الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجران

بهجت العبيدي البيبة

2016 / 1 / 31
الادب والفن


تشعر بغضب شديد، كيف له أن يتجرأ ويطلب منها هذا؟ إنها إهانة لا تقبلها حرة على نفسها، فكيف وهي على رأس من يعتزون بذواتهم؟ أيمكنها أن تغفر له هذه السقطة؟ أهي حقا سقطة؟ أم أنها سلوك ناتج عن إيمان وقناعة؟ إنه يعلم مكانتي، كما يعلم قدري، أكد ذلك مرات عديدة، يصدق فيما يقول لي، نبرات صوته تؤكد ذلك، هل يمكن أن يكون قد خدعني؟ أحقا... أيملك تلك البراعة التي تجعلني أبدو وكأني السذاجة نفسها؟
يحكي لي عن حبه الذي لا يضاهيه حب، عن صورتي التي لم تفارق خياله، رغم سنوات البعاد، يهمس في أذني أني شاركته حياته جميعها، أمام عينيه أركض، في أذنيه يسكن صوتي، خياله الخصب لم يستطع أن يتخطى صورتي لصورة أخرى.
أشعر مرات كثيرة بصدقه، تنتابني لحظات شك، أيعقل أن يوجد - حقيقة - في هذه الدنيا عاشق كما نقرأ عنهم في كتب العشق والغرام؟ يؤكد أن الدنيا تتوقف عندها، وتسير في محاولة حقيقية للحاق أو الوصول لها، هي وفقط، ليس معقولا فما قرآناه عن العشاق به كثير من خيال الشعراء والأدباء، لكنه يعيش بيننا، يزعم أن ما عاشه هؤلاء العشاق من وجد وألم ما هو إلا جزء يسير مما عاشه هو، ليس شاعرا، وليس فصيحا، لكنه يأخذني في عالم الشعر، يصنع قصيدته مني، ويغزل عالمه من إحساسه بي، هكذا يؤكد، يأتيني بمعنى جديدا، لا تنبئ قدراته على ابتكاره، أواجهه، يحيل الأمر كله لتأثيري عليه.
كاذب هو، فمن تكون هذه حاله، لا يمكن أن يتجرأ على طلب كهذا، حتى الأماني لها حدود، هل هي لحظة جنون؟ إذن سيعود حتما إلى رشده، سيأتيني خاضعا متذللا حتى أرضى عنه، يقول دائما أنه لا يستطيع فراقي، لا يقدر أن تفصلنا مسافة ولا مدة، لا مفر له مني إلاي هكذا يؤكد أني قدره الذي رضا عنه الرضا كله، يعلم مدى غضبي منه، وسخطي عليه، لم يحاول حتى اللحظة أن يقف على بابي طالبا العفو راجيا السماح، هل يستطيع قلبه المرهف أن يتحمل غضبي عليه؟ يذكر أنه متيم بي، لا تنقضي لحظة إلا وهو معي يحادثني، يخاطبني، يتأمل جمالي، يذكر حديثي، مغرم هو بعذب صوتي، لم يأت بعد، يتسرب الشك إلى نفسي، لن أسامحه على ما تجرأ في طلبه، ولا في تأخره في طلب السماح، العقاب لابد أن يكون قاس حتى لا يتكرر ما حدث.
لن أرد على مكالمته الهاتفية، سأتركه يتجرع ألم الهجران، يخبرني دائما أنه عانى كثيرا، تألم طويلا، يزعم أنه أحب المعاناة وعشق الألم، لأنني فقط كنت سببهما، أيمكن أن يستمر في موقفه مستعذبا ألم الهجران وعقاب غضبي منه؟ 
تشعر بضيق في النفس، تغادر مقعدها بوسط الحجرة التي تقطعها ذهابا وإيابا، تحاول أن تشغل نفسها، تزداد حاجتها لهواء ينعش الرئتين، تفتح النافذة المطلة على الشارع الرئيسي، تنظر على الجانب الآخر من الشارع، يظهر جسما ممددا، تحت عمود نور مطفأ مصباحه، تخرج مسرعة لتتبين الجسد الملقى على الأرض لتجد عاشقها مغمض العينين فاقد الوعي، فتطلب مسرعة سيارة  إسعاف.   








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب