الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام الهويات المصطنع

ثائر دوري

2005 / 11 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


كأن قدرنا نحن في سوريا العربية أن نعيش معارك مصطنعة لا طائل من ورائها و لا معنى لها . ....
نبدأ من إشكالية الحداثة و الأصالة ، التي تم اختراعها وخيضت تحت راياتها حرب داحس و الغبراء على مدى نصف قرن ، و ما زال البعض يثير معاركها واضعاً التراث في صدام مع العالم المعاصر ، أو بالعكس واضعاً العالم المعاصر في صدام مع التراث ، مقترحين علينا التخلي عن أحد طرفي المعادلة كي ننهض ، فأنصار التراث يقترحون علينا التخلي عن كل ما أنجزه الفكر البشري منذ أن توقفت حضارتنا عن الإبداع كشرط أكيد لنهوضنا و تجاوز تخلفنا ، و أنصار التحديث المزعوم يقترحون بدورهم أن ننسلخ عن تراثنا و حضارتنا و نتبنى المنجز الحضاري للغير كشرط لنهضتنا !!
في حين أن تجارب كل الشعوب التي نهضت تبين أنها أنجزت نهضتها مستندة إلى تاريخها و تراثها و عاداتها و تقاليدها و بيئتها الطبيعية و الجغرافية مع التلاقح مع العالم المعاصر و الاستفادة من منجزه التقني و الحضاري ....
و كانت ، أيضاً ، ثلاثية القومية ، الإسلامية ، الأممية الزائفة أيضا ، و التي أضاعت جهدنا ووقتنا و أدخلتنا في صراعات لا معنى لها و لا طائل من ورائها . فبعض الإسلاميين وضع الانتماء الديني متعارضاً مع الانتماء القومي و الإنساني ، فعلى حد زعمهم لا انتماء لنا إلا إلى الأمة الإسلامية ، و لا هوية لنا إلا الهوية الإسلامية و تشدد غلاتهم فوسموا بالكفر كل من يقول بهوية غير إسلامية ، و رد القوميون بتصغير الانتماء عبر التشديد على هوية قومية جامعة مانعة لا تقبل بأي تداخل مع الجوار الإسلامي بل هي في تنافر معه ، فلا تصير هوية قومية إلا إذا تنافرت مع الهوية الإسلامية . و دخل الأمميون ساحة الصراع بهوية إنسانية جامعة مانعة لا تقبل أية تمايزات . فخيضت الصراعات و دمرت مقدرات أبناء الأمة على خلفية هذا الصراع الثلاثي . في حين أن المشكلة زائفة أصلاً . فمن البديهي أن لأي كائن بشري عدة هويات لا تعارض بينها في الوضع الطبيعي . خذ ، مثلاً ،إنساناً فرنسياً كاثوليكياً يسكن في باريس ، فهو باريسي – كاثوليكي – فرنسي – أوربي .
تخيل لو أنك طلبت من فرنسي يحمل الهويات السابقة أن يختار بين فرنسيته و كاثوليكيته . أو بين أن يكون فرنسياً أو أوربياً !! و بالتأكيد هو لن يتعامل مع الخيارات المطروحة عليه بجدية ....
أما في وطننا العربي فإن طرح هذه المسائل يكتسب طابعاً جدياً ، فعليك أن تختار هوية واحدة فقط ، و أن تلغي هوياتك الأخرى . فيراد لك إما أن تكون عربياً أو مسلماً مع أنك ببساطة شديدة يمكن أن تكون عربياً و مسلماً في الوقت نفسه . عليك أن تختار أن تكون إما حمصياً أو سورياً (طرح هذا الاختيار على حمصي ففضل أن يكون خبيراً روسياً )
و اليوم يعود بعض النخبة السورية إلى إنتاج طبعة جديدة من هذا الصراع الزائف بين الهويات فحسب زعمهم عليك أن تكون إما سورياً أو عربياً مع أني أستطيع أن أكون سوريا و عربياً في الوقت عينه و أن أنتمي أيضاً إلى حماة أو حمص أو حلب أو دمشق .
يصر هذا الجزء من النخبة السورية على التعامل مع الهويات التي ينتمي إليها الإنسان على أنها انتماءات تسير بخطوط متوازية لا التقاء بينها ، فإذا كنت سورياً لا يمكن أن تكون عربياً و بالعكس ، و إذا كنت عربياً لا يمكن أن تكون مسلماً أو مسيحياً . في حين أن التمثيل الصحيح هو الذي يقترح أن لكل إنسان عدد لا نهائي من الهويات تبدأ من الأصغر و تتوسع نحو هوية أكبر ، و ليس هناك ضرورة أبداً أن يحدث صدام بينها و هذا يقترح تمثيل الانتماء بدوائر داخل بعضها بعضاً فقد تكون دمشقياً فهذه دائرة ، و سورياً وهذه دائرة أخرى ، و عربياً و هذه دائرة ثالثة ، و مسلماً رابعة وصولاً إلى الانتماء الإنساني العام الذي يجمعك مع كل أبناء البشرية .
إن استخدام الهويات الضيقة للصدام مع الهويات الأوسع فعل مضر و غير بريء و لا فائدة ترجى منه سوى تلويث الهوية الصغيرة و تحويلها إلى غيتو محاصر يتعفن تدريجياً و تمتلأ نفوس أبنائه بالحقد و الأنانية و القيح و هو أمر سيسهم في تدمير الهوية الضيقة ذاتها في نهاية المطاف . وفي حال حدوث تعارض مصالح بين الهويات الضيقة و الواسعة ، فإن الهويات الواسعة هي المحقة ، و إذا كنا عقلانين يجب أن نفكر دائماً بمصلحة الجموع الكبيرة فحتى لو خسرت هوياتنا الضيقة بعض مكتسباتها آنياً ، فإن انتمائها إلى هوية أكبر سيعوضها خسارتها عاجلاً أو آجلاً . فالتنازل الذي تقدمه الهوية الضيقة في هذه الحالة عبارة عن استثمار مستقبلي .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا