الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستقواء - توصيف في الحالة السورية -

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 2 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حين قرأنا في الماضي التاريخ السياسي للدويلات العربية والإمارات المتنازعة، شعرنا بالدهشة لتفشي ظاهرة الاستقواء بالآخر عند حكام الدويلات والسلاطين وأمراء الحرب في حينه . ثم أمدّ الله في عمرنا، كما تلاحظون، لكي نشهد نسخة معاصرة من الاستقواء بالآخر، ولكن ليس في صراع دويلاتنا مع العدو الخارجي وإنما في الصراعات الداخلية لتلك الدويلات ... ففي ليبيا تدخّل حلف الناتو إلى جانب المسلحين لإنهاء حكم القذافي ، والقذافي استقوى بالمرتزقة الأفارقة من أجل دعمه في قتال مسلحي ليبيا ، ومسلحو ليبيا استقووا بالمتشددين الإسلاميين الإقليميين والدوليين لقتال بعضهم بعضاً.
في سورية الوضع أعقد من ذلك وأوضح في الوقت نفسه ، وذلك بسبب مكوناته الاجتماعية المتنوعة . ولذلك أخذ الاستقواء بالآخر صورا متعددة، ولكنها جميعاً صور لا تأخذ بعين الاهتمام المصلحة الوطنية السورية، باعتبار أن الآخر لن يضحي بأبنائه إلا من أحل مصلحته الخاصة . يضاف إلى ذلك أن فعل الاستقواء بحد ذاته هو ضعف يُرجِّح فيه المستقوي كفة المستقوى به على حساب استقلالية الوطن وسيادته، وامتلاك مقوماته وأسسس نهوضه.
الاستقواء الأول جاء من المعارضة المسلحة ، على اعتبار أنها كتائب قتالية داخلية ، ذات قدرات محدودة ، وتمكّنها من الاستمرار مرهون باستقوائها بعنصر خارجي إقليمي أو دولي ، ولكن العنصر الخارجي حوّل علاقته بها من دعم مادي ومعنوي، بوصفها مكونا مستقلا، إلى حالة استحواذية كلية؛ بمعنى أنها أصبحت ذراعه التي يهيمن عليها ، يمدها ويسحبها ، يحركها يمينا وشمالا، ويقطعها إن شاء، كما حصل مع كثير من الكتائب التي ظهرت واختفت في أرض المعركة . ثم تطورت علاقة الاستحواذ إلى تبنٍ كليٍّ بحيث لم يعد لمفهوم الوطن السوري وجود في أجنداتها ، وذلك حين تبنت استراتيجية تتجاوز الجغرافية السورية والمفاهيم الوطنية إلى مفاهيم سلفية مثل " بلاد الإسلام " و" بلاد الكفار " وما يصحب ذلك من " أهل الذمة " و "أهل الكتاب " و " الجزية " ومفهوم " الزكاة " و"السنة " و" الرق " و" أسواق النخاسة " !..وبدأت تُطرح في ثقافة الحرب أسئلة تجاوزتها الصيرورة التاريخية للمجتمع الدولي بشكل عام والمجتمع السوري بشكل خاص ، ومهّد ذلك لتحول خطاب الحرب عند المسلحين إلى خطاب ديني مذهبي تجاوز الوطن السوري، ووجد المواطن السوري نفسه أمام أمراء حرب من شتى بقاع الإسلام، فكان خارج وطنه وثقافته الوطنية ، وطُلب منه أن يحشر نفسه في " بلاد الإسلام " أو " بلاد الكفار " ، ولأن ذلك كان خارج وعيه اختار " بلاد الكفار " هربا من الحرب وخطابها، غير الوطني أو الإنساني.
الاستقواء الثاني جاء من النظام ؛ فحين تمددت الكتائب المسلحة على الجغرافية السورية بدأ الخطاب الوطني للحراك الثوري ينزوي لصالح الخطاب الإسلامي ، وما رافق ذلك من تعويم مفاهيم السلفية الجهادية و الخلافة الإسلامية ، ولاحظ النظام تحول الأزمة السورية من حراك ثوري اجتماعي داخلي كان قادرا على معالجته إلى حرب داخلية / خارجية في الوقت نفسه لا يستطيع معالجتها منفردا، فلجأ إلى الاستقواء بالآخر تحت مرجعيات سيادية ، ولكنها لا تمنعه من الإفادة من كل صور المعونة من الآخرين ، وكلٌ وفق أجندته الخاصة، إن كانت اقتصادية أو سياسية أو استراتيجية أو مذهبية أو دينية..مما فتح الباب واسعاً للتدخل الخارجي تحت مظلة السلوك الفردي والجماعي ، والحكومي الرسمي ، والحزبي والطائفي ..بل إن الأرض السورية فقدت السيادة والخصوصية ، وأصبحت فضاء للعنف والاقتتال فوجدنا فيها الروسي والإيراني والأفغاني والعراقي واللبناني والباكستاني والفرنسي والبريطاني والأمريكي والسعودي والكويتي والإماراتي والبحريني وحتى من جزر الواق الواق ... !
وبين الاستقواءين تحوّل الوطن السوري إلى أغنية تحلم بالعودة إلى أوتارها، وتحوّل المواطن السوري إلى شارع يتحدث باسمه كل الانتهازيين والمتقاتلين ؛ المحليين والإقليميين والدوليين ، ويدّعون تمثيله إن كان في حمل البندقية أو فنادق جنيف أو القاهرة أو استنبول أو الرياض !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني




.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