الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية تؤخر جنيف بانتظار (غودو)، وأسباب ارتياح سوري روسي لهذا التأخير

ميشيل حنا الحاج

2016 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


المعارضة السورية المسلحة تسعى باستمرار لتأخير انعقاد مؤتمر جنيف للسلام، متذرعة بأسباب عديدة منها ضرورة فك الحصار عن المدن المحاصرة، اضافة الى مطالبتها بوقف القصف السوري الروسي، كشرط للعودة الى طاولة المفاوضات في الموعدد الجديد الذي حدد لها وهو الخامس والعشرين من شهر شباط الحالي.

ولكن المعارضة بوعي تام أو بجهل فيما تفعله، تتناسى أن المؤتمر الذي بدأ انعقاده في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، لم يكن جنيف3 الساعي لحل عقدة المسألة السورية، بل كان مؤتمرا ممهدا لمؤتمر السلام الحقيقي وهو جنيف3، حيث أن موضوع البحث في المؤتمر الأخير الذي تم انفضاضه بشكل مبكر، كان السعي للتمهيد لمؤتمر السلام الحقيقي وذلك بمناقشة 1) قضية فك الحصار عن المدن المحاصرة وايصال الغذاء والدواء لها، 2) الاتفاق على وقف اطلاق النار تمهيدا لتحقيق المطلب الثالث، وهو وضع حلول جذرية للأزمة السورية، كخطوة ضرورية لتفرغ القوى المتقاتلة لمجايهة داعش وقوتها الغاشمة التي لم تعد مؤرقة لسوريا فحسب، بل للعراق وليبيا واليمن أيضا، ان لم يكن للعالم بكامله.

وهكذا يبدو أن مطلب المعارضة المسلحة، انما يضع العصا في دواليب الوصول الى حل لمشكلة المناطق المحاصرة والتوصل الى وقف اطلاق النار، مما قد يكشف عن مساع مبيتة لتأخير التوصل الى اتفاق مبدئي حول هذه المسائل التي هي ليست شائكة، ويمكن تحقيقها في وقت قريب اذا حسنت النوايا في السعي لتحقيقها.

والواقع، فان انسحاب المعارضة من مفاوضات جنيف، انما يؤدي الى تأخير تحقيق الأهداف التي يطالبون بتحقيقها كشرط قبل العودة الى المؤتمر. وهم بذلك عمليا وعلى أرض الواقع، انما يطالبون بالغاء مؤتمر جنيف، مع رغبتهم بالتوجه فورا الى جنيف3 عندما تتحقق مطالبهم بفك الحصار ووقف القتال .. خارج طاولة المفاوضات التي عقدت أصل من أجل تحقيقها.

ولكن ذلك هو ما يبدو على السطح ويتبادر للوهلة الأولى الى الذهن. فلدى المعارضة المسلحة أسباب أخرى تكمن وراء سعيها للتأخير غير المنطقي أو المبرر. لأنهم في واقع الأمر، يعولون كما يبدو لبعض المراقبين، على الحصول على مزيد من الأسلحة التي قد تستطيع السعودية وقطر شراءها لهم من مصادر مختلفة اذا تعذر توفيرها من المصدر الأميركي، الى جانب وعود تركية بتمريرها اليهم رغم اعلانها المتكرر عن اغلاق حدودها في وجه الارهاب والارهابيين، مع قناعة غير معلنة كما يبدو، بأن الارهاب المقصود هو ارهاب داعش ولا يمتد الى المعارضة السورية المسلحة بما فيها جبهة النصرة المنتمية للقاعدة. فأسلحة كهذه، قد تمكن المعارضة المسلحة من تحسين وضعها العسكري على الأرض.

ولكن انتظارهم ذاك على أرض الواقع، ليس انتظارا فحسب لوصول أسلحة ما، بل هو انتظار لقدوم شيء آخر على الساحة السياسية هذه المرة ... انه انتظار لاستكمال الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة التي تطل على الادارة الأميركية برئيس جديد بعد تسعة أشهر، يتسلم سلطاته رسميا بعد شهرين تقريبا من تاريخ انتخابه. وهم يعولون على احتمال كونه رئيسا له توجهات أخرى تختلف عن توجهات الرئيس الحالي، العازف عن خوض حرب جدية الى جانب المعارضة المسلحة ضد الحكومة السورية القائمة، ليس رغبة منه فحسب في العزوف عن الحروب كما قال لدى تسلمه سلطاته قبل سبعة أعوام، بل تخوفا منه أيضا من وصول حكومة ذات توجه اسلامي متشدد الى سدة القيادة في سوريا، مستذكرا تجارب سابقة للحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه، عندما تعاملت حكومة الحزب مع الخميني في ايران، ثم مع المجاهدين الاسلاميين التكفيريين في أفغانستان، وأفرزت التجربتان اللتان شرع بهما في عام 1979، نتائج وخيمة على الولايات المتحدة.

