الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانتظار - دمشق 1 -

بدر الدين شنن

2016 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


من أعماق العقل .. والعدل .. والأخلاق .. والإنسانية .. تعلو صرخة الغضب الشعبي السوري ، والعالمي المتمدن المحب للحرية .. مطالباً المشتركين " بجنيف 3 " والدول الراعية لهم ، بوقف الحرب الإرهابية القذرة على سوريا . وتعلو كلمة .. كـفى .. كبيرة كبر أوجاع الحرب .. يرددها السوريون الذين احترق أعزاءهم بجحيم الحرب .. ويكابدون الجوع .. ومعاناة الحصار .. وذل التشرد .. ويلاحقهم الموت أنى كانوا ، تحت قصف آليات التدمير والموت في الداخل .. أو على دروب وأمواج البحث الذليل ، عن ملا ذات آمنة ، تحترم حرمة حقهم المقدس بالحياة والكرامة .. وترددها أيضاً أشباح البيوت والشوارع والبلدات المدمرة ، وأنين أشجار الكروم والبساتين التي حرمت من مواسمها ، والأرض التي بدلت الحرب ترابها الخصب ، بالرماد المضرج بالدم .

الدول الكبرى ، التي تتقاطع أحياناً ، وتتجاذب أغلب الأحيان ، في لعبة إدارة الحرب ، عبر طقوس الصراع المباح ، من أجل النفوذ والثروة ، بعد أن طالت بعض شظايا الحرب الإرهابية بلدانها ، وبلدان أخرى ، صارت محرجة في مواصلة رغبتها باستدامة الحرب ، واستمرار إرسال المال والسلاح والإرهابيين المرتزقة إلى سوريا ، ما يؤدي إلى تأجيج الحرب وإطالتها . لكنها لن تتنازل مجاناً عن مشاريعها السورية ، والكونية عبر سوريا .

والدول الإقليمية الراعية للإرهاب ، راحت خوفاً من ارتدادات الحرب السورية ولعنتها على بلدانهم ، تنافق وتناور ،عند اضطرارها للحديث عن الحاجة لحل سياسي للحرب .
ومع تصاعد الطروحات والأنشطة المتعددة ، بزعم التوصل عبر ، الحوار ، إلى حل سياسي سوري في " جنيف 3 " ، فإنه لابد من إضاءة مبسطة ، لمعايير المفاوضات التي يتمخض عنها عادة ، في ظروف الحرب .. الحل السياسي .

* * *

ليس جديداً البتة ، القول ، أن أية مفاوضات ، بين أطراف متحاربة من أجل تسوية سياسية .. أو حل سياسي .. وانتهاء الحرب ، هي انعكاس لموازين القوى العسكرية إجمالاً ، وللخريطة العسكرية المحققة ميدانياً ، والمرشحة تداعياتها على متغيرات ، هي على قدر أكثر من احتمال . ومن الأهمية بمكان ، أن تتقن الدبلوماسية المفاوضة .. أو المحاورة .. مهارة المناورة والخادعة ، شريطة مراعاة الدقة في احتواء ، وتفهم ، مستويات الواقع العسكري والسياسي ، وكذا الرغبات الممكنة في آن ، مع عدم نسيان ، أن المدفع في المفاوضات التي تجري في سياق الحرب ، هو أصدق من الأصوات المنطلقة في محادثات التفاوض .

هذه مسلمات لا يستطيع أي سياسي دبلوماسي ضليع ن أن يتجاهلها . وإنما يبحث في العمق ، وفي كافة الأبعاد المتداخلة في الحرب ، لاسيما الحروب الكبيرة ، التي تتجاوز مخططاتها الجغرافيا الميدانية المنظورة ، إلى ما يطاول تحديد مصائر إقليمية ، واستراتيجيات دولية متجاذبة ، مثل الحرب على سوريا ،التي تتميز ، بتعدد القوى الدولية والإقليمية والإرهابية ، ومعارضات متعارضة ، المشاركة فيها . وبالتالي تتعدد الأهداف ، وتتعدد القيادات ، وتتعدد مراكز القيادة والقرار ، والتي تتصارع فيها الدول الكبرى العريقة والنامية ، والتجمعات الإقليمية العسكرية والاقتصادية والسياسية ، بأساليب شتى . بدأت في أول القرن الحالي بزج قوى إرهاب بديلة كرأس حربة ووكيلة في الصراعات الجارية ، ومن ثم اتجهت ، في بداية العشرية الثانية من هذا لقرن ، بعد تعثر عمليات الإرهاب الدولي ، إلى التدخل المباشر ، الذي يتراوح بين التحالف خارج الأمم المتحدة والشرعية الدولية ( التحالف الأميركي الدولي ضد داعش ) .. وبين التدخل المشروع بطلب من الحكومة السورية ( التدخل الروسي العسكري ضد داعش والإرهاب عامة ) .
ما يعوق وصول السوريين إلى بناء جسور الاتصال .. والحوار .. والاتفاق على حلهم السياسي الوطني ، لإنقاذ بلادهم من أتون حرب فرضت ظلماً عليها .

* * *

وعلى ذلك ، إن للحل السياسي في سوريا ، رؤى متعددة متباينة ، حسب تعدد القوى المحلية ، المتمثلة بالحركة الميدانية للجيش السوري الوطني .. وبالحكومة .. والقوى الشعبية .. والمعارضات المتعارضة .. المسلحة .. وغير المسلحة ، وتعدد وتباين القوى الإقليمية ، والجماعات الإرهابية الدولية المسلحة ، وتقاطعات .. وتجاذبات .. القوى الدولية الرئيسة .

إن الحل السياسي بالنسبة للقوى الشعبية التي تتحمل العبء الرئيس من الحرب .. غلاءً.. وجوعاً .. وتشريداً .. ودماراً .. وموتاً مجانياً ظالماً .. ، هو بسيط وواضح . وهو يعني باختصار ، وقف الحرب ، وطرد قوى العدوان والإرهاب ، وإشاعة الأمان والاستقرار ، وتوفير مقومات معيشة كريمة ، وتفعيل الخدمات الاجتماعية الحكومية .
أما بالنسبة لمعظم المعارضات ، لاسيما المسلحة، والمرتبطة بمشاريع الخارج ، فهو يعني إلزام الحكومة بتسليم السلطة إليها ، وإجراء انتخابات بإشرافها تحقق فيها أهدافها الأخرى .
والفارق بين هذين المفهومين للحل السياسي ، يحدد أحد نوعين من اللقاء مع ممثلي الحكومة :
1 - لقاء بين طرفين لديهما خلافات سابقة ، تحضهما الآن ، الدوافع الوطنية المبدئية والأخلاقية ، على العمل المشترك عبر إطار حكومي ، للتوصل إلى كيف يمكن وقف الحرب ، والتخلص من الإرهاب ، وملاقاة الاحتياجات الشعبية الملحة الأخرى . ما يؤدي إلى بناء الثقة ، وتطوير أشكال العمل الوطني معاً نحو الأفضل .
2 - لقاء بين طرفين متعاد يين ، يحرض الأجنبي على مواصلة العداء بينهما ، يقتصر فيه الكلام حول لمن ينبغي أن تؤول ناصية السلطة والدولة ، بمعزل عن رأي الشعب . الأمر الذي يوتر ويصعد التنافر بين الطرفين ، وما يعزز مواصلة القتال والدمار ، ويوسع دائرة الموت والدم .

وللحل السياسي في سوريا ، هناك رؤى دولية متعددة أيضاً . هناك رؤية القوى الدولية التي تتقاطع ،وترى في الحل السياسي السوري ، ضماناً لتكريس تطلعاتها الدولية ، وضماناً لما بيدها ، أو ستحصل عيه عبر هذا الحل ، من نفوذ وثروات في سوريا .. ومن خلالها في الدول المحيطة بها . ورؤية القوى الدولية التي تعمل على استمرار الحرب

وهناك رؤى إقليمية توسعية متجاذبة ، لامتلاك التأثير في متغيرات خرائط الإقليم ( تركيا ، المملكة السعودية ، قطر ، إسرائيل ) ، تعارض بشدة للحلول السياسية لحربها المفتوحة ، بواسطة الإرهاب الدولي ، على الشعب السوري . وقد حاول " أردو غان " أن يمنع انعقاد " جنيف 3 " من خلال توتير العلاقات مع روسيا ، واستدعاء حلف الناتو للتدخل ، واستغلال " جنيف 3 " ضد اشتراك القوات الروسية في الحرب ضد الإرهاب في سوريا ، باتهام الطيران الحربي الروسي باختراق الأجواء التركية ، والتهديد بالرد في حال التكرار ، وكرر تهديده رئيس وزرائه أحمد أو غلو ، وأرفق ذلك بإعلان حالة التأهب في القواعد الجوية الحربية التركية ، وبقصف مدفعي لقرية سورية على الحدود التركية ، واعتبر كل معارض سوري يحضر " جنيف 3 " دون أن توقف الحكومة السورية إطلاق النار من طرفها خائناً . وهناك معلومات تفيد أن الحكومة التركية تدرب خمسة آلاف مقاتلاً لإرسالهم إلى الحرب في سوريا في آذار القادم .
وأعلن " عادل الجبير " ووزير خارجية تركيا " مولود أو غلو " دعمهما للمعارضة السورية الموالية لهما في حال انسحبت من " جنيف 3 " .

