الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كاملة ... قصة قصيرة

بهجت العبيدي البيبة

2016 / 1 / 29
الادب والفن


لماذا هذا الخنوع الذي تمتلئ به نفسه؟ إن الحياة بلا طموح لا قيمة لها، إن المغامرة هي التي يمكن أن تنقلك من حال ساكنة متدنية، إلى قمم علا، إنه يفتقد لروح المغامرة، يكتفي دوما بالتفسير الذي يبعد عنه اللوم، ويحميه من النقد، يلوذ في الكثير من الأوقات بالصمت، مدعيا التأمل، وهو في الحقيقة يخاف المواجهة، يخاف المجابهة، حتى مع نفسه، يسوق المبرر تلو المبرر، ليؤكد أنه المطيع، الذي لا يريد أن يعصي سيده، يلجأ لفلسفة كل الأمور ليقنع بأن هذا هو القدر المحتوم، وليس في الإمكان أبدع مما كان.
يثير داخلها ذلك جراثيم الغضب، تتساءل: كيف أحبت هذا الإنسان؟ لماذا هو الوحيد الذي استطاع أن يملك قلبي، ويحجم عقلي؟ طموحي لا حدود له، فأنا في القمة أحيى، وفوق القمة أنشد، لا أومن بتلك الأوامر والنواهي التي تحد من قدراتنا، التي تجعلنا أمواتا في الحياة، إن الخنوع هو الموت الحقيقي، إن الاستسلام لما يسمونه قدرا، هو القبر الذي ندفن أنفسنا فيه، إن إيمانه بهذا ليس إلا رغبته الدفينة في الانسحاب من الحياة.
كلا لن أسمح له بذلك، إني على علم بكل نواقصه، وأخبر كل تلافيف ذرائعه، وأدرك رغبته العنيفة في والتقرب مني، وحاجته الهائلة في امتلاكي!!! كما يظن، لابد أن أستثير فيه مكامن رغباته، كما أحفز تفكيره في أن يكون نفسه هو، وأن يعلم علم اليقين أنه لا يستطيع الفكاك من هذه الرغبات، ولا من دوافعه في تحقيق ذاته، حتى لو أراد، حتما هو دائم التفكير في، ما عليَّ إلا أن أجعله يؤمن أنه لا حياة له بدوني، وأني سر وجوده، إن لديه بذور هذه الفكرة، عليَّ فقط أن أجعلها ترى النور، حينما أخرجها من مكامن نفسه للعلن، ساعتها سيعمل عليها.
تنظر في عينه، ترى تحت الخنوع رغبة دفينة، إن هذه الرغبة ستكون مفتاح تغيير هذه الشخصية الكسولة، تدنو منه وتهمس بصوت عذب: إني في حاجة إلى مساعدتك. يفغر فاهه، ماذا يمكنه أن يقدم لها؟ وهو المجبول على الأخذ، تدرك حيرته، فهي تسبر أغواره، تعلم ما يدور في ذهنه، ومالم يصل إلى فكره بعد، تومئ له برأسها مؤكدة حاجتها إليه، تقول له: لا أحد غيرك يستطيع مساعدتي، فأنت فقط من يشعرني بذاتي، وأحس في نظراته باكتمال أنوثتي، تتسمر عيناه في وجهها الذي تكسوه الابتسامة، والنظرة الحالمة جمالا يثير في نفسه الرغبة، التي تلمح هي بفطرتها اشتعالها، فتزيد من عذوبة صوتها، وإغراء عينيها، فتتألق وجنتيها وهي تقول بغنج له: علينا أن نهدم البيت القديم، فلم يعد يصلح ليكون مكانا لحياة جديدة تجمعنا سويا، يزداد اندهاشه، كيف تطلب طلبا هائلا مثل ذلك بهذه البساطة، وتلك اللغة الأنثوية؟ إن البيت هو الأجمل، ذا حديقة غناء، وسور عال، لا أحد يستطيع الوصول إليه، إلا هؤلاء المصطفين، والذين يقدمون كل فروض الولاء والطاعة للأب الذي يوفر لهم حياة لا يحلم بها كل من هم خارج ذلك البيت، وفي ذات الوقت، فإن الأب لا يسمح بأي تغيير في هذا البيت، فضلا عن هدمه، لا أحد يتجرأ في أن يفتح باب مناقشة في هذا الامر. تلمح في عينيه نظرة الخنوع والاستسلام تغلب الرغبة التي توارت بعيدا، تدرك مدى صعوبة إقناعه، كما تعلم حاجته الملحة إليها، ورغبته العارمة فيها، تسأله: ألا ترغب في حياة السعادة والهناء؟ يجيبها: لقد ضمنها لنا الأب بعيشنا في البيت منعمين، تقول: ولكنك لا قيمة لك، تأكل وتشرب وتنام ويقوم عليك خدم، ولكنك بلا دور، إنك تكتفي بتمثيل دور السعيد، ليست السعادة في الراحة والدعة، السعادة في تحقيق ذاتك، في الوصول إلى ما تريد، في الهدف الذي تصبو إلى تحقيقه، في الدور الذي يمكن أن تقوم به من تأثير في أنا وفي كل من هم في دائرتك، إنك توهم نفسك براحة البال، لأنك لا تريد أن تعمل عقلك، أن ترغب في شيء غير ما قرره لك أبوك، وبنظرة حادة كأنها السيف الباتر، تؤكد أنها تريد رجل كاملا، يعتمد على نفسه، ويعتمد عليه، وفي تغيير مفاجئ تكشف عن مفاتنها، فتلمع في عينيه رغبة واشتهاء، فتخفض من صوتها، الذي يأتيه وَهْناً: نريد أن نحيا حياة كاملة، وتمد يدها له يلقفها بين يديه، يلثمها، ينهض من مكانه ممتلئ القوة، بادي العزيمة قاطعا في قوله، سنهدم البيت أو نتركه، لابد أن نحياها كاملة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب