الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايتان قصيرتان ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2016 / 2 / 3
سيرة ذاتية


حكايتان قصيرتان ..
حكاية "و" ...مرّ زمن طويل منذ أن قابلته للمرة الأخيرة ، فقد ربطتنا أواصرُ صداقة ورابطة العمل المهني ... فقد كنتُ مُركِّزا لنادٍ متخصص في التأهيل الإجتماعي للمواجهين لأمراض نفسية .. وكان من أوائل مَن نجحتُ بإقناعه للإنضمام لعضوية النادي التأهيلي .. كان ذلك في زمنٍ ، تعاملَ فيه المجتمع مع المريض النفسي بأفكار ومواقف نمطية مُسبقة . فالمريض النفسي مجنون لا يعي ما يقول وما يفعل .. يتحاشاه الناس بل ويستفزونه بإهانات متعمدة ومقصودة ... واصبح النادي بمرور الأيام البيت الثاني للكثيرين من المرضى وأبناء عائلاتهم ،بل وللبعض من المتطوعين ..
أُضطررتُ ذات مرة للسفر الى مدينة بعيدة ، لا تربطنا بها مواصلات عامة ، وبما أن صديقي هذا ،كان يملك سيارة ورخصة قيادة صالحة ،فقد أقلني الى تلك المدينة وشارك معي في الاجتماع المهني الذي ضم طاقم العاملين في التأهيل النفسي ، وكنتُ آنذاك العربي الوحيد ..كان حضوره معي مدعاة لحب الاستطلاع، وحينما أخبرتُ "مديرتي" ، بأنه من أعضاء النادي...(كناية عن المُواجه لمرضٍ نفسي )،عاتبتني على "تهوُّري" في السفر مع سائق سيارة مريض نفسي .. هكذا كانت المواقف والأفكار حتى في اوساط المختصين ..
كنتُ ماراً من الحي الذي يقطنه ، وإذا به يجلس أمام بيته ، فطرحتُ عليه السلام وسألته عن الأوضاع، فدعاني وألّح في الدعوة لأحتسي كوب قهوة معه ، وهكذا كان ...
لقد كانت فرصة بالنسبة له ليفضي لي بمكنونات قلبه ، وما يُضايقه ، لكنني "حوّلتُ" الحديث، نحو أخبار أبناءه وبناته ، وكم كانت سعادتي غامرة ،حينما علمتُ بأن أحد أبناءه يدرس طب الاسنان ، والآخر قد انهى دراسة التمريض ، وصغرى البنات تدرس الطب .. وفي المقابل فالبنت الكبرى "تطلقت" بعد زواج لم يدم إلّا شهور معدودة ..
فرحتُ كثيراً وودعتُهُ متوجهاً الى بيت عزاء ..
حكاية "م " ...
"م" ،ذلك الفتى الصغير ، والذي لم يبلغ السادسة عشرة من العُمر ، حين أُصيب بالإكتئاب ثنائي القطبية .. كان جارا وابن جار عزيز ، لكنها الأقدار ...
كبرَ في النادي ، كان مثالاً للشاب المؤدب والنشيط ، رغم مرضه فقد تعلم مهنة كهربائي بيوت واشتغل فيها، رغم "خشية" البعض من "الإعتماد" على "مريض نفسي" في تصليح أو تركيب شبكة الكهرباء البيتية..!!
تزوج من ابنة عمه ، وكان مثالاَ للزوج ، الأب والصديق، لكل من عرفه ...كان مرحاَ ولطيفاَ في التعامل مع الصغير والكبير ..
ذات يوم ، وقبل 10 سنوات ، أخذ زوجته واولاده الثلاثة الى رحلة على ضفاف بحيرة .. وفي طريق عودتهم ، صدمهم سائق شاحنة (أعمى القلب والبصيرة) ، ومسح عائلة "م" من الوجود..
مات "م" وزوجته "غ" وصغيرهما ابن الرابعة .. وأصيب الابنان الآخران .. أمّا الولد البكر، فقد أُصيب إصابات بالغة ، بقي على إثرها طريح السرير وتحت عناية مكثفة .. أما الآخر فقد نجا من اصاباته الكثيرة ..
وبالأمس فارق الإبنُ، الحياة .. ليفتح في نفوسنا (أنا وزوجتي ونفوس معارفه )جرحاً لم يندمل .. فقد كان "م" من زوار بيتنا على مدار سنوات ... وصديقاً للعائلة وخاصة احدى بناتي وكانت صغيرة ،لا تُجيد نطق بعض الحروف ، والتي كانت تمازحه ويمازحها.. بالقول : هل انتَ "مدنون" (أي مجنون) ؟! فيضحك من كل قلبه بفرح كبير ..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحيك و أحي إنسانيتك
نضال الربضي ( 2016 / 2 / 4 - 08:45 )
أخي الحبيب،

أحيي فيك إنسانيك، صدقني ان البشر لو أدركوا مشتركهم الجامع، و وضعوا الإنسانية َ هدفا ً لهم لوجدوا أن العالم يكفيهم جميعا ً و لحقَّقوا السعادة، لكن الأنانية َ البيولوجية َ المنشأ تبقى تتحكَّم ُ فيهم مدعومة ً من أنظمة ٍ اجتماعية ٍ و اقتصادية ٍ و سياسية.

وصلني عبر الواتساب من أحد الأصدقاء فيديو، فيه ِ مقطع ٌ على شكل ِ صورة ٍ تقول: اقض ِ وقتا ً أكثر مع أشخاص فوق ال 75 من العمر و تحت سن السادسة.

نحتاج ُ أن نعود َ إلى إنسانيتنا قليلا ً بل كثيرا ً!

عزائي لك و لعائلتك الكريمة، و دمت بكل ِّ الود!


2 - عزيز نضال الغالي
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 2 / 4 - 10:20 )
ايامك سعيدة ..
يا عزيزي الاحكام النمطية المسبقة هي اصل البلاء على كافة الصعد الحياتية (من دين ،سياسة، قومية واجتماعية ). اشكر لك قراءتك وعزائك ..
دمت في عافية ..نفسية وجسدية !!ههههه

اخر الافلام

.. ما أبرز رهانات الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسي


.. كلمة رئيس حزب -فرنسا الأبية- جان لوك ميلنشون عقب صدور نتائج




.. بسبب التنقيب عن الآثار.. مقتل طفل بجريمة مروعة في مصر


.. بالمسيرات الانقضاضية.. حزب الله يستهدف إسرائيل.. والغرب يحذر




.. حزب الله.. القدرات العسكرية | #التاسعة