وهناك رؤية الجماعات الإرهابية الدولية المسلحة ، الرافضة بالمطلق ، دفاعاً عن وجودها ، لأي محادثات تصالحية بين السوريين . وقد عبرت عن ذلك ، قبيل ومع انطلاقة " جنيف 3 " بإطلاقها عدداً من الهجمات الهيستيرية بريف حماة الجنوبي ، ومحيط تدمر الغربي ، ومحيط دير الزور ، وكذلك عدداً من التفجيرات الانتحارية المتلاحقة ، في حي الزهراء بحمص ، وآخرها في حي الست زينب بدمشق . وقد أعلن داعش أنها دعم للمعارضة السورية .

إزاء هذا الوضع الدولي .. المتقاطع .. المتجاذب .. حول سوريا والحرب فيها وعليها ، وارتداداتها الحتمية خارج حدودها المرسومة . وإزاء تعدد وتشابك مرجعيات وقيادات الجماعات الإرهابية الدولية المسلحة ، وعدائها المطلق لأي حل سياسي ، والوضع الإقليمي المتآمر الراعي للإرهاب الرافض لأي حل يضر بمشاريعه النوعية الخاصة ، لا يمكن الجزم أن يحصل تقدم هام نحو حل عبر الحوار ، في قاعات " جنيف 3 " من طرف ، ومن طرف آخر ، قبل أن يحسم حوار المدافع في جبهات القتال ، وتكريس خرائط عسكرية وسياسية مطابقة تعترف بها القوى الدولية المقررة أولاً .
وفي حال تمييع ، أو فشل " جنيف 3 " فإن اليتيم الوحيد في مآ لات " جنيف 3 " السلبية ، هو المعارضة السورية التي آثرت اللقاء والحوار مع ممثلي الحكومة السورية ، في كل العواصم الأجنبية .. إلاّ في دمشق . وكانت كل تلك اللقاءات فاشلة . وذلك لسبب واضح ، هو أنها جرت تحت الهيمنة الدولية والرجعية العربية . ولأن معظم المعارضين المشاركين فيها لا ينشدون الحل السياسي ، وإنما يريدون العودة إلى دمشق بقوة التدخل الأجنبي السياسي والعسكري . لأن دمشق بالمضمر والمعلن عندهم ، يعني النظام ، يعني الطرف الذي تصر أطراف معارضة عدة على عدم تجاوز خلفية خصومات سابقة موجعة معه . أو تحمل مشروعاً خارجياً ملزماً بإسقاط النظام .

ولهذا فإن هذه الأطراف تتخوف من لقاء ممثليها وجهاً لوجه مع ممثلي الحكومة في دمشق . فيما توجد أطراف وشخصيات معارضة أخرى ، ليس لديها حالة تصادمية مع السلطة ، حالت أو تحول دون حوارات بينهما . كما توجد شخصيات معارضة هجومية ، تجري لقاءات داخل سوريا وخارجها فيها الكثير من الآراء المتشددة ، وهي تعيش داخل سوريا . ومن البديهي في ظروف الحرب ، وانتشار الإرهاب في البلاد ، أن تزداد المخاوف من المجهول والمفاجئ . ما يسوغ لأطراف معينة ليس لها موانع أمنية جادة ، أو صحية ، أو شخصية ، أو عائلية ، بالتشبث بالأمان والراحة المدفوعة النفقات ، والبقاء في الخارج . بيد أن الحس الشعبي السليم ، يتطلب التفكير بتغيير الدروب الأجنبية ، والتفكير الجدي بسلوك طريق دمشق . وذلك من أجل سلامتهم وسلامة خياراتهم السياسية للحل السياسي المطابق للواقع السوري في الحاضر والمستقبل .
ما يترتب على كل الأطراف الوطنية ، وأولها التي في السلطة ، تحمل مسؤولياتها في هذا الصدد ، واتخاذ التدابير الكفيلة بإحداث هذه النقلة السياسية الهامة . إن لقاء القوى السياسية السورية في دمشق ، هو الخطوة المبشرة الأولى للتوصل إلى حل سياسي وطني .. فهل توفر الظروف المجال لنرى " دمشق 1 " .
هذا الكلام ليس لحالة افتراضية من المستحيل بلوغها .. وليس كلاماً عاطفياً غير واقعي .. إنه ارتداد للقرف والإحساس بالعار ، الذي يثيره تدخل عادل الجبير ، وأردو غان وأحمد أو غلو ، وفابيوس ، وتميم ، في حياتنا وخلافاتنا وصراعاتنا ولقاءاتنا ، إنه كلام نابع من القلب .. ومن الحاجة الوطنية العظمى ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل.. تداعيات انسحاب غانتس من حكومة الحرب | #الظهيرة


.. انهيار منزل تحت الإنشاء بسبب عاصفة قوية ضربت ولاية #تكساس ال




.. تصعيد المحور الإيراني.. هل يخدم إسرائيل أم المنطقة؟ | #ملف_ا


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك ضارية بين الجيش والمقاومة الفل




.. كتائب القسام: قصفنا مدينة سديروت وتحشدات للجيش الإسرائيلي