الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخبز وفوضى السوق ودلال رأس المال

ناجح شاهين

2016 / 2 / 1
حقوق الانسان



لا بد أن جزءاً منا يتذكر الارتفاع الجنوني في أسعار الحبوب في الأعوام 2007 وكذلك 2008. استخدم القمح والأرز لإنتاج الوقود الحيوي بوصفه بديلاً للنفط. وهكذا تشكل نقص كبير في معروض الحبوب في السوق العالمي، فجن جنون أسعار الحبوب، وعلى رأسها مادة الفقراء الأولى ألا وهي الخبز. وقد بلغ سعر كيلو الخبز الواحد في مناطق السلطة الفلسطينية أربعة شواقل، أي ما يساوي دولاراً ونيف، أو ما يقترب من دينار أردني كامل.
لكن أسعار الحبوب والنفط انخفضت حد الانهيار التام في السنوات الأخيرة. وإذا كان ربح المخبز في كيلو الخبز في سنوات شح الحبوب والنفط كان لا يتجاوز العشرة في المئة، فإنه اليوم يزيد بوضوح على مئة في المئة. يعني باختصار المخابز تربح بمستوى تجار المخدرات على وجه التقريب. لماذا؟
يمكن اليوم للمستهلك العادي أن يشتري كيلو الطحين نخب أول من أي مركز تسوق فاخر في حي الطيرة برام الله مثل "برافو" أو "الجاردنز" بشيكلين، وهو مغلف في كيس ورقي أنيق. ومن الواضح أن المخبز يحصل عليه بسعر أقل من ذلك. لكن كيلو الطحين ينتج كيلو وربع من الخبز تقريباً. وهذا يجعل تكلفة كيلو الخبز تقترب من شيكل واحد. لماذا إذاً لم تنخفض أسعار الخبز؟ ثم لماذا تظل أسعار الخبز موحدة إذا كنا بلاداً تقدس حرية السوق ويعمل اقتصادها في ضوء قانون العرض والطلب؟
تزعم الفرضية الأساس لآلية عمل السوق الرأسمالي أن السلعة تقدم للمواطن بأفضل شكل وعلى أرخص نحو ممكن بحكم المنافسة في السوق بين المنتجين الذين يتسابقون من أجل ربح "قلب" المستهلك بتقديم السلعة الأجود والأرخص. ومن يمتلك الكفاءة الأمثل لذلك يسيطر على السوق، ومن يفشل يخرج من السوق go out of business. لكن ذلك لا يحصل في بلادنا أبداً. ولعل علي بالفعل أن أفكر في افتتاح مخبز يقدم الخبز بثلاثة شواكل ويحقق لي مع ذلك ثروة في زمن قصير. أما من ناحية تفسير ظاهرة ثبات سعر الخبز، فإنني بالفعل لا أمتلك الإجابة خصوصاً أن الوثيقة الأساسية الفلسطينية "الدستور الفلسطيني" تنص في مادتها رقم 21 على أن اقتصاد البلد يعتمد السوق الحر وحده لا شريك له. ولا بد أنني في حاجة إلى دعم من خبراء في الاقتصاد السياسي من شاكلة عادل سمارة لمساعدتي في إجابة هذا السؤال الملغز: هل نحن اقتصاد رأسمالي حر؟ أم اقتصاد خراجي ما قبل رأسمالي يتم فيه انتزاع الفائض من جيوب الناس بالإكراه مع التظاهر بأن هناك رأسمالية وحرية سوق؟
ولا بد كذلك من توجيه بعض اللوم لجمعية حماية المستهلك وصلاح هنية لتقصيرهم في متابعة الموضوع ودفعه إلى واجهة الاهتمام الشعبي العام والذهاب به إلى المحاكم مثلما حصل مع شركة الهاتف التي احتكرت السوق وفرضت شروطها في بيع سلعتها وحققت أرباحاً خيالية. ألا يعرف الناس أنه حتى في الولايات المتحدة لا يمكن السماح "ببلطجة" رأس المال إلى هذه الدرجة؟
أخيراً لم يحدث شيئ على ما يبدو فيما يخص المواد المسرطنة التي تضاف إلى رغيف الخبز. ومن جانبنا لم نلاحظ اختلافاً في شكل الرغيف أو رائحته أو نكهته. وقد حلت زوجتى الموظفة المرهقة بأعباء كثيرة المشكلة كلها بأن بدأت تخبز في البيت باستخدام القمح الكامل، وربما أن ذلك قد يكون وصفة لمواجهة تغول رأس مال المخابز وانفلاته من كل رقابة أو ضابط، ولكن ذلك بالتأكيد ليس متاحاً للمواطنين كافة، ولذلك لا بد من فعل شيء لتحسين جودة الرغيف وتخفيض سعره بما يتلاءم مع قواعد الرأسمالية في انخفاض سعر السلعة عند انخفاض موادها الأولية وشروط انتاجها. وإذا كان ذلك غير ممكن، فقد يكون علينا أن نغير فقرة الدستور التي تتحدث عن اقتصاد السوق ونضع مكانها: نعتمد تشكيلة من القواعد الفرعونية والرومانية والفارسية القديمة بما يتلاءم مع الحاجة والمقام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يصدر تقريره لعام 2023


.. بعد أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في تركيا.. من ينزع فتيل




.. تركيا وسوريا.. شبح العنصرية يخيم وقطار التطبيع يسير


.. اعتقال مراهق بعد حادثة طعن في جامعة سيدني الأسترالية




.. جرب وحالات من التهابات الكبد تنتشر بين الأطفال النازحين في غ