الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر والدّين

سيف الدّين بنزيد

2016 / 2 / 6
الادب والفن


الشعر والدّين
سيف الدّين بنزيد / باحث تونسيّ

لم يكن الشّعر يوما في تضارب مع الدّين بل على العكس فقد كان سبيلا للتواصل معه والتسامح. وخيرُ دليل على ذلك علاقة الرسول الحميمة مع الشاعر الصحابيّ (حسّان بن ثابت (ت 54هـ)) وقولُه (صلعم) عن شعر الصّعلوك الجاهليّ الشنفرى:"علّموا أولادكم لاميّة العرب، فإنّها تعلّم مكارم الأخلاق" وقولُه (صلعم) عن فارس بني عبس وشاعرها عنترة بن عمرو بن شدّاد "ما وُصف لي أعرابيّ فأحببت أن أراه إلا عنترة" وتصرّفه اللّبقُ (صلعم) مع الشاعر (كعب بن زهير بن أبي سُلمى (ت 26هـ)) وهو الذي هجا محمّدا دون أن يمتثل إلى رؤيا أبيه القائلة "إنّي لا أشكّ في أنّه كائن من خبر السّماء فإن كان فتمسّكوا به وسارعوا إليه". وحين علِم هذا الشاعر خطورة جرمه قصد الرسول بقصيدة "بانت سعاد فقلبي اليوم متبول" ليطلب الصّفح بواسطة فنّه، فقدّم له النبيّ بُردته حتّى لا يلحقه سوء من الصّحابة الذين كانوا في المجلس، كما كان حَبْرُ الأمّة وترجمان القرآن عبد الله بن العبّاس يجد متعة في الاستماع إلى شعر الغزل خصوصا شعر عمر بن أبي ربيعة (اُستُشهد في البحر وهو ماض إلى غزوة إسلاميّة)...
وقد تميزّت الخلافة العبّاسيّة بفترات مضيئة خصوصا في حكم المهديّ والرشيد والمأمون حين تمّ الفصل بين الدينيّ والعالَم الدنيويّ. ففي هذه الفترات شجّعت السّلطة على الفنون وحثت على ترجمة أمّهات الكتب في الفلسفة والطبّ وعلم الفلك نقلا عن الفرس والإغريق والروم وعلماء الهند وشيّدت بيت الحكمة وصار السياسيّون يقيمون مجالس للأدب والسّمر وراحوا يقرّبون إليهم شعراء ظرفاء كدعبل الخزاعي وصريع الغواني وبشار بن برد والعبّاس بن الأحنف وأبي نواس (صاحب قصيدة إلهنا ما أعدلك مليك كلّ من ملك لبّيك إنّ الحمد لك لبّيك لا شريك لكْ) وهكذا عرفت حضارتنا الإسلاميّة أوج ازدهارها.
ولكن حين تمّ توظيف الدين سياسيّا نُكب المسلمون وبدأ التقهقر الفكريّ والثقافيّ وأغلق باب الاجتهاد في الفقه وظهر التكفير.. ولقد قتِل أغلب الأدباء والشعراء كابن المقفّع والحلاّج وبشّار بقرارات سياسيّة في الباطن وتُهم دينيّة في الظاهر كالاتهام بالزندقة وهي تهمة التصقت بكثير من أعلامنا كابن الراوندي وأبي حيّان التوحيدي وأبي العلاء المعريّ...وهذه من أكبر المغالطات في التاريخ فسببُ قتل ابن المقفع كان نقده للخليفة في كتابَيْه "رسالة الصحابة" و "كليلة ودمنة" وسببُ قتل بشّار جلدا بالسوط هو قصيدة هجا فيها الخليفة... وفي عصرنا الحديث لم يسلم شاعر في قيمة أبي القاسم الشابيّ من تُهم باطلة كيدت له في وقت كانت قصائده السياسية تدوّي في مصر إبان مقاومة الإنغليز...فيا من تحرّمون ما لم يحرّمه الله أريد أن أذكّركم بأنّه لو لا صوت الشابي الذي علا في سماء عربيّة أمطرت بالدم لما كان بإمكانكم فتح أفواهكم... ومهما فعلتم فسوف يبقى الشاعر الحقّ رغم الدّاء والأعداء كالنّسر فوق القمّة الشمّاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خالد النبوي: فيلم أهل الكهف يستحق الوقت الذي استغرقه بسبب ال


.. أنا والست والجيران?? علاقة ممتعة بين مزاج صلاح عبدالله وصوت




.. كل الزوايا - الفنان أيمن الشيوي مدير المسرح القومي يوضح استع


.. كل الزوايا - هل الاقبال على المسرح بيكون كبير ولا متوسط؟ الف




.. كل الزوايا - بأسعار رمزية .. سينما الشعب تعرض 4 أفلام في موس