الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا نجاتي...فرقع البلالين

طارق المهدوي

2016 / 1 / 28
الادب والفن



كان إدراكنا المبكر لمدى بشاعة الجرائم التي ترتكبها عصابات الفساد والاستبداد والتبعية داخل أروقة الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية ضد حياة وحريات وحقوق وكرامة ومصالح ملايين المصريين البسطاء، متواكباً في حينه مع إدراكنا المبكر أيضاً لمعادلة أن الحرية والإبداع وجهان لعملة افتراضية واحدة يتم صرفها فقط عند الاعتراف المسبق بكل مكوناتها على أصعدة التفكير والتعبير والتمكين، والتي تشمل فيما تشمله التنوع والاختلاف والتدفق والتعدد والتدرج والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بكافة تجلياتها ومساراتها السياسية والثقافية، ثم كان إدراكنا اللاحق لماهية الأدوات الإبداعية المتاحة أمامنا ضمن جداول وخرائط حريات التفكير والتعبير والتمكين ومن بينها الكوميديا باعتبارها إحدى أدوات الاحتجاج الوطني الديمقراطي ذات العمق الاجتماعي، ليس فقط تأسيساً على ما تكشفه من جرائم عصابات الفساد والاستبداد والتبعية ولكن أيضاً بالنظر إلى ما تثيره تجاه تلك الجرائم ومرتكبيها من حالة احتجاجية عامة تمزج بين السخرية والتهكم والتحدي فتنتشل المصريين من الاستسلام لأفخاخ الخوف، عبر الأسلوب الكوميدي القادر وحده على التغلغل السريع والعميق مع القفز الرشيق فوق الأسوار والحواجز والاختراق القوي للممنوعات والمحظورات، وأخيراً كان إدراكنا لإمكانية تدوير بعض فنون وأسلحة القتال مثل الكاميرا الخفية التي طالما استخدمتها جميع العصابات في جرائمها المختلفة ضد خصومها الشرفاء، حيث أصبح بمقدور هؤلاء الخصوم الشرفاء أيضاً استخدامها من جانبهم كإحدى الفقرات الكوميدية الاحتجاجية المؤدية إلى المكاشفة المجتمعية والسخرية والتهكم من الظالمين وإثارة التحدي لدى المظلومين مع انتشالهم من براثن أفخاخ الخوف، وفي هذا السياق تحديداً نفذ الفنانان الشابان المصريان شادي حسين أبوزيد وأحمد مالك بيومي فقرة الكاميرا الخفية المتداولة تحت اسم "فيديو الواقي الذكري" رغم أن اسمها الأصلي كان "يا نجاتي...أنفخ البلالين"، نقلاً عن أشهر عبارات زكية زكريا التي هي بدورها أشهر شخصيات برامج الكاميرا الخفية للفنان الكوميدي المصري إبراهيم نصر، وقامت الفقرة على مشهد واحد قصير يبدأ بوصول شادي وأحمد إلى قلب الثكنة العسكرية الشرطية التي تحتل ميدان التحرير يوم 25 يناير 2016 وسط مجموعة كومبارس ينتحلون شخصيات مؤيدي الحكم الحالي، ويستمر المشهد مع قيامهما بتسليم الضباط والجنود بلالين منفوخة بالهواء مدوناً عليها من الخارج عبارة هدية شعب مصر إلى جيش وشرطة مصر، ويظهر المقلب بكشف حقيقة أن هذه البلالين كانت في الأصل قبل نفخها عبارة عن واقيات ذكرية مخصصة لمنع الحمل، نقلاً عن واقعة حقيقية سبق أن تكررت خلال العقود الماضية عدة مرات ونشرتها الصحف في حينه، عندما باع موظفو مراكز تنظيم الأسرة لحسابهم الشخصي الواقيات الذكرية المرسلة إليهم مجاناً ضمن المعونة الأمريكية لمشروع تحديد نسل المصريين فذهب بعضها إلى محلات لعب الأطفال التي باعتها لأطفال الأرياف بعد نفخها باعتبارها بلالين، ولأن الكاميرا الخفية المجتمعية يتم استخدامها كأداة كوميدية واقعية سوداء في إطار صراع تكسير العظام القائم حالياً في مصر، فإنه يمكن فهم كراهيتها وبالتالي محاربتها من قبل المجرمين الذين يقعون هم أو توابعهم تحت عدساتها وأضوائها، كما يمكن فهم كراهيتها وبالتالي محاربتها من قبل توابع الفاشيات الدينية (الإسلامية والمسيحية) والقومية والماركسية لكونها تحرض العوام على رزيلة (الضحك) بينما يتمسك الفاشيون وتوابعهم بفضيلة (التجهم)، كما يمكن فهم كراهيتها وبالتالي محاربتها من قبل أدعياء النقد الفني الجهلاء الذين ينتقدونها استناداً لأساس زائف هو تدني معاييرها الفنية بالقياس على إسماعيل ياسين في إفيهاته أو على جورج أبيض في بروتوكولاته، متجاهلين لحقيقة أن معاييرها الفنية تقاس فقط بمدى نجاحها في المكاشفة والسخرية والتهكم من الظالمين وإثارة التحدي لدى المظلومين مع انتشالهم من براثن أفخاخ الخوف وهو ما حققه الفنانان الشابان شادي وأحمد بدرجة أو أخرى، ولكن يصعب فهم التحولات المنحرفة الشاذة التي اعترت بعض المواقف العدائية العنيفة تجاه الشابين من قبل بعض الحريصين على وصف أنفسهم بأنهم مراقبين، والذين تحولوا فعلاً بعدائهم العنيف للشابين من مراقبين بالمعنى السياسي العام إلى مراقبين بالمعنى الأمني الخاص أي مرشدين أو كما تسميهم اللهجة العامية المصرية مخبرين، عندما التقطوا كافة مفردات كراهية ومحاربة الكاميرا الخفية المجتمعية من داخل جميع بالوعات المجرمين والفاشيين والجهلاء وأطلقوها ضد الشابين، فتماسك شادي قائلاً في بيانه: "أنتم فعلاً تمتلكون السلطة والقانون والسلاح وكافة الأدوات التي تمنعون بها كل شيء عننا ولكننا لازلنا نمتلك النكتة وسنظل نضحك حتى إن لم يكن في عالمكم فسيكون في العالم الآخر"، بينما ارتبك أحمد قليلاً ومع ذلك كان واضحاً في بيانه بقوله: "إننا نعاني الاضطراب الإنساني لأننا نحب الحياة ولكننا محبطين من استمرار العبث الذي تمارسونه ضد كل الأشياء الجميلة في حياتنا"، أما نجاتي فقد استطاع الهروب من كافة الأكمنة وفي حوزته "أحراز" القضية التي هي عبارة عن ثلاث بلالين منفوخة ماركة الواقي الذكري، وجاري ضبطه وإحضاره بمعرفة الجهات الأمنية المعنية كما جاري في الوقت ذاته البحث عنه بمعرفة جمهوره الساعي لإنقاذه من خلال توجيه النصح له عن بعد قائلاً: "يا نجاتي فرقع البلالين"!!.
طارق المهدوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا


.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض




.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-