فالرئيس الأميركي الجديد القادم لا محالة، قد يكون جمهوريا كما تتوقع المعارضة السورية المسلحة، وبالتالي غير متأثر بعقدة الحزب الديمقراطي تجاه الاسلاميين المتشددين، وقد يكون ديمقراطيا، ولكن أقل تخوفا من سلفه في التعامل مع التيار الاسلامي الجهادي التكفيري. فهذا ما يتطلعون اليه وينتظرونه، غير مقدرين أن انتظارهم ذاك، قد يكون كانتظار (غودو) في مسرحية "صموئيل بيكيت" الشهيرة، وعنوانها "في انتظار وصول غودو"، عندما أرجأ بطلا المسرحية حل قضية معقدة، انتظارا منهما لوصول "غودو" الذي كانا بانتظاره، ولكنه لم يصل أبدا، بل اعتذر في اللحظة الأخيرة عن القدوم. ف"غودو".. الرئيس القادم المتوقع وصوله، قد يكون بالمواصفات التي يتوقعونها، ويبنون عليها فكرهم غير العميق في التأخير، مع ما ينطوي عليه ذلك من مزيد من القتل ومزيد من الدماء.

كل ما في الأمر أنهم لا يقيمون أن انتظارهم وتلكؤهم ذاك، قد لا يوصلهم لما يتوخونه، بل ربما يقودهم الى وضع أسوأ. فسوريا وروسيا من ورائها، انما يحاولان اخفاء ارتياحهما لهذا التأخير، لكونهما يستفيدان من فترة التلكوء والمماطلة، بتحسين الوضع على الأرض تمهيدا للوصول الى مؤتمر جنيف3 وهم في وضع يؤهلهما لاملاء الشروط، أو في وضع لا تبقي حاجة معه لانعقاد ذاك المؤتمر أصلا. اذ يقدر بعض المراقبين، وجود احتمال قوي بأن تحسم الحرب ضد المعارضة المسلحة، فلا تبقى ثمة حاجة للدخول في مفاوضات مع خصم لم يعد يسيطر سيطرة فعلية على كم هام من الأراضي السورية تستدعي التفاوض معه.

وتقول آخر الأنباء، أن الحكومة السورية قد فكت الحصار عن مدينتي نبل والزهراء، كما باتت مقبلة على استكمال محاصرتها للمعارضة المسلحة في مدينة حلب بعد غارات مكثفة قيل بأنه قد بلغ عددها 900 غارة خلال يومين، مما بات يعني معه احتمال احكام السيطرة على محيطها واستكمال محاصرتها في وقت قريب جدا، تمهيدا لاقتحام المناطق في المدينة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، أسوة بما حدث قبل أسبوعين في مدينة الشيخ مسكين الجنوبية.

ومعروف أن سقوط حلب في أيدي القوات السورية، سيؤدي تلقائيا الى التوجه نحو محافظة ادلب والشروع باحكام السيطرة عليها. كما أنه بعد أن تحقق احكام القوات السورية السيطرة على الشيخ مسكين واجبارهم مقاتلي جبهة النصرة على الفرار منها، سيؤدي الى التوجه قريبا الى مدينة درعا الحدودية والقريبة من الشيخ مسكين. فاذا حصل هذا وذاك، وكل المؤشرات تدل على احتمال وقوعه في مدة زمنية أقل من المتوقع، لن تبقى بعد ذلك حاجة لانعقاد مؤتمر جنيف أو جنيف3، الا اذا أريد منه أن يصبح مؤتمرا لتوحيد الجهود ورص الصفوف في مواجه الدولة الاسلامية - داعش.

وهكذا بات يبدو من الواضح تماما من هو المستفيد حقا من هذا التأخير غير المبرر الا بأوهام وصول غودو بعد انتظار طويل. فمؤتمر جنيف كان بوسعه أن ينهي الحصار هنا وهناك، وأن يحقن بعض الدماء، وأن يوفر وقف اطلاق نار ان لم يكن فورا ففي وقت قريب. لكن تعنت المعارضة المسلحة المتشبثة بمواصلة التأزيم والتأخير، على أمل أن تتحقق معجزة تقلب موازين القوى عاجلا او لاحقا اثر وصول رئيس جديد للولايات المتحدة، غير مقدرين أن مجيء الرئيس، أو صول الأسلحة اليهم ... قد يكون متأخرا جدا، عندما تكون المعارضة قد خسرت الأرض وكل شيء آخر قد لا يجعل الجلوس معها على طاولة المفاوضات، أمرا مجديا أو ضروريا..بل لا نفع منه بعد تحقق الحسم العسكري الكامل أو شبه الكامل للقوات السورية. فلن ينفع المعارضة السورية المسلحة، حتى وصول "غودو" خلافا لرؤية "بيكيت" في مسرحيته...اذا تم هذا الوصول متأخرا وبعد انقضاء الأمر وفوات الأوان.

ميشيل حنا الحاج
عضو في جمعية الدراسات الاستراتيجية الفلسطينية THINK TANK
عضو مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن.
كاتب في صفحات الحوار المتمدن - ص. مواضيع وأبحاث سياسية.
عضو في رابطة الصداقة والأخوة اللبنانية المغربية.
عضو في رابطة الكتاب الأردنيين - الصفحة الرسمية.
عضو في مجموعة مشاهير مصر.
عضو في مجموعة صوت اللاجئين الفلسطينيين.
عضو في مجموعات أخرى: عراقية، سورية، لبنانية، أردنية.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح