الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما الذي ابقته الاحزاب الدينية للعراقيين.. وما الحل؟!

صادق الازرقي

2016 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


ما الذي ابقته الاحزاب الدينية للعراقيين.. وما الحل؟
صادق الازرقي
يحلو لقادة الاحزاب الاسلامية في العراق التي تحكم العراق الآن ان يتعكزوا على صفحات الماضي للتلميح الى ما يسمونه نضالاتهم في العهود الغابرة، و لا ينسون وهم يمرون على ذلك، الإشارة الى رموز دينية وسياسية تمثل اشخاصاً ضحوا بأنفسهم ضد الانظمة الدكتاتورية السابقة؛ فيحاول كل من تلك الاحزاب ان ينسب تلك الشخصيات الى نفسه من دون غيره.
لزاماً علينا ان نقول؛ نحن قطعاً لن نزكي الاحزاب غير الاسلامية وغير الدينية من التسبب في الكارثة التي نعيش تحت سطوتها في العراق، ولكن اتجاه الحياة السياسية منذ عام 2003 نحا بمساق تكريس ما يسمى الإسلام السياسي وايصاله الى الحكم بوساطة اطروحات دينية وطائفية تحاول دائما الضرب على وتر الماضي، ذلك الوتر الذي غادرته الشعوب المتحضرة منذ عقود بعد ان تيقنت بالخبرة والتجربة ان العبرة في الحاضر؛ ومن اجل ذلك غضت النظر عن صفحات من تاريخها امتازت بالدموية وافناء الآخر على اسس دينية كما في محاكم التفتيش المسيحية، واخرى عقائدية مثلما جرى عليه الحال في الانظمة القمعية ومنها النظام النازي في المانيا، واتجهت تلك الدول والشعوب بدلاً من ذلك الى بناء حياتها المعاصرة على العلم والمعرفة الى الحد الذي اصبحت قبلة انظار شباب وسكان البلدان "الاسلامية" فطفقوا يتنافسون للهرب اليها وطلب اللجوء عندها.
كرست الاحزاب والقوى الاسلامية العراقية بعد عام 2003 أنموذجا بائسا للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فاستغلت الاتجاه الطائفي والاثني، الذي تمخض عن ترتيبات اسقاط النظام المباد وبدلاً من ان تسعى ـ بعد ان تبوأت مناصبها في البرلمان والحكومةـ الى الارتقاء بحياة الناس وتعمير بنيانهم وانفسهم التي خربت لجأت الى تكريس هذا التخريب وبحثت اول ما بحثت عن مناطق واسعة في ضواح جذابة من بغداد وبالتحديد على شواطئ دجلة لتحوزها لأحزابها و مريديها من القادة فلم تبق للناس مكانا يتنزهون فيه، وكرسوا حالة الانعزال والاكتئاب التي سحقت العراقيين طيلة الحقبة الدكتاتورية السابقة حين كان الناس لا يجرؤون حتى على الالتفات ناحية الاماكن التي احتازها نظام صدام مثلا ومنع المرور فيها، وغدا موقع مثل بناية وزارة الدفاع في الميدان بعبعاً يقض مضاجع الناس وينافس رواد مقاهي ساحة الميدان و باب المعظم بامتياز؛ في مكان كان على الحكومات المتلاحقة ان تحوله الى مواقع ترفيهية وثقافية مثلما هو عليه الحال في دول اخرى تقع عواصمها على ضفاف الانهار.
لا نريد ان نسهب في تبيان مثالب الوضع الجديد في هذه العجالة، فالفشل يلف كل شيء و لن نفلح في الاحاطة فيه بمقالة او مدونة؛ ويكفينا النظر الى معدلات الفقر التي تتفاقم يوما بعد يوم وانعدام فرص الاسكان والتشغيل لغالبية شباب العراق ما اضطر اعداداً هائلة الى الهجرة في الوقت الذي تتنعم فيه الطبقة السياسية الحاكمة وفي طليعتها الاحزاب الاسلامية بالمساكن الوارفة والاراضي الشاسعة والاموال غير المنتهية، وليس عبثاً ومصادفة ان يكون الشعار الرئيس لتظاهرات العاصمة بغداد والمحافظات المتواصلة حتى الآن "باسم الدين باكونا الحرامية".
نقول وكي نفتح بابا للنقاش مع "اولي الامر" ان القوى الدينية العراقية وبالتحديد الاحزاب الاسلامية فشلت بامتياز وهي اذا جاريناهم في النقاش اساءت الى كلا الامرين، اضرت بالسياسة حين اقحمت نفسها فيها من دون دراية او برامج تنموية، واساءت للدين عن طريق تحويله من مظهر لعلاقة الانسان بربه على وفق ما يعتقد الى محاولة الزج به في الاحوال العامة وتصنيف البشر على وفق مقاسات غير انسانية مدمرة كانت نتائجها كارثية على البلد والانسان؛ وبالتأكيد فان مثل تلك الموضوعات بها حاجة الى دراسات معمقة ومطولة على صعيد علم الاجتماع وعلم النفس وغيرها من اتجاهات واساليب البحث الانساني العلمي.
وقد يسأل سائل: تلك مشكلات يعيشها ويعرفها الناس ولكن ما الحل؟ نقول ان ما يعنينا هنا وكي نتجنب مزيداً من الكوارث التي الحقت وتلحق الضرر بالإنسان ان تتوصل الاحزاب الحاكمة في العراق الى معرفة كنه مواضع اخفاقها ونتائج سياساتها الكارثية، وان تلقي صفحاً عن التحريض الديني والطائفي والاثني الذي لم يجلب للناس الا الويلات، ولا ضير في ان تترك الساحة لقيادات مهنية من ذوي الاختصاص حرصاً على ما تبقى من البلد الذي يقولون انهم يراعون مصالحه، ولا بأس هنا من اعادة التذكير هنا بالأنموذج التونسي فهو يصحح ويجدد نفسه في كل يوم ومع مستجدات الاحداث، ويقدم تجلياته باستمرار.
احاول هنا اعادة التذكير بما ورد في مقال لي كتبته في صيف عام 2014 في تقويم التجربة العراقية بعد عام 2003 حين اشرت الى ان نتائج الانتخابات التونسية في تشرين الأول من عام 2011 التي اعقبت اسقاط نظام زين العابدين بن علي في العام نفسه، اظهرت تصدر حركة النهضة الإسلامية ـ التي يصنفها البعض على الإسلام المتطرف ـ النتائج برصيد 89 مقعدا من 178 مقعدا وسرعان ما شكلت الحكومة برئاسة أمين عام حركة النهضة "حمادي الجبالي" مع الحزبين الآخرين الذين نالا اعلى الأصوات برغم انهما يصنفان في خانة العلمانية واليسار؛ وفي شباط 2013 دعا الجبالي نفسه إلى تشكيل حكومة تكنوقراط بسبب اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، وقال انه قرر "تشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة لإنقاذ البلاد من خطر الفوضى والعنف"، و هدد بتقديم استقالته الى الرئيس التونسي، و في آذار 2013 كلف "علي العريض" القيادي في حركة النهضة الإسلامية بتشكيل حكومة جديدة وحرص فيها على ان يكون وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والتربية والمالية ووزارات أخرى من المستقلين حصرا. وبرغم ذلك، وبسبب احتجاجات الشباب التونسيين و بعض عمليات العنف ـ التي لا تقارن بما لدينا طبعا ـ قدم العريض في كانون الثاني 2014 استقالة حكومته لرئيس الجمهورية آنذاك المنصف المرزوقي، الذي كلف الاقتصادي المستقل ووزير الصناعة في حكومة العريض "مهدي جمعة" بتشكيل حكومة تكنوقراط بالكامل، إذ أن كل أعضائها من ذوي الكفاءات بجانب أنهم مستقلون.
لقد كان تصرف الحركة الاسلامية في تونس ممثلة بحزب النهضة وطنيا ًحكيما وحصيفاً، منع اراقة دماء المزيد من التونسيين، واللافت ان بيان حركة النهضة بشأن استقالة حكومة علي العريض كان في منتهى الوعي، اذ تقول في بيان لها "أن تونس قدمت درسا للعالم في التداول السلمي على السلطة و ان هذه الاستقالة عبرت عن الالتزام العميق لحركتنا بتقديم مصلحة البلاد العليا على أي مصلحة حزبية أو فئوية ضيقة وحرصها على نجاح الانتقال الديمقراطي"، و يشدد البيان على أن "حركة النهضة غير متشبثة بالحكم و أنها مستعدة للتضحية من أجل مصلحة الوطن"؛ و شكلت الحكومة التي اعقبت ذلك من 21 وزيرا و 7 كتاب مستشارين معتمدين لدى رئيس الحكومة .. وجميعهم مستقلون.
صحيح ان لكل بلد خصوصياته، ولكن المعاناة الانسانية مشتركة، وان الحكم على الاشياء يرتبط بأوضاع الناس الاقتصادية واستقرارهم المعيشي والامني؛ وهذا موضع العجب حين نرى قادة لأحزاب اسلامية ينعمون بالخيرات ويتصرفون بأموال العراق على هواهم، وينشؤون محطات فضائية واجهزة اعلام متكاثرة تصرف عليها الملايين، وتضيع مئات مليارات الدولارات من الخزينة، في الوقت الذي تبحث فيه نساء واطفالهن في القمامة عن علب المشروبات المعدنية الفارغة لبيعها وتدبير قوت عائلاتهن اليومي، وفي الوقت الذي تحجب رواتب الناس ويطرد عمال وموظفو الاجور اليومية؛ وتنتشر البطالة، وتفتك ايجارات البيوت بالسكان، ويهاجر الشباب وتحصد الحروب ارواح من تبقى منهم؛ ناهيك عن الكوارث المحدقة بنا، المقبلة لا محال اذا تواصل الوضع كما هو مبنياً على التحريض الطائفي والاثني في ظل نظام انتخابي فصل على مقاسات الاحزاب المتنفذة وعملية سياسية ولدت ميتة واريد لها ان تحيا على انقاض الخراب الذي تسببت هي فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح