الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين يتخلى النقابيون عن ناخبيهم

إيمان أحمد ونوس

2016 / 1 / 30
الحركة العمالية والنقابية




عبر التاريخ، كانت النقابات(التي تُعتبر أحد أهم منظمات المجتمع المدني)، ممثلة وحيدة لحقوق وهموم الطبقة والشرائح التي انتخبتها وأُسِسَت من أجلها، وأهمها الطبقة العاملة التي تُعتبر أحد أهم أعمدة العملية الإنتاجية في أي دولة.
ولا شك أن غالبية الطبقة العاملة في مختلف المجتمعات هم من الشرائح البسيطة سواء في وعيها لواقعها أو حتى حقوقها، أو في مستوى معيشتها نظراً لعدم التناسب ما بين الجهد المبذول والأجر من جهة، وارتفاع عدد أفراد الأسرة الذين هم بحاجة للإعالة في ظل عدم القناعة المجتمعية لهذه الشرائح بضرورة تحديد او تنظيم النسل، مترافقاً مع صعوبة تأمين مستلزمات الأُسر المعيشية وسواها في ظل أسعار الأسواق الرائجة والمرتفعة غالباً من جهة أخرى، وبالتالي ضآلة أو تدني القدرة الشرائية والمعاشية لتلك الطبقة، مما يعني انعدام إمكانية الحصول على متطلباتها بسهولة تخفف من الأعباء الملقاة على عاتقها أيضاً.
وهنا، يقع على النقابات المُنتخبة من قبل العمال أنفسهم، مسؤولية وصولهم إلى حقوقهم الغائبة أو المغيّبة خلال علاقتهم بأرباب العمل، باعتبارها أُنشِئت أساساً للحفاظ على حقوقهم في مواجهة أرباب العمل في مختلف القطاعات سواء الخاص أو الحكومي، بحكم تسيّد المحسوبيات وما شابه لاسيما في ظل الواقع المرير الذي تعيشه البلاد بمن فيها، حيث بات العامل رغم ضآلة أجره، ورغم العديد من التعقيدات والتقييد الذي يُلاقيه في العمل، بات أكثر عرضة للمخالفات والعقوبات التي غالباً ما تكون جائرة وظالمة، وناتجة عن دسيسة أو نميمة من محظوظي المدراء وسواهم ممن يتزلفون لهم، هذا لجهة الحقوق والعدل والانصاف.
أمّا لجهة المسؤوليات الخدمية، فعلى هذه النقابات تأمين العديد من الخدمات والمساعدات التي يمكن ان تساهم في التخفيف ما أمكن من الأعباء الحياتية بمختلف جوانبها المعيشية والصحية وغيرها، عن طريق إنشاء مؤسسات استهلاكية في أماكن العمل تقدم لهم مختلف احتياجاتهم بالسعر النظامي والمقبول، لاسيما في ظل حرب ألهبت نيرانها كل شيء حتى الأسعار التي تسابق الزمن في ارتفاعها ما بين ساعة وأخرى في ظل غياب الرعاية والرقابة الحكومية، وكذلك صعوبة الحصول على العديد من الخدمات كالغاز والمازوت والخبز الذي من الممكن أن يستهلك وقتاً ليس بالقليل لتأمينه، يصعب فيه على العامل التغيّب عن مكان عمله طويلاً بحكم التعميمات الدائمة بضرورة التقيّد بساعات العمل دون مراعاة للأوضاع الأمنية السائدة، ولا لكثرة الحواجز وأزمات المرور الخانقة التي تأخذ من وقت العامل زمناً ليس بالقليل ذهاباً وإيّاباً، ناهيك عن التعب والجهد الجسدي والنفسي الذي يتعرض إليه جميع الناس يومياً. ولا يفوتنا هنا أن العديد من المؤسسات والإدارات الحكومية التي أمضى عمالها وموظفوها الشتاء الماضي وهذا الشتاء واضح أنهم سيمضونه كسابقه بلا تدفئة، في حين ان مكاتب المسؤولين والمدراء تنعم بدفء يزيد عن الحاجة احياناً.. والنقابيين في غفلة عن ناخبيهم وأمراضهم التي يسببها بردهم في أماكن عملهم التي يتواجدون فيها ربما أكثر من بيوتهم.
