الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفكار و الوعي نتاج للظرف المجتمعي

أحمد محمد منتصر

2016 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


انحصرت تبريرات الباحثين و المهمومين بالتغيير في مُعضلة اجتاحت أذهانهم و أصابت تفكيرهم بالشلل , و بالتالي تقلّص مفهوم التغيير في مصطلحي الوعي و الأخلاق , بينما في حقيقة الموضوع هناك ما هو أعمّ و أشمل لكافة المصطلحات وهو المجتمع , أو يمكنني القول أنه لصعوبة البحث في المجتمع ككُّل نظراً للتعددية المفرطة أصبح مفهوم الإختزال مقبول , من المقبول أن يتم تحليل مخزون الوعي و الأخلاق للأفراد و لكن ليس من المقبول هو التغاضي عن الوعي المجتمعي الذي يربط الأفراد ببعضهم البعض , الأجدي هو دراسة المجتمع ككُّل لا يتجزأ بأخلاقه و وعيه السائد .
" الشعب لا يمتلك وعي " هذه هي الإجابة التلقائية الناتجة عن تحليل سطحي لكل من يُسأل هل بتغيير ؟ " لو الجميع مُتحلّون بأخلاق سيصلح المجتمع " و هذه أيضاً إجابة كسابقتها , و الحقيقة التي يغفلها كل من يرددون هذه الإجابات أن الوعي و الأخلاق كليهما مرتبطين كنتِاج مُسببات أخري , الحاجة و العَوز و البيئة الإجتماعية و المستوي الطبقي كل هذه مُسببات كافية لإختلاف الوعي الفردي و أيضاً إختلاف الأخلاقيات من فرد لأخر .
إذا نظرنا إلي الحصيلة المستمرة عبر تاريخ التطور الإنساني و بالضرورة التطور المجتمعي , سنجد أن المجتمع بتطوره يُضفي عملية التأقلم مع أفكاره و وُعيه المُشكّل نتاج للتطور الحادث وفقاَ لظروفه , ظروف المجتمع المعيشية هي العامل الرئيسي المتحكم في تعديل و تغيير مسار أفكاره , فبنظرة للوراء حيث مجتمع المشاع و الحياة البدائية لم يعرف الإنسان الإستقرار قبل الصيد , أشبع إحتياجات الحياة الأساسية أولاً ثم بتغيير ظرف المعيشة من الصيد إلي الزراعة و وجود المياه عرِف الإنسان الإستقرار .
الآن في القرن الحادي و العشرين نحن نُقرّ بحقيقة أن الأفكار هي أفكار الطبقة السائدة , و الوعي الجماعي للمجتمع هو وعي السيادة المجتمعية وكل هذا وفق منظومة قائمة علي صراع , منظومة تُغذي المجتمع بأفكاره , متغلغلة في كل بقعة من بقاع الكوكب تفرض سيطرتها هنا و هناك من خلال ما تدعيه من - حرية – فحرية في الإنتاج لحرية في الإتجار و التداول حتي نصل إلي حرية تبجحات المنظومة و حرية إعتداءها علي أفرادها و إستغلال آدميتهم في بقاء المنظومة .
إذا أردنا أن نتحدث عن تحرر الفرد , فلا يوجد إنسان مُحرر فالشعوب هي من تحرر أنفسها , ولا تحرر للشعوب إلا من خلال نسف منظومة القتل المتبجح للإنسان و كرامته و إنسانيته , تلك المنظومة التي كانت نتاج تطور السلطوية عبر التاريخ الإنساني , فمن العبودية انبثق ذلك الجنين الملعون المُسماة بـ " الرأسمالية " , فمع التطور الصناعي و إنفتاح السوق العالمية التي أنمت بلا شك التجارة و الملاحة و المواصلات البرية , وهذا النمو أوسع بدوره الصناعة أكثر فأكثر , فبالتالي لم يعد نمط الإنتاج آنذاك - الإقطاعي – قادراً علي مواكبة التطور السريع لطبقة صاعدة – البرجوازية - فوق عرش الإقطاع , و ها نحن الآن نعيش في زمن التقدم العلمي و الصناعي و التكنولوجي المهول , نعيش في ظلال منظومة لم تبقِ علي أي رابطة بين الإنسان و الإنسان إلا المصلحة البحتة , أغرقت القدسية للورع الديني في أغراضها الأنانية المجردة من العاطفة , و حوّلت الكرامة الشخصية إلي قيمة تبادلية , و أحلّت حرية التجارة الغاشمة وحدها محل الحريات المثبتة و المكتسبة التي لا تُحصي , بكلمة أحلّت إستغلالاً مُباحًا وقحاً مباشراً محل الإستغلال المُغلّف بأوهام دينية مُسبقاً .
فمن يتحدثون الآن عن أن التغيير الحقيقي يبداً بتغيير الأفكار , كيف تتغير الأفكار في ظل منظومة ليست متحكمة فقط في قوة السلاح و المال , بل متحكمة بوسائل التربية و الإعلام و دور العبادة , بل بلغت سطوتها إلي نزع حجاب العاطفة عن العلاقات العائلية و قصرتها علي علاقات مالية بحتة , منظومة حوّلت الطبيب و رجل القانون و العالم و الكاهن إلي أجراء في خدمتها و خدمة ما ترتضيه من إطار للتعايش .
عند كل مفترق تغيير إجتماعي لنظام التعايش في المجتمع , يتحول عندها المجتمع إلي جنين ينتظر أن تُشق عليه البطن لكي يخرج إلي النور و يبدأ فترة نموه بإسقاءه كل الأفكار التي تبقيه علي قيد الحياة طالما يحيا في كنف أمه التي أنجبته , هكذا تلك المنظومة الوضيعة التي يُسقي منها كل فرد من تعاليمها و أفكارها و أخلاقها , فأخلاقها قائمة علي الإستغلال , كل فرد يُربي أنه إذا توافرت لديه الفرصة لابد أن يستغلها بدون النظر لأبعاها , علي حساب من ؟ فرد آخر يشقي مثلك ؟ لا تنظر فقط استغل ثم استغل ثم استغل , و لكن لماذا تستغل ؟
تلك المنظومة المحتكرة لكل آليات التملّك و الإنتاج في أيدي عدد من أفرادها و ممثليها في مؤسسات حكمها لم تنجح فقط في تسطير و تشكيل حياة لها قائمة علي الإمتيازات الإجتماعية علي حساب الظروف الغير عادلة التي تتوافر لباقي أفراد المجتمع , بل نجحت في إخضاع أفرادها أن يكونوا باحثين دائماً للحصول علي إمتيازات معيشية ولكن , إمتيازات هؤلاء تكون علي حساب حياة و واقع و معاناة هؤلاء , فمثلاً - أفراد البوليس – هؤلاء نحسبهم من أقذر نتاجات المنظومة و لكن إذا نظرنا للأمر سنجد أنهم أفراد تواجدوا في بيئة تخلقها تلك المنظومة بقوانين ما فارتضوا لأنفسهم أن يكونوا ذوي إمتيازات وفق ما ترتضيه المنظومة .
مثلما نجحت المنظومة في إغواء أفرادها و التحكم بحالة الوعي الجماعي و المزاج الجماهيري , أيضاً نجحت في إضفاء و إرساء ممثليها كداعمين لها عن طريق الدين و المؤسسات الدينية المختلفة , فأخضعت الدين و أحكامه و تفسيراته وفق سيرورة المنظومة , و بالتالي أصبحت فكرة الدين و قدسيته مُتخطاة علي الأقل من المنظومة ككل , فأصبح المجتمع يتقبّل ماهو مُباحاً مجتمعياً بغض النظر عن ما هو حلال أم حرام دينياً , ففي الجمهورية المصرية ذات الهوية الإسلامية المرفقة بدستورها القائم يتم تداول الخمور في التجارة و إقتصاد الدولة يُحصّل الضرائب من الخمور والخمور مُحرّمة إسلامياً , و هناك في مملكة الظلام و الرجعية – السعودية – منشأ الدين الذي أضحد العبودية ما زال الملوك و حاشيتهم يتباهون بإقتناء العبيد , فمثلما استطاعت المنظومة من تصريف منتجاتها المادية و تحويل المجتمعات إلي سوق إستهلاكية لزيادة رأس المال , استطاعت أيضاً تثوير و تسويق أفكارها
فمن الوهم الشديد إعتقاد و إرجاع التغيير المجتمعي إلي التغيير الفكري , أو تناقل الأفكار يؤدي إلي التغيير الجذري المجتمعي , فمخزون الأفكار نتيجة عن الظروف المجتمعية التي يحيا بها المجتمع , فلننظر كم من التنويرين و مُدعي التحرر الفكري و القدرة علي النقد , ماذا نالوا مع أول صدام حقيقي مع السلطة الحاكمة أو مؤسسة من دواعم الحكم , السجن أو الهروب هو المثوي الأخير , لذلك لابد أن نقف علي أرضية واحدة للصراع و إختلاف دوائر الصراعات و النزاعات القومية في مختلف بقاع الأرض يصبّ في النهاية في دائرة الصراع الطبقي , ذلك الكوكب المتناحرة حكوماته علي إحتكار الموارد الطبيعية و البشرية , شعوبٌ تنعم بالحد الأدني للرفاهية الإنسانية علي حساب شعوبٌ تعيش علي المعونات و شعوبٌ أخري لا تري حبة القمح , شعوبٌ تحيا في ظلال حكومات الإحتكار العالمي بينما شعوبٌ تطرب أذنيها صوت المدافع و الرشاشات , أغرقوا عالمنا بالحروب الأهلية و القبلية و الميلشيات الدينية المسلحة و و بذور الطائفية العفنة , أصبحت قارة بأكملها مصدر للأمراض و الأوبئة جرّاء حرمانهم من وسائل العيش , لا حل للتغيير الجذري سوي نسف هذه المنظومة التي تحيا علي أنقاض المعدومين , الخلاص الوحيد هو تقرير الشعوب لمصيرها المسلوب بواسطة حفنة من المخططين لأحلامهم و عالمهم القائم علي أشلاء القتلي جرّاء القصف أو الغرقي جرّاء الهروب .
في النهاية يُبرهن تاريخ الأفكار أن الإنتاج الفكري يتحول بتحوّل الإنتاج المادي , فالأفكار التي سادت عصراً من العصور لم تكن قط إلا أفكار الطبقة السائدة , بمعني أنه عندما يجري الحديث عن أفكار تُثوّر مجتمعاً بأسره , يُعبّر فحسب عن واقع وهو أن عناصر مجتمع جديد قد تكونت في عقر المجتمع القديم , و أن انحلال الأوضاع المعيشية القديمة يواكبه انحلال الأفكار القديمة , فلا شك أننا بحاجة في النهاية إلي نسف حقيقي و جذري لعلاقات إنتاج و ملكية متوارثة و أفكار سائدة متوارثة , فرُب ثورة تقودها فئات الغالبية المطحونة المنتظمة في طبقة سائدة تكون القطيعة الأكثر جذرية مع علاقات الملكية المتوارثة , ولا شك في أن تقطع في مجرب نموها بجذرية أشد , صلتها بالأفكار المتوارثة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط