الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يغسل الدم الأردني الغشاوة عن أعين المتعاطفين مع القاعدة؟

باتر محمد علي وردم

2005 / 11 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


فور حدوث جرائم بشعة مثل التي ارتكبها تنظيم القاعدة بجزئه الزرقاوي في عمان ليلة الأربعاء، فإن الأولوية الأولى تكون لتقديم كل أنواع التعازي والمواساة والتعاطف مع الضحايا والمصابين وأسرهم، لأن الضحايا الأبرياء هم الذين يدفعون الثمن الأول للإرهاب، وواجب التعاطف الإنساني والتعزية والمشاركة الأردنية والعربية والعالمية الجماعية في إدانة هذا العمل الخسيس هو أول رد على المجرمين.

وبينما يتوارى الضحايا عن الحياة، ولا تبقى منهم إلا الذكريات ومشاعر الأحبة والعائلة، ويدخل الأقرباء الملتاعين في دوامة الحزن والحداد فإن الشعب الأردني كله يجب أن يشارك في هذا الحداد، ويجب أن نحس جميعا بأن الانفجار لم يحدث في الفنادق الثلاثة بل في كل بيت أردني وأن الضحايا هم كل العائلات الأردنية، لأن الطريقة البشعة التي تم تنفيذ الجرائم بها تشير بأن الكل مستهدف في هذا البلد.

بعد الجريمة ستعمل الأجهزة الأمنية على مدار الساعة لكشف المجرمين وتقديمهم للعدالة، وسيتم تعديل الإجراءات الأمنية في الفنادق والمرافق العامة وكل الأهداف المحتملة للإرهاب، وسوف يحس المواطنون ببعض الضيق ولكن علينا جميعا أن نتحمل، لأن الخطر كبير ودور الأجهزة الأمنية ليس في مضايقة الناس بل في حمايتهم، بل أن علينا جميعا كمواطنين أن نكون سندا وعونا للأجهزة الأمنية. أن إلقاء القبض على أي إرهابي أو متطرف مستعد للانتحار وقتل الأبرياء معه هو حماية للشعب، وعلينا أن نعرف أن نمط الحياة الذي اعتدنا عليه سيتغير، وسوف نمر في إجراءات تفتيش في الكثير من المرافق والمواقع، ولكن هذه ضريبة يجب أن ندفعها لحماية الأردن.

بينما تعمل الأجهزة الأمنية على مدار الساعة ستكن هناك نشاطات جماهيرية وشعبية ضد الإرهاب، وهناك واجب على الجميع في المساهمة في تنظيم هذه النشاطات حتى لو كان ذلك بالحد الأدنى من العمل الفردي للتعبير عن رفض الإرهاب بكل مبرراته. ستكون الأيام والأسابيع القادمة مناسبة لتعبئة وطنية عامة ضد الإرهاب والرد على المحاولات الدنيئة لبث الخوف في نفوس المواطنين. أن الشعب الأردني هو خط الدفاع الأول ضد الإرهاب وإذا كانت عصابة الزرقاوي قد نجحت للمرة الأولى بعد عشرات المحاولات من النيل من حياة الأردنيين فإن التحدي الأول الآن هو في عدم السماح لهذه الجريمة بالتكرار، سواء على مستوى الأجهزة الأمنية أو المؤسسات المدنية والشعبية أو المواطنين بشكل عام.

لست معنيا كثيرا بتحليل ما يسمى "الرسائل السياسية" وراء هذه الجريمة، والتي تصر الفضائيات العربية على الغوص فيها، لأن الإجرام الإرهابي ضد الأبرياء لا يحمل أية رسالة سياسية إلا القتل والتدمير ولا يمكن أن نعطي تبريرا لهؤلاء القتلة للتمتع بوجود جدل حول الرسالة السياسية. إن هذا الوغد الذي دخل إلى قاعة الزفاف، وشاهد النساء والأطفال وكبار السن والفرحة تشع من عيونهم لم ترف له عين ولم يتحرك له ضمير ولا شعور إنساني بشري بل اختار ذروة الاحتفال وهو دخول العروسين إلى الصالة لتفجير نفسه ومعه عشرات الأبرياء الذين لم يرتكبوا ذنبا.

تبقى المفارقة دائما في أن هذه الجرائم تحمل بعض النتائج الايجابية، وأكتب هذا وأنا أطلب السماح من كل ذوى الشهداء والمصابين، ولكن هذه الجريمة قد تكون مفيدة في أن هذا الدم الأردني النقي الذي سال في ليلة عمان الدامية سيساهم في غسل الأوهام والغشاوة التي تسيطر على عيون وعقول الكثير من الأردنيين المتعاطفين مع تنظيم القاعدة بل حتى مع الزرقاوي نفسه. لقد خرجت في الأردن مظاهرات تؤيد تنظيم القاعدة، وهناك عشرات الآلاف وربما أكثر من الأردنيين يعتقدون بأن الزرقاوي والقاعدة يقومون بنضال وجهاد مشروع ضد أعداء الأمة، وهناك بعض الأحزاب والتنظيمات والقوى السياسية التي تجد المبرر لما تقوم به هذه العصابة. وعندما كنا نشاهد ونسمع العمليات الإرهابية في السعودية والعراق والمغرب وإندونيسيا وتركيا لم يكن الكثيرون في الأردن يحسون بها إلا كمشاهد على شاشة التلفاز. وعندما كان انتحاريو الزرقاوي يفجرون أنفسهم في التجمعات الشعبية في العراق ويقتلون مئات المواطنين العراقيين كان هناك صمت من الأحزاب والنقابات والتنظيمات في الأردن. ولكن ها هم الأوغاد يصلون إلى قلب عمان ويرتكبون جرائمهم ضد أبناء شعبنا وزواره من الأصدقاء العرب والأجانب، ويظهر بوضوح أنهم ليسوا مناضلون وجهاديون بل مجرمون لا يستحقون أي تعاطف أو رحمة.

لا مجال بعد اليوم لأي أردني أن يبرر أعمال تنظيم القاعدة ويحاول وضعها في إطار سياسي أو نضالي أو جهادي إسلامي، وهذا امتحان لمدى حب الأردنيين لوطنهم، وكل من يجد تبريرا لهذه الأعمال أو أن يستمر في التعاطف مع القاعدة لا مكان له في النسيج السياسي والاجتماعي الأردني. من المخجل والمؤسف أن نسمع بعض الأردنيين على الفضائيات العربية وهم يقدمون تحليلا سياسيا كاذبا لهذه الأعمال ويحاولون تبريرها، ومن العار أن تأتي شخصية سياسية أردنية لتتحدث عن "الاحتقان الداخلي" ومنع المسيرات وارتفاع أسعار النفط – بعد انتهاء هذه الشخصية من بيع الكوبونات النفطية الموهوبة من صدام- كأسباب ومبررات لهذه الجرائم. ومن السخيف أن تأتي شخصيات سياسية من الأردن لتتحدث عن ارتكاب الموساد للجريمة بعد صدور بيان تنظيم الزرقاوي، أو أن يأتي معلق سياسي أردني على شاشة السي إن إن ليتحدث عن دور سوري في العملية!

أن حقدنا وغضبنا على الإرهابيين كبير، ومثله أيضا غضبنا على كل من يحاول الصيد في المياه العكرة من فضائيات وشخصيات سياسية ومراسلون ينشرون الأكاذيب ولكن هذا الحديث له سياق آخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية