الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات

حمزة الحسن

2003 / 1 / 23
الادب والفن


 

                خاص: الحوار المتمدن

   قد لا يعرف الا حفنة من الكتاب ان صدام حسين بدأ حياته بكتابة(اذا كان لهذه الحياة من بداية) القصة القصيرة ونشرها في الصحف لكنه بعد استلام السلطة عاد وسحبها وأمر بإتلافها لأن تلك القصص كانت مؤشرا دقيقا على نزعة الدم وشهوة القتل التي تحكمت به الى حد الادمان المرضي.
وليس غريبا ان يعود مرة اخرى لكتابة الرواية ولو عبر ستار الاسم غير الحقيقي وهو ( رواية بقلم صاحبها).وبصرف النظر عن محتوى روايات صدام حسين وقيمتها الفنية أو النفسية أو شهادته الشخصية وهي شهادة لا ترقى الى مستوى النص الروائي الجدي لا من بعيد ولا من قريب، لكن عودة هذا الكائن الغريب الى الكتابة الروائية تدل بوضوح على نزعة متأصلة في عقل وذات هذا المخلوق في تغيير الحياة بالطريقة التي يراها هو.ولو ان الاقدار شاءت ان ينغمس صدام حسين في الكتابة الروائية بدون سلطة، لكنا قد تجنبنا كل هذه الكوارث والفواجع التي مرت والتي في الطريق . وكان سيرسم هذه الفواجع على ورق بدل الارض.

ان الروائي صدام حسين مشغول بفكرة تسلطية كبست على عقله وخياله طوال سنوات عمره وهي نزعة مسخ الكائنات. اي تحويل الكائنات الى مخلوقات مشوهة تزحف كالحشرات الى ان ترتقي الى مستوى الكائن الادمي حسب رؤيته الخاصة والمريضة.

وقد كتب صدام حسين روايات كثيرة على ارض الواقع قبل ان يكتبها على الورق.

 ومن بين روايات صدام حسين التي لا يقدم عليها رجل دولة هي  رواية حرث الارض وتبديل شكل الطبيعة واعادة صياغة الاشجار أو رسم الجبال كما يريد أو تهديم المدن وحفر الانهار وطرد السكان أو نقلهم الى مدن اخرى..الخ...

هذه النزعة الدموية الشاذة في تبديل شكل الحياة والانسان والطبيعة تنتمي الى الخيال المرضي أكثر من صلتها بالتفكير السياسي أو تفكير رجل دولة.

وصدام حسين حين لا يكتب اسمه على رواياته لأن السبب بكل بساطة هو ان الذي يكتب اسمه هو كائن بشري، وهو يعد نفسه اسطورة، وهوية الاسطورة هوية مغايرة، وماتقوله الاسطورة لا يقوله بشر.

وصدام حسين حين يسبح في النهر فهو لا يسبح فيه ـ حسب هذا الخيال المجنح ـ بل ان النهر هو الذي يسبح فيه، لأن من طبيعة الاساطير هو كونها أكبر من عالم الواقع، وهي التي تخلقه وتبدله وتنسفه اذا تطلبت الاحوال.وحين يبدل صدام حسين شكل الطبيعة ـ تجفيف الاهوار ـ فلأن الاهوار بالنسبة
له
ليست مستنقعات مائية تتضمن حضارة عريقة وشكلا من اشكال الحياة الموغلة بالقدم، ومصدرا للعيش والتناسل، بل ان هذه الاهوار كما يراها هي مصدر للخطر، والخطر يتعارض مع الالهة ويتقاطع مع طموح الخرافة.
هذا الكائن الخليط من السياسة وايديولوجيا القتل والخرافة والاسطورة وتقاليد الشوارع الخلفية، هذا النازل على السلطة بمسدسات قديمة من المقاهي والحارات  وبارات منتصف الليل، هل ولد من( فراغ) اجتماعي أو سياسي أو فكري؟ ام انه
ابن هذه المكونات؟

لا شك ان صدام حسين ابن حقبة من تاريخ العراق السياسي كانت ايديولوجيا قتل الخصم والتنكيل به ومصادرته روحا وجسدا هي النزعة الشرعية القائمة آنذاك، وهذه النزعة كانت تعرف نفسها على انها( النزعة الثورية).هو وليد مفاهيم كانت سائدة ولا يزال بعضها يعيش في السلوك السياسي وهي
مفاهيم تصفية الخصم، والمبادرة الثورية، وقوى الثورة المضادة، ومهاجمة العدو وهو في مرحلة النوايا، واعداء التاريخ والامة والطبقة والعقيدة والجريدة والرفيق والصورة والخطاب والافتتاحية..الخ...

لذلك فإن تصفية صدام حسين الحقيقية ليست في التصفية الجسدية فسحب، بل في تصفية المناخ والسلوك السياسي والفكري  والمفاهيم والعقل الذي انتج لنا هذه الظاهرة المشوهة التي حولتنا الى كائنات تزحف  وتتطلع الى صورتها البشرية القديمة المنسية.لو ان ـ وهذه اللو كبيرة جدا ـ صدام حسين عاش معنا كروائي فقط وكتب رواياته على ورق دون ان يخدش الحياة بهذا الجرح النازف، لكنا قد تخلصنا وتخلص هو ايضا من كل هذه الكوارث المتلاحقة.وحين يعرض صدام حسين جسده في النهر، فهو يعرض القوة الذكورية، ويعرض السلطة العارية، ويعرض اداة القتل، ويعرض الاغتصاب الذي مارسه على اجساد ضحاياه.

فهذا الجسد/ السلطة/ هو ايضا شكل من اشكال خطاب الموت والاغتصاب والجريمة، يعرضه علناً للاعداء والضحايا لكي يتأكدوا من قدرة جسد الخرافة وجسد الاسطورة على الفتك والبقاء والحكم.فهو ليس جسدا بشريا، ولو كان الامر كذلك لما احتاج الى صور وعرض علني، بل هو جسد/ ثكنة/ سجن/ مشرحة/ اهانة.ان جسد صدام حسين العاري في النهر يمثل انتصار الخرافة على الواقع، وسيطرة الاسطورة على الكائنات، وهيمنة اللابشري على البشر، وقدرة الجسد المفرغ من الشهوة والرغبة الادمية على  مسخ الكائنات.  وغرام صدام حسين بالأزياء لا يأتي من احترام التقاليد ابدا، بل هو غرام الجسد
بنفسه، وهي فتنة الاغواء حين تستعرض قوتها وجسدها امام الضحايا الذين لا يملكون امام جبروت الموت والقوة الغاشمة سوى الصمت والسكوت.

وسكوت الضحايا هو خطاب آخر يزعج هذه الخرافة. ليس من المطلوب  من هؤلاء الضحايا هو السكوت أمام هذا العري الفج للقوة المغتصبة، بل المطلوب هو الهتاف والفرح لهذا الجسد غير البشري الذي هو الذكر الوحيد في مملكة الخنوع والذل والسكوت المجروح.

مرة يظهر في ثياب الجنرال، واخرى في ثياب الطوباوي، وثالثة في زي المفكر الذاهل، ورابعة في ثياب الفلاح، وخامسة في زي رجل الكابوي...الخ..الخ...

هذا الظهور المتعدد الاشكال هو من طبيعة الخرافة، لأن ليس من طبيعة الخرافة الثبات في المخيلة العامة، بل التعدد والنمو والاستطالة.وهو لا يتمدد في الخيال العام تمدد البشري، بل تمدد الاسطورة. اي انه يحتل الذاكرة، والجدار، والشاشة، واللوحة، والجريدة، والحلم.يرحل صدام حسين أو لا يرحل.
يحرق الوطن أو لا يحرقه.
  يُقتل أم لا يُقتل.   لكن من المؤكد انه سيترك خلفه طبيعة مشوهة ومخلوقات تحتاج زمنا طويلا لكي تعود الى صورتها الاصلية.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خيارات صباح العربية للمشاهدة هذا الأسبوع في السينما والمنصات


.. الفنان ناصر نايف يتحدث عن جديده مع الملحن ياسر بوعلي وموعد ط




.. -أنا محظوظ-.. الفنان ناصر نايف يتحدث عن علاقته بالملحن ياسر


.. من عالم الشهرة إلى عالم الإنتاج السينمائي.. صباح العربية يلت




.. أغنية -سألوني الناس- بصوت الفنان الشاب ناصر نايف