الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حليمة الجبوري L بين الرحيل وانتظار عزفِ رشاتِ المطر

وجدان عبدالعزيز

2016 / 1 / 30
الادب والفن


في مساء جميل وهادئ ، كنت اتأمل حالات الحب والجمال ، وقد يصيبني التمسك الأشد من خلال شريان الحب المربوط بنسغ الحياة هكذا كنت اعيش التجول في مساحات شعرية تضمخت برومانسية وعاطفية ممزوجة بحزن الرحيل والغياب .. حملتها لي كلمات الشاعرة حليمة الجبوري ، وكما حار المتخصصون في تفسير ظاهرة الشعر تفسيرا حاسما وتحديد تعريف جامع لوصفه يصطلح عليه الجميع ويركنون اليه ، كتعريف حاسم لماهية الشعر وحقيقته , حرت انا والشعراء أنفسهم في ذلك، لأنّ الشعر وليد النفس ألإنسانيه ذاتها، لذا فأنّ كلّ التعريفات والفلسفات الّتي قيلت عنه ، هي مفاهيم فرديه تصوّر وجهة نظر شخصيه لصاحبها، وهي في مجملها رغم تباينها لا تتعدّى في الواقع السطح لحقيقة الشعر وماهيته ، أمّا باطنه وكنهه فلا يزال في مجاهل الغيب. – وابقى اردد ان الشعر في ماهيته الحقيقيه تعبير انساني فردي يتمدّد ظلّه الوارف في الأتجاهات ألأربعه، ليشمل ألإنسانية بعموميتها، وترتبط اللغة الشعرية بثقافة الشاعر وبمرجعياته الفكرية وبكل العوامل الذاتية والموضوعية التي تساهم في تجاربه الشعرية. فهي ترجمان لتصوراته وحساسياته، كما أنها صورة معبرة عن انشغالاته وهمومه الفكرية والنفسية والاجتماعية. والشاعر دائم الاختيار والانتقاء بين الألفاظ سعيا وراء ما يمكن أن يخدم مقصديته، ويقدم صورة تقريبية لما يعتمل في ذهنه وأعماقه. وهكذا تأتي اللغة الشعرية منسجمة مع السياق النفسي ومع التجربة الداخلية للمبدع. كما أنها تأتي منسجمة مع السياق الثقافي العام، ومع الاختيارات الفنية والجمالية التي أقرها المجتمع الأدبي، واستساغها الذوق الفني السائد. لأن الشاعر يبقى دائما ابنا وفيا لبيئته، ولسانا صادقا حاملا لرؤية المجتمع الثقافي الذي ينتمي إليه. ولذلك تجد التجارب الشعرية المنتمية لسياق تاريخي أو ثقافي معين، قد انطبعت بالطابع الفني الذي تميز به ذلك السياق. فتحمل آثارا بارزة وبصمات واضحة لما تم تكريسه، أو لما تم تداوله بين الطبقة المبدعة. ورغم ان لغة الجبوري امتازت بالبساطة والمرونة الا انها حملت افكارا لاتخلو من بحث مضني في مساحات اللغة الشعرية عمّا تحمله ارهاصاتها الانسانية في الحب والحياة ، تقول الجبوري :

(لاتلمني ايُلامُ سجينُ الأشجان ِ
آه ، ما أشقاني
شوقي على شواطيء صدك انتحر
شراعي بعواصف هجرك انكسر
سأعتزلُ العشقَ الذي أنهاني
غداً ياقاتلي على مقعدِ الانتظار
قربَ موقدِ النارِ تُجالسُ الوحدةَ
تعاني تعانقُ آخر سيكارِ،
وتحكي لأبنتكَ الصغرى قصةَ عشق ٍ
وأماني ببراءتها ستذكرني ،
بسذاجتها بعنفوانها
بعدما يموتُ الحبُ ويبهتُ وهجُ أيامي)

وهنا تجربة مثقلة بمعناة الرحيل والهجر ، بعد معاشرة طويلة انتجت ابنة صغرى ، وقد تكون هناك اخريات ، وراحت تعزف على فعل التذكر بقرار اعتزال العشق الذي مثله ، ذلك الاخر العاق لمسيرة الحب .. لتصرح بالرحيل في قصيدة اسمها "الرحيل" تقول :

(رحيل ياقبلة َ الوعدِ ياقمري المكسور بيني وبين سعادتي بحرُ مسافات وأنت مازلتَ تفجعني عند الرحيل فكم اشتقت إليكَ أحبك ، يامبحراً في الريح ِ ياشهريار الحب والقدرِ بلا وداعٍ اريدُ العيشَ أنا مثلُ حمامةٍ بينَ الوردِ والشجر بعيداً)

وقد أقول اذا استطعت ان ترى كل مايحيط بك جميلا ونظرت لايجابيات الامور وتجنبت السلبيات المحيطه بك، حتما انت رومانسى ، فكن جميلا ترى الوجود أجمل، فالرومانسيه انصهار فى الطبيعه وامتزاج مع الحياه ببساطه وعفويه ، ورغم حزن شاعرتنا في مقطوعتها هذه ، الا انها تخلق فرحا من نوع خاص بهروبها لاجواء الطبيعة ، وكانت امنيتها ان تكون مثلُ حمامةٍ بينَ الوردِ والشجر بعيداً عن منغصات الجفا والصدود من المحب ، وهذا ما جعل لغة الشعر تتميز عن غيرها، أنها أكثر من وعاء لحمل المعاني،وأكثر من وسيلة للتعبير عن الأفكار. فهي المعنى نفسه. بحيث تتحول إلى مقصد أساسي في الخطاب الشعري ، تقول الجبوري :

(مفرداً شراعك للرحيلِ ماإن تمكنت من صهوة الريح أسرجتَ ظهرَ الأيام ِ نبوءةَ غدرٍ على جبيني المحطاتُ تؤذِنُ بسفرٍ وتلوحُ لي وأنينُ الليلِ يناجيني لا ، لن انتظر فالعمرُ معبدٌ تكومتْ أحجارهُ بأطلالٍ مرَ بها غجرُ وخريفُ الشمعِ لم يبقِ ندىً في المرايا ولم يذرِ فكم تكسَرَ صمتُ بوحكَ غصاتٍ بريقِ شجوي وكم استصرختُكَ ضماداً لجرحي حتى شابت الدروبُ بانتظار عزفِ رشاتِ المطر)

ليثبت لنا (ان الغياب موازنة نفسية تعمق اداء فعل الذات ، فحين تصبح قوانين الخارج الضاغطة إشكالية كبرى تتهجم على خاصيات الفرد البحتة ، فان هذا يترتب عليه استبدال موقفي مواجهة لخطورة الهيمنة المتزايدة للمد الخارجي.)، بهذا عبرت الشاعرة حليمة الجبوري عن لحظات الغياب والرحيل ، لتواجه مصير الوحدة بغصات وغصات من الحرمان ، لكن الاجمل في بوحها ، هو انها تبقى (بانتظار عزفِ رشاتِ المطر)، لقد وقف الشاعر العربي على (سر المطر) وادرك فاعليته في بناء الحياة ودمارها فبوجوده يرغد عيشه ويلذ مقامه وبالخسارة يعاني آلام الغربة والضياع .. فالمطر رمز النماء والخصب والتجدد والانبات الجديد ... وبهذا خلقت الشاعرة حليمة الجبوري رؤية خاصة في عبور القبح والاتجاه برموز النماء والاستمرار الى ضفة الحب والجمال بالتمسك به ، كونه يمثل المطر الهاطل بالامل والحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال