الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفكير العقلاني في حل المشاكل

هاني عبيد

2005 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


إن المتتبع للسياسات في الدول النامية –والدول العربية من ضمنها- يلاحظ انها تفتقر الى التفكير العقلاني والتحليل المنطقي المبنيان على قواعد العلوم الحديثة، وخاصة علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة. فالسياسات والمواقف حول القضايا المعاصرة لا زالت عفوية وفردية، ويغلب عليها ردة الفعل غير العقلاني. فالسياسة يصنعها رجل واحد بدل ان تكون نتيجة لدراسات وبحوث في مؤسسات ومعاهد. ونتيجة ذلك تكون مواقفنا عبارة عن تبريرات لاحداث مضت دون التفكير في خطواتنا اللاحقة والتي قد تفرض علينا سلوكيات جديدة. فالطابع البدوي على هذه المواقف هو الغالب، والمقصود إننا نستقبح التغيير، فالرجولة تقتضي الثبات والصمود في الموقف ولو أدى ذلك الى عواقب وخيمة. أن هذا الامر يمكن تتبعه بدءا من المواقف في الامور الشخصية وامتدادا الى المواقف السياسية والاقتصادية.

إن الطابع التبريري يقود الى عمليات نفي للاحداث بشكل مستمر، ونفي الحدث يؤدي الى تضخيم المواقف والتصريحات انتظارا لردات الفعل. فإذا كان رد الفعل قويا وذا تأثير سلبي عمدنا الى استخدام سلاح النفي والانكار. ولا بد ان ندرك ان هناك فروقا جوهرية بين الثبات على المواقف الخاطئة وبين الالتزام بالتعهدات، وخاصة امام الرأي العام العالمي.

لا بد ان يعتمد السياسيون على الدراسات والبحوث قبل اطلاق تصريحاتهم ويبني مواقف حول الاحداث التي تمر بها الدول. أن التقدم الذي حصل في نظريات التفكير تقدم للسيلسيين وسائل ابداعية لتساعدهم في اتخاذ المواقف وبناء السياسات. فهي أدوات مفيدة لاي نشاط انساني، وخاصة اذا كان هذا النشاط يمس شعوبا باكملها.

والسياسة لا تعمل في فراغ، بل هي تخضع دوما الى محددات، لا بد في البداية أن نعرفها ونحددها، حتى نتمكن من استغلالها لصالحنا. ولا ينصح بالتعامل مع هذه المحددات كوحدة واحدة متكاملة، بل يحبذ أن يتم تفتيتها وتجزئتها، ومحاولة إبعاد هذه الاجزاء عن بعضها قدر المستطاع، حيث يسهل ذلك من أمر التعامل معها.

وسنحاول تطبيق نظرية عملية التفكير على أحدث مشكلة ظهرت في العالم العربي، وهي تقرير ميليس والضغوط التي تتعرض لها سورية الآن.

إن الخطوة الاولى في هذا المجال أن يتفق الجميع على ان هناك مشكلة تواجه سوريا. في هذا المجال لا ينفع التبرير والنفي للاحداث والتأكيد على تسييس الحدث واننا عرضة لمؤامرات نتيجة لمواقف سوريا حيال القضايا التي تشغل بال المنطقة، فهذه كلها ثانوية ويجب عدم اهدار الطاقات عليها. إذن نتفق أن هناك مشكلة ويزيدها حدة ان مجال المناورة قليل والمحددات كثيرة والمصادر محدودة. وهنا لا بد من تحديد الفضاء الذي علينا التحرك فيه، فاذا أخطئنا في تحديد هذا الفضاء، فلا شك ان الوقت يداهمنا ونفقد سلاحا هاما. فالفضاء لهذه القضية هو الامم المتحدة، وضمن هذا الفضاء يوجد مجلس الامن، والحلقة المؤثرة في هذا الفضاء الصغير-شئنا أم ابينا- تتكون من فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا.

وتكمن الخطوة الثانية في الحصول على اتفاق واجماع على اتجاهات لحل هذه المشكلة. فالاتفاق يكون في الفضاء السوري الداخلي والاجماع يكون في الفضاء العربي. فالاتفاق في الفضاء السوري الداخلي هو شأن سوري (لا بد ان يأخذ بعين الاعتبار سياسات الدول المحيطة والسياسات الدولية) ولا يمكن لاحد ان يعطي في هذا المجال اية توجهات أو أفكار لان أهل المدينة أدرى بشعابها. أما الاجماع في الفضاء العربي فيكون بالتناغم مع السياسات العربية ومواقف الدول المحيطة بغض النظر عن مدى تطابقها مع التوجهات للايدلوجية المعتمدة في الفضاء السوري.

ان هاتين الخطوتين تمهدان الى الاعتراف الشامل بان الحل الذي يتفق عليه في هذا المجال سيحل المشكلة بالكامل. وهنا لابد ان نبتعد عن المماطلة والتسويف والتاجيل والمراوغة، فنحن في عصر تتوالد فيه المشاكل وينتج عن كل واحدة مشاكل أضغر بسبب الترابط والتأثير المتبادل.

ان اعتماد الحل لهذه المشكلة على أرضية الاتفاق والاجماع السابق ذكرها تؤدي الى التصميم على مواجهة اية تفرعات سلبية قد تبرز هنا وهناك، أو ان تقوم اية جماعات لها اجندة معينة باستغلال الظروف التي يجب تهيئتها لاعتماد الحل.

والخطوة الاخيرة تكمن في التصميم على معالجة اية معوقات او مشاكل تعيق تطبيق الحل المتفق عليه وبذلك نكون قد استطعنا معالجة المشكلة ضمن المعطيات العالمية وانقذنا السفينة من الغرق وابعدنا القوى التي تتربص بسوريا، وهي كثر.

بعد الحصول على الاتفاق والاجماع، فان الحل يكمن في التجاوب مع الرأي العام العالمي والذي نعرف مسبقا ان الحلقة الصغيرة في مجلس الامن قد عبئته لصالحها. أن هذا التجاوب والمصاحب لشفافية مطلقة في هذا المجال ستستقطب لا محالة أجزاء من هذا الرأي العام العالمي لصالح سوريا ومحاولة التطاول الظالم عليها. ان التجاوب مع الحل والتزام بتطبيق المعايير التي يقرها مجلس الامن لا تضير سوريا بل تزيدها قوة لان ذلك يثبت انها تلتزم بالشرعية الدولية -وان بدت الآن ظالمة. ولا بد ان نتذكر دوما ان السياسة مهما وصفت بانها نظيفة وعادلة وشفافة، فهي كالثوب ان لبسته لا بد ان يعلق عليه الغبار ويتسخ مهما كنت حريصا، لذلك لا بد من تنظيفه بين الفينة والاخرى، واحيانا نضطر الى رميه وتبديله حتى نحافظ على مظهرن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا