الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة الكرامة والحرية - توصيف في الحالة السورية -

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 1 / 29
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الكرامة والحرية شعاران ارتبطا بالحراك الشعبي في سورية، وكانا مطلبان يمثلان طموح كل السوريين من الموالاة والمعارضة. وعند نقطة تقاطعهما التقت جميع الفئات الاجتماعية، وذلك لما يمثلانه من انعكاس لحاجة الإنسان المعاصر، في ظل سيادة أنساق ثقافية عالمية عامة ربطت بين حرية الإنسان والوعي الاجتماعي، وحرية الإنسان والديمقراطية، وحرية الإنسان والتمدن، وحرية الإنسان والتنمية .
والتف حول المصطلحين الناشطون والصامتون والمهمشون لأنهما اختصرا حاجة الشعب السوري إلى التخلص من الفساد بكل ألوانه وصوره ، من السياسي إلى الإداري ، وانعكاسه على القيم الأخلاقية الاجتماعية في علاقة المواطن مع عمله وجاره وشارعه ومدينته ، ثم مع وطنه بشكل عام .
وقد أدرك المواطن قوة الارتباط بين الفساد و الاستبداد، ولذلك تحولت المطالبة بالكرامة والحرية إلى المطالبة بالتخلص من الاستبداد . ولكن وبعد مرور ما يقارب من خمس سنوات على بداية المطالبة بالكرامة والحرية خسر المواطن والوطن كل صور الكرامة والحرية ،فالسوري داخل وطنه وخارجه يتعرض للإهانة و الفرجة والمساومة و الارتزاق والتقسيم والعبودية وفق أجندات لم يفكر فيها، يوما، الناشط والصامت والمهمَّش والموالي أيضا .
وكانت النتيجة أن انسحب الناشطون السلميون من المشهد السوري ، وتغلّب صوت السلاح، وساد الانتقام، وعمّت غريزة العنف ومظاهر التمزق الاجتماعي؛ بتغذية ، عن وعي مسبق، من الأطراف الإقليمية والدولية ، ممّا ضيّع فرصة تحول الدولة السورية إلى دولة ديمقراطية تعددية، ومهّد لإدخالها كعكة دسمة في قلب الصراعات الدولية الاستعمارية بصورها الجديدة ، وبالتالي سيصيبها ما يصيب منطقة الشرق الأوسط برمته من اتفاقيات جديدة بين القوى العالمية الكبرى في الغرب والشرق والجنوب، ولكن بيد أبناء الشرق الأوسط أنفسهم، عبر مكونات إثنية؛ عرقية يمكن أن تكون مكوّنات بانية ويمكن أن تكون مكونات هادمة، كما هو حالها عبر تاريخ البشرية .
ولذلك يقف السوريون اليوم؛ المعارضون والموالون، على مفترق الطرق بين إلقاء السلاح ، ومعه كل مخلفاته من روح الانتقام وغريزة العنف وروح الإقصاء والاتهام المتبادل للعودة إلى مفهوم الوطن وحقوق المواطنة، بعيدا عن الأجندات الإقليمية والدولية، أو البقاء في لجّة الصراع الذي يقود إلى تمزق مطلق ليس في الجغرافية السورية، بل في النسيج الاجتماعي أو المكونات الاجتماعية التي بدأت تتماهى مع خطاب التمزيق الذي تديره القوى المتصارعة الإقليمية والدولية، وذلك بفعل مثقفيها الذين هيمنت عليهم مخلفات الصراع التي ذكرناها آنفا .
من أهمية ذلك الانحياز للوطن تأتي مهمة المثقف العضوي في إخماد مخلفات الصراع في الحواضن الاجتماعية لمكونات الوطن السوري؛ حيث يشكل دوره بعداً إنسانيا ووطنيا يؤدي إلى الكرامة والحرية، في وطن تعددي، قائم على ترسيخ القيم الحضارية الإنسانية . ولا نريد هنا مدلولات " المثقف العضوي " عند "غرامشي" إذ ربطه بالهيمنة الثقافية للطبقة العاملة ، وإنما دور المثقف في التغيير لصالح القيم العليا التي تمنح المواطن الحرية والكرامة في وطنه دون تمييز بين مكون من المكونات، إن كان على أساس العرق أو الدين أو المذهب أو الرأي.
ودور المثقف في التغيير لصالح القيم العليا يشمل دفعه المجتمع باتجاه البنى الحديثة وليس التقليدية؛ ولذلك سيمثل موقفه بشكل طبيعي موقف المنتصر لصالح الثورة على الاستبداد والثورة على السلفية والثورة على التخلف والثورة على الجهل والثورة على الظلم والثورة على الإرهاب والثورة على الغازي والثورة على المحتل والثورة على مواقف الإقصاء والتمييز والتخوين والاحتكار والتهميش و الاستحواز والثورة على مظاهر العنف بين مكونات المجتمع الواحد في الوطن .
انطلاقا من هذا الدور الملتبس، شكلا، للمثقف العضوي يمكن تصحيح توجه البوصلة باتجاه مصلحة الوطن السوري، خاصة أن الأزمة السورية والتحولات التي مرت بها والتداخلات التي لعبت بها دفعت الكثير من المثقفين السوريين إلى اتخاذ مواقف متناقضة لا تمثل دورهم الفعال، كمثقفين عضويين، في التغيير لصالح القيم العليا المذكورة ، كأن يتبنى الكثير في خطاباتهم انتصارات القاعدة في الجغرافية السورية تحت مسمى " التحرير " وفي المقابل :أن يتبنى البعض فكرة النظام بأن كل من يعارضه يدخل في حقل الإرهاب ، أو أن يحرّض خطاب البعض على النعرات الطائفية، بحجة أن الآخر هو طائفي وهو البادئ بذلك! وبالتالي يكون موقفه في النتيجة موقفا طائفيا متخلفا، ويدعو إلى سيادة البنى التقليدية السلفية، ويخرج من دائرة التغيير الإيجابي في المجتمع ، أو أن يدعو إلى سيادة العنف والتدمير من منطق عشوائي شفوي على مقولة " إذا ما خربت ما بتعمر " أو أن يدعو إلى تطهير عرقي أحادي، لأن الآخر من تلك المكونات الاجتماعية لم يقف موقفه، وبالتالي يجب إقصاؤه، أو أن لغة الحوار الاستهزائية المبنية على الشتيمة هي ما يستحقه موقف الآخر من منطق حرية الرأي والإقناع !
إن كل تلك التنويعات في مواقف المثقف السوري لا تعمل لصالح الوطن السوري ، وإنما تنبع من مواقف انفعالية ضيقة لم تعد ترى الأزمة إلا من زاويتها، وزاويتها الانفعالية تحديدا، ولذلك هي تدفع بوعي أو دونه إلى تعميق الأزمة وحشرها بين ما أرادته لها الأطراف المتصارعة الإقليمية والدولية بغض النظر عن مصلحة المواطن السوري ورغبته بالتغيير نحو دولة مدنية يتمتع فيها المواطن بالكرامة والحرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني




.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