الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد السياسي للطقس وكرة القدم

ناجح شاهين

2016 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



أخبرتني زوجتي أن زميلاتها المدرسات يتحدثن عن منخفض جوي رهيب سيأتي في شهر شباط. وقد استغربت قليلاً لأن التوقعات بأحوال الطقس لا تحمل سمة علمية إن زادت عن بضعة أيام. وفي الغالب لا يدور الكلام عن أكثر من ثلاثة أيام.
لكن في الأحوال كلها: ما الغريب في أن يأتي مطر أو بعض الثلوج في أرض كنعان في موسم الشتاء؟ نحن لسنا في قطر أو صحراء ليبيا، ولذلك فإن الأساس هو صيف جاف وحار، وشتاء بارد وممطر بدرجة أو بأخرى.
كان الكنعانيون يعتمدون -فيما عدا الساحل الفينيقي- على الزراعة البعلية من أجل أن يعيشوا. ولكن المطر لم يكن يوماً مضموناً في سوريا وفلسطين، ولذلك فقد دارت معظم أساطيرهم ومعتقداتهم في فلك المطر وهطوله أو امتناعه. وقد طور الكنعانيون "عقيدة" تفسر دورة الفصول. ويعرف المطلع على العالم الكنعاني أن أبا الآلهة "أيل" قد خسر زعامته بسبب شيخوخته وعجزه "الجنسي" عن إنزال "المطر/المني" الذي يخصب الأرض. فكان أن جاء "بعل" الشاب ليتولى زعامة الأرض. وقد فشل بعل بطبيعة الحال في "حل المشكلة" التي لا يمكن حلها أصلا، فطور الكنعانيون هذه المرة أسطورة فحواها أن بعل القوي يدخل كل عام في جوف االإله "موت" مما يؤدي إلى الجفاف فترة طويلة تنتهي بقيامته من بطن موت في شهر تشرين -لنلاحظ توافق ذلك مع عيد تواراتي مشابه يحتفل اليهود فيه بهطول المطر هو عيد العرش-وهكذا فإن غياب المطر يحصل نتيجة "موت" بعل. وطور الكنعانيون أسطورة تفسر احتباس المطر سنوات عدة بالقول إن بعل أحياناً يمكن أن يظل في جوف موت سبع سنوات، يتلوها سبع سنوات لا يستطيع موت فيها أن يبتلعه. وهكذا تأتي سبع سنين عجاف ثم سبع سنين خصبة وماطرة.
تعلمون أننا اليوم، خلافاً لأجدادنا، لا نعتمد على الزراعة . نحن نعيش ببساطة فجة على منح التمويل الأجنبي. ولذلك لا يهمنا في شيء نزل المطر أم احتبس. فلماذا "هليلة" الطفس الحالية؟
قبل الإجابة نقول إن الاهتمام الحالي لا علاقة له بسقوط المطر، وإنما بالتهييج حول "خطر" ما سيؤدي إلى حشرنا في بيوتنا واحتمال أن تغرقنا السييول ...الخ ولذلك يرافق "المنخفض" هجوم على أماكن التسوق المختلفة.
ويجد الناس مادة للحديث والحوار التواصل الحار في زمن يهيمن فيه الفيس بوك والفضائيات على حياتنا إلى درجة أننا لا نتواصل تقريباً على أي نحو عميق. ولعل من البين بذاته أن جزءاً من ذلك ناجم عن "تواطؤ" شعبي ما، يتهرب من طرح المشاكل الحقة للمجتمع من قبيل تحرير الوطن وبناء الاقتصاد الوطني وما أشبه من مشاكل شائكة توجع الرأس وتكلف من ينخرط فيها الكثير.
وهنا تدخل كرة القدم التي تعوض المرء وخصوصاً قطاع الشباب بانتصارات وهمية لنا -بصفتنا برشلونة أو ريال مدريد- وتدخل شيئاً من الحماسة على حياتنا الفاترة الخالية من القيمة والمعنى والدوافع الحقيقية.
لذلك لا نستغرب أبداً أن تتسابق وسائل الإعلام في المنطقة بما فيها بلادنا الصغيرة في الترويج للمنخفضات ومباريات "الفدائي" الذي يحقق بالرياضة ما لا يحققه بالمعنى الأصلي القديم لاسمه بوصفه فدائياً من أجل تحرير فلسطين، وليس من أجل ربح مباراة كرة لا تقدم أو تؤخر في شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| اعتراض قذائف أطلقت من جنوب لبنان على مستوطنة كريات شمو


.. حصانة جزئية.. ماذا يعني قرار المحكمة العليا بالنسبة لترمب؟




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض تتجاهل سؤال صحفية حول تلقي بايدن


.. اليابان تصدر أوراقا نقدية جديدة تحمل صورا ثلاثية الأبعاد




.. تزايد الطلب على الشوكولا في روسيا رغم ارتفاع سعرها لعدة أضعا