشرعية ومناهضي الانقلاب قد سارعوا بالدفاع عن منفذي الفيديو واحتفوا بهم واعتبروهم شركاء في الثورة والنضال واخوة لهم في المعركة ضد سلطات الدولة الغاشمة
ومن هنا وهناك ظهرت مبررات تتذرع بحرية التعبير والحق في ابداء الرأي وحرية الابداع والاعلام وسط جو عام من الشماتة في هيبة الدولة التي طالتها السخرية والاستهزاء.
ثالثا
الخلاف بين الفريقين السابقين يبين سبب وصول المعركة بينهما الى النتيجة الحالية
الفريق الاول (مؤيدي 30 يونيو وحكم السيسي) لا يلتزم باي معايير او قيم تخرج عن النطاق القيمي الذي يؤمن به ويقتنع به من البداية .... فهم يؤيدون باسم يوسف عندما استهزاء بالرئيس محمد مرسي ويغضبون عليه عندما حاول ان يمس الرئيس عبد الفتاح السيسي
تسأل أحدهم عن السبب والمنطق في ذلك فيجيب بكل بساطة وبكل براءة انه ايد الهجوم على مرسي لكونه لا يحبه وانه رفض هجوم باسم يوسف على السيسي لكونه يعشقه ويرى فيه تشخيص لصورة الدولة القوية التي لطالما حلم بها
هو اذن لم يحاول ان يمنطق المسألة ولا ان يجد لها مبررات خارج ثقافته ومعتقداته ولذلك جاء رايه في المسالة بسيطا واضحا قاطعا
اما الفريق الثاني (الاخوان المسلمون وتحالف دعم الشرعية) فقد الزم نفسه بالكثير من المعتقدات والافكار والقيم الخارجة عن الإطار القيمي الذي يؤمن به ويميزه عن غيره
فعلى مدار عشرات الاعوام المتتالية تطورت نظرية الاسلام السياسي في مصر وتلونت بالكثير من الالوان حتى صار اللون المميز لها هو اللون الرمادي الذي تكون من اختلاط عدد من الالوان المتناقضة والمختلفة
ادت تلك الرمادية المطلقة في غياب الكثير من الافكار والمعتقدات التي يجب ان تكون معتقدات مؤسسة وذاتية الحكم على نفسها، فأصبحت كل افكار ومعتقدات هذا الفريق تحتاج الى ما يؤيدها ويساندها ويبررها من خارج النطاق القيمي الخاص بالفريق
اصبحت كل القيم نسبية ولا توجد فيها قيم مطلقة، فالتنازلات المستمرة التي قدمتها جماعة الاخوان المسلمين مع الدولة من جهة ومحاولتها الدؤوب لجمع شمل التيارات السياسية الاسلامية المختلفة ودمجها في كيانها من جهة اخرى، قد خلق من تلك الجماعة مسخاً مشوهاً لا وجه خاص له، بل يمكنه ان يظهر بعدد من الوجوه التي يتم تبديلها وتغيرها حسب الحاجة وتبعاً للضرورة.
اتذكر ان الكثير من أعضاء الاخوان المسلمين كانوا ينتظرون مشاهدة برنامج باسم يوسف الساخر -والذي كان في معظمه موجهاً لمهاجمتهم – وعلى وجوههم ابتسامة دبلوماسية رصينة ...ابتسامة تعلن بوضوح استعدادهم لسماع الاستهزاء بهم بل والمشاركة في هذا الاستهزاء ان لزم الامر لتوضيح موقفهم من قبول الاخر وسماع المعارضة وسعة صدرهم التي ليس لها حدود وكل تلك الأكاذيب والترا هات التي لا يؤمنون بها في الحقيقة ولكن يحرصون على ترويجها بين مخالفيهم للدعاية لأنفسهم ليس إلا.

فريقين اذن هما...فريق ينفذ ما يعتقده ويضرب ما لا يؤمن به بعرض الحائط
وفريق يحرص على رضا الناس حتى ولم يرضي نفسه

رابعا
بعيدا عن موقف الفريقين السابقين من الفيديو...هل يستحق هذا الفيديو كل هذا الصخب؟
ممثل لم يشتهر الا بتمثيله مع فنانات من نوعية غادة عبد الرازق ومن شابهها ومقدم برامج انجازه الوحيد هو مشاركته في برنامج ساخر لدمية متحركة...هل هؤلاء فعلا هم أفضل امثلة للتعبير عن الثورة والثوار؟
في بلد يقبع الالاف من شبابه في غياهب السجون وتحت ارضه تم دفن الاف الجثامين التي لفظ اصحابها انفاسهم الاخيرة وهم يدافعون عن معتقداتهم وما يؤمنون به...هل انتهت كل تلك الامثلة للتدليل على روح الثورة حتى نأتي بنموذجين من أكثر شباب مصر ميوعة ورقاعة ورفاهية وفساداً لإظهار وجه الثورة؟
إذا كنت من مؤيدي الشرعية والشريعة فهناك من هو مثل حسام أبو البخاري وخالد حربي أجدر بك ان تدعمهم وتؤيدهم وتغضب لهم، وإذا كنت من مؤيدي حرية التعبير والابداع فيوجد الكثير من الأمثلة التي قد تكون في حاجة لتشجيعك ومنهم علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر وغيرهم
اما ان تترك كل تلك الأمثلة -والتي قد نتفق او نختلف معها -وتتشدق بكل المبادئ والقيم للدفاع عن أصحاب موقعة الكاندم فهذا ما لا استسيغه ولا افهمه.

وهل من مصلحة الاخوان ومن تبعهم ان يظلوا على نفس المنهج الذي يهتم بطول الصف وحشد الانصار من حولهم بغض النظر عن المعتقد والعقيدة ونقاء الفكر وخصوصيته، خصوصاً وان ذلك المنهج قد أثبت فشله الذريع من قبل؟
ونهاية هل انتهت كل مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الطاحنة حتى تقوم وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي بأفراد مساحات واسعة من التغطية لتلك المعركة التي عرفت اعلاميا بمعركة الكاندم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المعارضة المسلحة تواصل هجومها في سوريا| الأخبار


.. ما الذي يكشفه تقاطع المصالح التركية الإسرائيلية في هجوم حلب؟




.. الجيش السوري يعزز مواقعه ويستعد لشن هجوم مضاد على التنظيمات


.. غارات عنيفة للنظام السوري والطيران الروسي على إدلب




.. ما أبرز ما ورد بالصحافة العالمية للأحداث الجارية في سوريا؟