الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطايا حميد عثمان - الثانية /4-7

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2016 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


خطايا حميد عثمان- الثانية/4-7

عندما أصاب حميد رأس السركار من الخلف بحجر إلتقطه من أمام بيتهم في قرية پيرداود وجعل الدم يسيل منه، قبل أن يصل السابعة من العمر، لم يكن يعي بأنه أقدم على عمل غير مسبوق في المنطقة، كان فيه دلالات عميقة، لو كان الذي أصاب رأسه حجر حميد فلاحاً اخر لكان الأمر هيناً، لكان الصلح يتم على يد الأغا بعد دفع ملاعثمان الغرامة التي كانت تفرض عليه، ولكن الذي أدماه حجر حميد كان السركار بعينه، أداة تنفيذ أوامر الأغا وتأمين مصالحه كما هو دور الحكومة في نظام الدولة الحديثة، أثناء أداء واجبه الذي كان يتمثل في زجر ملاعثمان العلني، أمام عائلته والأخرين، ولربما حتى إهانته بسبب عدم مشاركته في السخرة التي كانت تُفرض على الفلاحين حسب مشيئة الأغا أو السركار في كثير من الأحيان، لكي يكون عبرة للأخرين. تَصْرُفُ السركار مع ملاعثمان دفع ب الطفل (حميد )، أن يفعل ما فعل، للحيلولة دون هدر كرامة والده، قبل أن يعي بأنه فرد ضمن عائلة مسلوبة الحقوق والإرادة، لكونها فلاحية، تعيش في ظل نظام إجتماعي متوارث راسخ يتربع على قمة هرمه عوائل إقطاعية مؤسسة على رابطة الدم، عدد قليل من العوائل هيمنت على الكثير من القرى بقضها وقضيضها إما عن طريق الارهاب المنظم والجور المتواصل، أو بتفويض من الباب العالي ومنحهم حق جباية الاراضي، وكانت هيكلية هذا النظام الإجتماعي ركيزة أساسية للحكم العثماني في الريف لقرون طويلة وظل قائماً دون أن يمسه الحكم الملكي الجديد الذي أقامه المحتل البريطاني بعد هزيمة الدولة العثمانية. الى جانب بركات المؤسسة الدينية المنتشرة في الريف بأشكال مختلفة، إن جاز التعبير.
لم يكن أمام ملا عثمان الذي عاش في ظل علاقات نظام إجتماعي أشبه بالنظام الفيودالي الذي كان شائعا في أورپا خلال العصر الوسيط. المتمثلة بالعلاقة التي كانت تنشأ بين الذي يقدم قطعة أرض الى شخص أخر فيصبح المستفيد من قطعة الأرض تابعا للمانح، يلتزم بتقديم خدمات والتزامات معينة للمانح. لم يكن مفر أمامه الا اللجوء الى مدينة أربيل لأن الفلاح الكوردي الذي كان يطُرد، أو يُهاجر، من قريةٍ بدون مباركة الأغا لا يُرحب به إلا في القرى التي كانت تعود لعوائل إقطاعية متنافسة. والهجرة الى مدينة أربيل لم تكن بالأمر الهين، لأن مدينة ابوابها واسوارها لم تكن مفتوحة لمن لم يكن له السند و الدراية الكافية بالمسارات التي يستطيع القادم الجديد الدخول اليها، حتى وان كان يسكن، أباً عن جد، على بعد كيلومترات قليلة منها، لم يكن مجتمعها يتألف هيكليته من هرم واحد واضحة المعالم والابعاد كما كانت في الريف، انما كانت تتألف من عدة أهرامات تختلف في إرتفاعاتها وسعة قواعدها تفصل بينها أسواراً غير مرئية منيعة للمحافظة علو وجودها من مخاطر غزو الأخرين، كأي مدينة تأريخية تنقصها العوامل الحيوية والطاقات الكامنة التي تجعلها نقطة جذب و محط أنظار القاصي والداني بسبب ما تؤديها من دور تنويري بمفهومه العقلاني وليس الروحاني.
لنبدأ بالقلب التأريخي للمدينة وهي القلعة، وكانت بيوتها الخمسمائة تتوزع على ثلاثة محلات وهي : السراي، طوبخانة، تكية. يُقال بأن هذه المحلات كانت مخصصة على التوالي للعوائل: الأستقراطية، الحرفيين وأخيراً الدراويش والفقراء وكان لب هذه العوائل منحدرة من الأتابكيين الذين كان السلطان مظفر الدين(1153-1232) م الذي كان حاكماً على منطقة أربيل في عهد صلاح الدين الأيوبي والتحق بهم عدد غير قليل من العوائل الكوردية التي هجرت من الأرياف المحيطة بأربيل وانصهروا في المجتمع "الإربلي" الذي يعتمد أساساً على المشاعر وليس العرق، في نظري، ومن شروطه إستعمال اللغة التركمانية في الحياة اليومية وإعتبارها لغة الإم. وكان هذا الإنصهار، أو الاندماج، إختيارياً إما بدافع الإستفادة من التسهيلات التي كان يحصل عليها المهاجر لبناء مستقبله ومستقبل أولاده، أو نتيجةً للإنبهار بثقافة كانت تختلف كثيراًط عن الثقافة التي كانت سائدة في الريف، لربما كرد فعل لما كانوا يعانوه من جور وظلم عندما كانوا في الريف.
أما المحلات التي كانت تمتد بين الجهة الجنوبية الغربية وشرق القلعة فكانت تتألف من المحلات : العرب، تعجيل(تعجيل يهود و تعجيل إسلام) تجاورها محلة سعدوناوه على الطرف الاخر من الوادي (جاي أربيل)، ومحلة خانقاه. أعتقد أن هذه المحلات كانت تستقطب الناس، بصورة عامة، حسب مكانتهم الإجتماعية ومهنهم ( تحديد ذلك يحتاج الى دراسة) ، وكانت التركمانية اللغة السائدة والمعتبرة في السوق وكانت النظرة الدونية للفلاح الكوردي، لم تكن غائبة، و كانوا يُسمونهم ب"الكرمانج" ان كانوا قادمين من المنطقة السهلية و" الخوشناو" ان كانوا قادمين من المنطقة الجبلية حيث كان الخوشناو يحمل خنجراً في أكثر الأحيان، وكان التمييز بينهم سهلاً بسبب اللهجة ونوع المنتوج الذي كانوا يسوقونها، ولم يكونوا يَسْلَمون من التندر والمقالب، في بعض الأحيان، أثناء تجوالهم في السوق، وحتى في المجالس.
ورغم كل ذلك لم يكن الأمر مستحيلاً بالنسبة لملاعثمان وأخويه الدخول في هذا المعترك والمضي قدماً.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح