الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقراء لكن عظماء

قحطان محمد صالح الهيتي

2016 / 1 / 29
الحركة العمالية والنقابية


اكتب اليوم عن رجال،لا يقرأون ولا يكتبون، ولكنهم - من وجهة نظري- عظماء ، فالعظمة ليست بالمال ولا بالجاه ولا بالشهادة ولا بالمنصب، العظمة في أن تكون رجلا عاملا كادحا، وابا حانيا راعيا لعائلة غايتها الستر والصحة والعافية والفضيلة.
-
اكتب اليــوم عـن عبد الحمـيد عـدوان السكران العامري المعروف بـ(أحميد الأعضب)، ذلك الرجل الذي لم يُقعدْه العوق الذي أصاب يده اليسرى بمرض أفقده ذراعه من الكتف؛ فقد عمل موظف خدمة في تنظيف شوارع المدينة، هو وعدد من الرجال الطيبين بهمة ونشاط من أجل نظافة مدينتهم بوسائل بدائية (تنكة ومجرفة وحمار) براتب لا يكاد يسد رمقهم، ولكنهم كانوا جادين مخلصين في عملهم لأنهم يُحبون الحياة أولا، ولأنهم مؤمنون بأن العمل شرف، وأن خدمة مدينتهم واجب عليهم.
-
ومع أنهم فقراء؛ فقد كانوا أمناء، فكثيرا ما كانوا يجدون في النفايات التي يجمعونها في اثناء عملهم (لقُطات) كثيرة من القطع الذهبية والفضية وحتى النقدية، وما كانوا يستولون عليها، بل كانوا يُعلنون عن ذلك ويحتفظون بـ (اللٌقطة) حتى يعرفوا أصحابها، وهذه هي شيم الرجال.
-
كان احميد محبا لحماره كثيرا، وراعيا له، لأن له (مخصصات إطعام) تصرف له شهريا مع راتبه، وكثيرا ما كان يَضرب به المثل عندما يريد أن ينتقد شخصا غير مخلص في عمله فيقول: حماري موظف مخلص وانت لا تعرف الإخلاص. ومن الطريف أن عقوبة قطع الراتب،أو حسم أجور أيام الغياب كانت تستقطع من العامل ولا تستقطع من مخصصات (الحمار)؛ فهو مصون غير مسؤول.
-
كان احميد ذكيا ماهرا في عمل الكثير من الأدوات البسيطة، واهم شيء كان ينتجه هو صناعته لمكاحل العيون من بقايا الامشاط البلاستيكية، فضلا عن أنه كان يجيد الحياكة، ولف (المرش) والحبال الليفية. كما كان سباحا ماهرا يعبر الشط ، وكان يصعد أعلى النخلات بيد واحدة. وأهم ما تميز به احميد هو (لف السكائر)؛ فقد كان يتبارى في بعض الأحيان مع الآخرين، وكثيرا ما تفوق بذلك. وكان يستخدم أصابع قدمه لهذا الغرض فيملأ (قوطيته) بحدود العشرة دقائق.
-
انخرط أبو مجيد فـي العمل السياسـي مثل الكثير من الكادحين الذين عملوا في السياسة بعد ثورة تموز / 1958، وكان المرحومون جميل خلف الندا وشايش وحسن جبير حبيب قدوته وأحب الرفاق اليه . وبسبب ميوله تلك حكـم عليـه بالسجن لمدة شهر عندما تصدى لمدير الناحية آنذاك سالم الرويشدي ووقف بوجهه موقفا جريئا حيث طالبه بإنصاف زملائه الكادحين: شاحوذ ورميض، وحمودي، وخلف، وجاسم واخوته طيب وخميس، مما دفع مدير الناحية الى إحالته الى المحكمة، فحكم عليه لمدة شهر واحد، وفصل من العمل، وصادف أن حُكم على المرحوم سحاب مطر (الدلال) بنفس التهمة وهي معاداة الحكومة والتهجم على السلطات.
-
وما زلت أتذكر المقولة الشائعة التي قالها المرحوم سحاب الدلال بعد صدور الحكم بحقه وخروجه من المحكمة حينما ســأله اصدقاؤه عن مدة الحـكم ؛ فأجاب ببديهيته المعروفة (سعر باتا) وكان يعني بها مدة الحكم التي اعتمدها الحاكم (القاضي) خليل إبراهيم (أبو مؤيد وميادة) في حينه، وهي السجن لمدة شهر واحد لكل من يتهجم او يتهكم على الحكومة، وتعد الجريمة جنحة.
-
قضى أحميد مدة محكوميته في سجن الرمادي وكان معه في السجن المرحوم الفنان احمد الخليل؛ فصارا صديقين وتواصل معه بعد خرجهما من السجن.
-
رحم الله أحميد ورحم رفاقه في العمل، ورحم كل الرجال الطيبين الذين أخلصوا في عملهم، وكان همهم اتقانه، وكم أتمنى اليوم لو أن أحميد وشاحوذ ورميض وخلف وجاسم أحياءً لينظفوا عراقنا من سياسينا الطارئين نوابا ووزراء وأعضاء مجالس ومسؤولين، لأنهم لا يستحقون أكثر من أن يجرفوا بـ(مجرفة) أحميد ورفاقه، وأن يوضعوا بـ(السوابل) على ظهور حميرهم، وأن تكون المزابل مستقرا لهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة العمالية الجديدة في بريطانيا تعقد أول اجتماع لها في


.. الحرب تفاقم أعباء أهالي غزة ونسبة البطالة تتجاوز 89%




.. خبراء: البيت الأبيض يتعامل بواقعية مع تطورات ملف المفاوضات ب


.. لا?ول مرة - فيديو لفرقة العمال المصرية أثناء الحرب العالمية




.. بصوت منى الشاذلي.. قصة العمال المصريين الذين شاركوا في الحرب