الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجعي.. محافظ.. تقدّمي

اسماعيل خليل الحسن

2005 / 11 / 12
كتابات ساخرة


تسافر في سيارة أو حافلة تنهبك المسافات, تتوغّل في الفلوات, لا تتغيّر المناظر أمامك حتى تقطع مئات الكيلومترات, إنها البادية حيث الرمل وحده يدلّ على تحولات الزمن, تم فجأة تتغير المشاهد أمامك, يتغير المشهد في كل لحظة, يطالعك جبل شاهق وواد سحيق, أشجار باسقة, قرى متجاورة, هذه قرية تخترق مآذن مساجدها عنان السماء, تخرج نساؤها ملتحفة بالسواد, لكن اسمها يذكرك بكتب التاريخ و الوطنية حين مرّ رجال الثورة السورية في حواريها و خبأتهم في جفون عينيها, قرية أخرى تشهد عليها صلبان كنائسها, تتهادى فتياتها مطلقات لشعورهن العنان, يتبرجن بآخر صيحات الأزياء, وتاريخها حافل بالوطنيّة, وفي قرية أخرى بني مزار على ضريح, ولا يختلف تاريخها الغابر عن جارتيها, إنها الوطنيّة التي تحمل في بنيتها مضامين تقدميّة و العكس صحيح.
في عصر التعميمات المائعة سادت مفاهيم الرجعية و التقدمية و اختفى مفهوم الوطنيّة تماما, و جرى تسييس كل شيء ليخدم توجّهات هذا الحزب و هذا النظام, لقد كان عصرا مفلسا سمّم الحياة السياسية في الداخل المحلي و في المحيط العربي. و بما إن السياسة هي علم الفروقات فلم يفرق العقائديون بين ما هو محافظ و بين ما هو رجعي!. أليس الشعب الإنكليزي هو أكثر شعوب العالم محافظة, لكنّه قدم للعالم الثورة الصناعيّة و الحياة البرلمانيّة؟. وما زالت المرأة اليابانيّة تقدم طقوس الولاء و الطاعة لزوجها كخادمة, و مازال يمارس اليابانيون ما هو قديم و بال كثقافة " الجيشا " و " الساموراي" و " الناشيمنتو" وغيرها في تعايش و تصالح مع ما هو حداثتي كالديمقراطية السياسية والثورة التكنولوجية لا يقف الواحد من تلك المكونات في وجه الآخر عائقا أو صادما. و في القرب منّا في حيث يمارس العدو اليهودي طقوسا مضحكة أمام حائط المبكى, ثم يعود إلى رحلة عمله ليتفوّق علينا تكنولوجيا, و يقضم بالقوة آخر ما تبقى لنا من حقوق, و نحن نتفرّج عليه خانعين بتخلفنا و جهلنا التاريخي.
لقد مارس بعض التقدميّين, أحزابا و أنظمة, دورا رجعيّا و غيبيّا, في إعادة الشعوب إلى ما قبل الدولة و قبل الحداثة و قبل المجتمع, في تقدميّة شكلانيّة, وصلت إلى حالة عصابيّة إذا ما تذكرنا حملة سرايا الدفاع في سوريا لنزع حجاب النساء المتحجّبات في المدن السوريّة, فما علاقة ذلك بالتطوير و التقدم؟. إنّ ذلك يجعل الظاهرة المحافظة تتقوقع على موروثها و تتمسك به وتبني حالة عدائيّة بين ما هو موروث و بين من يريد اجتثاث هذا الموروث بلا سبب غير كونه موروثا, وليس من ضحية سوى العقل و العقلانية .
و في روسيا السوفيتية وقف لينين بالضد من مجموعة مايكوفسكي التي أرادت تحطيم كل ما يمت بصلة إلى القيصريّة, حتى لو كان كنوزا ثقافيّة أو فنيّة. إنّه الغلوّ يأخذ شكلا تقدميا, فما الفرق بينه و بين الاجتهاد الطالباني بتحطيم تماثيل بوذا, علما أن الفتح الإسلامي لمصر لم يمس آثار الفراعنة بسوء؟.
التقدّم, الحداثة, التطوير, صيرورة عميقة وطويلة و حلزونيّة, و ليس خفة و استخفافا, وليست مغامرة إنها عمليّة تحوّلات ديمقراطيّة لأنها تنبع من داخل الشعوب و بقناعة منها, لا بإخضاع و قهر و قسر عليها, عمليّة نهوض حقيقي تمسّ القطّاعات المجتمعيّة كافة, وبناء معرفة, وتراكم خبرات, إنها في النهاية جهد بشري أساسه شخصيّة الفرد كذات عالمة مفكرة, لا مجرّد مسوخ أو قطعان عدديّة, فمن أين ومتى و كيف نبدأ؟ ذلك هو السؤال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?