إذاً، هذه هي بعض المهام الأساسية التي وجدت من أجلها النقابات، والمتضمَّنِة في برامج المرشحين لها والتي يتمُّ من خلالها انتخاب الهيئات النقابية والنقابيين الذين غالباً ما نراهم يتوددون للعمال والموظفين طيلة فترة الدعاية الانتخابية، ويقدمون لهم وعوداً تجعلهم يخالون أنهم في المدينة الفاضلة، أو في دولة اشتراكية تؤمن حقيقةً بأن الطبقة العاملة هي عماد بناء الدولة واقتصادها واستقلالها، وبالتالي لا بدّ من تقديم الخدمات لها كي تكون مهيأة نفسياً وجسداً للقيام بمهامها المنوطة بها في بناء الصناعة والاقتصاد على أكمل وجه.
لكن، وإذا ما تمعّنّا جيداً بواقع العمال في مختلف القطاعات، وإذا ما نظرنا بشكل أعمق لدور تلك النقابات في حياة أولئك العمال، نجد أنه واقع مرير مغلّف بكثير من العسف والظلم والإهمال في ظل غياب أولئك النقابيون الذين كانوا قبل فوزهم يتوددون للعمال للحصول على أصواتهم من أجل الفوز بعضوية النقابة، والذين سرعان ما ينسحبون من وعودهم التي قطعوها لصالح أرباب العمل من وزراء ومدراء ومسؤولين متنفذين، متخلين عن ناخبيهم بكل جرأةِ وغياب ضمير المسؤولية المنوطة بهم. فالخدمات الموجودة شكلية في غالبيتها من حيث تخفيف وطأة تكاليف معيشة العامل وأسرته، فمثلاً المؤسسات الاستهلاكية المتواجدة في أماكن العمل والتابعة للنقابات لا تختلف بأسعارها عن الرائج في السوق، لا بل وأحياناً تكون أغلى، رغم أنه هناك مطالبات عمالية بتأمين المواد الأساسية(خبز، مازوت، وغاز) بسعر الدولة مُضافاً عليها أرباحاً طفيفة للمؤسسة باعتبارها مؤسسة عمالية، لكن لا حياة لمن تنادي، والخدمة الوحيدة التي تقدمها مدعومة هي المواد المقننة(سكر ورز) وبزمن متباعد.
أمّا في الشق الحقوقي بالنسبة للعمال وعلاقتهم بأرباب العمل، نجد أن الحضور النقابي إن لم يكن هامشياً وغير مرغوب من المدراء، فهو غالباً ما يكون محابياً لهم ضدّ مصلحة العمال الذين إمّا أن يتمّ نقلهم من أماكن عملهم لأسباب تفرضها مزاجية هذا المدير أو ذاك، أو لأسباب مسلكية ربما لا تستحق كل هذه العقوبة مثلاً، ناهيك عن العديد من القرارات والتعاميم الوزارية وسواها والتي يكون بعضها في غير مصلحة العمال لاسيما في ظروف الحرب الراهنة والمتعلق غالبيتها بالتقيّد بالدوام والغياب غير المبرر للعمال القاطنين في مناطق ساخنة أو أمنية.
من هنا نجد أن عموم الأهداف التي قامت النقابات لأجلها شبه معدومة في ظل تسيس تلك النقابات وجعلها في موقع واحد مع أرباب العمل والحكومة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب أن الخدمات التي يطالب بها العمال لا تناسب ولا ترضي نهم بعض النقابيين لجني مكاسب وأرباح وميّزات أبعدت غالبيتهم عن مهامهم الأساسية، بل وأبعدت النقابات بمجملها عن هدفها الأساسي الذي أُنشئت لأجله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب وأساتذة بجامعة مانشستر يعتصمون للضغط على إدارتها لقطع ع


.. استمرار اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن




.. هو ده الاحتفال الحقيقي بعيد العمال .. خالد أبو بكر: الرئيس ا


.. كل الزوايا - عبد الوهاب خضر المتحدث باسم وزارة العمل يتحدث ع




.. الهند.. أكثر من 80 بالمائة من الشباب عاطلون عن العمل!!