الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمال الغيطاني عاشق الإبداع

أماني فؤاد

2016 / 1 / 31
الادب والفن




يعد جمال الغيطاني أحد قامات مصر والعرب الإبداعية المقاومة للفناء والمعززة للخلود بكل صوره، فهو أحد أهم روائيي جيل الستينيات، امتلك مشروعه السردي المميز القادر على تطوير رؤاه وتقنياته. برزت له مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية ذات الخصائص الفنية التي عُدت من علامات الإبداع العربي والعالمي، بداية من "أوراق شاب عاش ألف عام" ثم درته الفريدة "الزيني بركات" مروراً بـ "التجليات" إلى "متون الأهرام" و"وقائع حارة الزعفراني" و"دنى فتدلى" و"الزويل" وغيرها الكثير.
تعددت السمات الفنية التي ميزت مشروع الغيطاني السردي:
ــ فقد أبرز الغيطاني علاقة البشر بالحجر في تجلياتها الفكرية والفنية، استنطق معمار عاصمة من أقدم المدن التي حملت فوق بنيتها الحضارات المتعاقبة دون عراك، ففي تكوين سردي إبداعي يحتفي بوصف التفاصيل الدقيقة للمعمار الحضاري والنفسي للقاهرة وإنسانها، استحث مكنوناتها على البوح ذلك بالحفر خلف الهوية المصرية: الفرعونية والقبطية والعربية، فنفض بفنه ولغته ما تراكم فوقها من أتربة ليخرج كنوزها الروحية ، القاهرة التاريخية وأسرار مشربياتها وبيوتها وعطوفها وحواريها، استبطن رموزها التي طواها التاريخ وحكى عنصرها الحقيقي . قاربت لغته الشعر المصفى من أجل ساحرته ومعشوقته القاهرة، مدينته التي خطفت لب سرده، فأشار بوعي لجدلية المكان والشخصية المصرية بجوانب قوتها وضعفها.
ــ استنهض التاريخ المصري بمراحله المنسية، واستخرج شخصياته الهامشية من كتب التراجم وصنع منها نماذج بشرية نحتها بإبداعه فجسدت الشخصية القمعية الإشكالية في الفترة المملوكية في "الزينى بركات" ليسقطها على كل قوة ظالمة أمنية معاصرة، حينما تتحول السلطة لأداة قمعية تجوف البشر وتسلب حرياتهم وإرادتهم .
ــ قدم الغيطاني سرد التصوف في كتابة التجليات، عبر عن المعراج والوجد والوصل من خلال تجاربه الثرية والمتنوعة التي عاشها، التي خبرها بذاته أو ورأى أطيافها في الوجوه التي استشف مكنوناتها حوله، فهي كتابة المنمنمات، سرد التأمل والبحث عن الشفرات في مغادرة للظاهر ومحاولة استجلاء المكنونات الخبيئة. صنع تجربته الصوفية بعد أن وعى تجارب أسلافه المتصوفة وأضاف لها تجارب ذاته في حياة سعى فيها لتكوين ثقافة متبحرة تبحث عن المعرفة في رحلة مثابرة ودؤوبة، وتجارب حياتية في مصر والعالم يبحث فيها عن الحميمي من العلاقات: مع البشر والأماكن والأفكار؛ ليضمنها سرده في منظومة متوازية تعكس روحه الفنية .
ــ تجلت له لغته الخاصة التي تتسلل للداخل الإنساني، بكتابة تمج الزائل العرضي وتنشد الجوهري بالبشر والوجود، لغة تحنو على المعاني الباطنية لتستحضرها و تبرز تفاصيلها ، لغة تبدو كبنية منمنمات المشربيات في موسيقاها التكرارية التي تنقل إيقاع الوجود على نحو تأملي، ثم تتجلى فيها المهارة عندما ترتفع إيقاعاتها وتتغير لتشبه السينفونية الحادة النقلات في بعض سردياته. تميزت لغة الغيطاني بكونها مزيجا من اللغة التاريخية في متون كتب المقريزى والجبرتي، وإيقاع المنشدين والمداحين في الموروث المصري، ومراوغات لغة المتصوفة المتعددة ظلال المفردات، ولغة الواقع الفائض بحيوية اللحظة المعاصرة.
ثم طور لغته في مرحلة من مشروعه الإبداعي لتعبر عن حركة عناق حميمي بين التاريخ وحاضر الشخصية الجماعية. يبرز الذات المصرية في حالة تماسها مع الإنسان الكوني في انطلاقته نحو اجتراح أسئلة الوجود.
ــ للغيطاني المبدع والمثقف المصري دور عضوي بارز وفعال في المشهد الثقافي المعاصر فهو أحد أهم أعلام الصحافة الأدبية والوطنية، اضطلع منذ التسعينيات بتكوين كتيبة خاصة من صحفيي أخبار الأدب ومترجميها ورئاستها. نفخ فيهم من روحه الوثابة الطموحة القتالية التي تبحث عن الجديد في الفن في مصر والعالم، وجعل منهم أقلاما قادرة على إثارة المعارك الثقافية فأصبحوا اليوم من أهم علامات الصحافة الأدبية في مصر والعالم العربي. وقليل من أساتذة الصحافة من يتمكن من صنع فريق عمل مثل هذا الفريق الناجح، الأستاذ القادر على إبراز تفرد كل شخصية إبداعية أو إعلامية .
ــ آمن الغيطاني بالوطنية المصرية وأبرز عطاءاتها منذ أن كان مراسلا صحفيا على الجبهة فتكثفت في ذهنه ومخيلته أكثر لحظات الإنسان صدقا مع ذاته ومع الوجود من حوله، تعرت أمامه لحظات الموت والتضحية بالحياة؛ فداء للتراب المصري، فتعرى بدوره الجوهر البشري أمامه ودرجات صدقه وأصالته في تكوين الشخصية المصرية وهويتها الأصيلة، فاحتضن الفنان بداخله هذا الجمال وأخذ يسترجعه حكايات يسردها لتعكس جمالية التفرد المصري والجوهر الإنساني به، فقدمها كمتون طويلة بداية من أحجار الأهرامات ودلالات نقوشها في رحلة عجيبة ومستمرة مع الزمن والإنسان.
مثًل إبداع الغيطاني حركة العاشق والمعشوق مع المكان وتجلياته المعمارية الحضارية ، ومع الإنسان المصري و ثراء طبقاته الحضارية.
جمال الغيطاني .. لن تذهب إبداعاتك سدى فأنت اخترت بقاء دائما رغم جبر النهايات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا