الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم الغرباء

دينا سليم حنحن

2016 / 2 / 9
الادب والفن


عالم الغرباء

دينا سَـليم - أستراليا

دربوني هنا وفي بلاد الغرب والاغتراب، أن أحترم عطلة آخر الأسبوع، يومان كاملان قررت فيهما زيارة جزيرة الأقزام، حيث لا أحد يسأل عن مظهر الإنسان وعيوبه بل عن عمق الإنسان الحقيقي، هذا الكائن القصير جدا يغويني ويسحرني، عقله النابت داخل رأسه الكبير نسبيا مقارنة بحجم جثته المنخفضة جدا، ينبئني بأن قامتي تشيد بقامة المكان الذي رحلت عنه، لكن وللأسف الشديد، لم أستطع العودة لأنني اعتدت على الغربة، فاسمعوا حكايتي.

- ماذا جلبتِ معك من هناك؟ سألني أحد الأقزام
- حملت معي مآسي الدنيا وجئت بها لأبحث عن حلول ترضي الجميع! أجبته

- منذ أكثر من عقدين لم يقترب القمر من الأرض بهذا الشكل الرهيب، يبدو القمر اهليجي الشكل بيضويا هذه المرة، هو يحوم قريبا من الأرض، فمنذ عام 1993 لم يكن بكل هذا الوضوح، يظهر لنا جليا وجريئا لذلك نشعر جميعنا بالحزن والاغتراب! أخبرني بثقة

- هل تريد أن تقول أن اقترابه من كرتنا له علاقة بالهزات الأرضية التي اقتحمت عدة مناطق منكوبة، وهو سبب تشرذمنا وضياعنا وغياب القيم الجميلة من حياتنا؟ سألته ومضيت في طريقي.

مشيت على سطح غطي بالرماد فاتسخت قدماي، قررت أن أصنع طريقا آخر لي فتقاطعت الطرق أمامي، أنا الخارجة من قوقعة الآلام لا أهتدي إلى سطح آمن يأوي خطواتي المتوغلة في عمق الأرق، توقف عقلي عن التفكير فدرت في حلبة مفرغة والقزم يتتبع حركاتي الفارغة بفضول، لم تتفق روحي مع نظراته الحائرة، نظراته تذكرني بأن الصباح قد انتهى!

- هل أنتِ من هؤلاء؟ سألني
- من هم الذي تتحدث عنهم؟ أجبته بسؤال آخر، يصله صوتي المبحوح الذي تغيّر بسبب تبدّل المناخ.
- المنفيون من أنفسهم؟ قال

ضحكت ضحكة بلهاء هزّت أعماقه، ارتجف بطنه المنتفخ ورفلت عيناه، استطاع أن يتخلص من صوتي عندما وضعه في صندوق قديم كان يحمله، هل سيضع روحي التائهة هناك أيضا؟ سألت نفسي وأنا أصرخ مجددا، ملأت الكون صراخا ثم عدت كالمهزومين لأمتثل أمامه، ومن فوق، نظرت إليه وهو غير آبه بي، لقد استطاع أن يلملم صياحي هذا المخلوق، ابتعد فلحقت به، وعندما طلبت منه أن يعيرني حذاءه قتله الضحك مجددا، انطرح أرضا وبدأ يتلوى مثل الأفعى التي فقدت ذيلها، إنه يستهزئ بي هذا المسخ السعيد، شككت بمصدر سعادته وهو لا يملك من حيل الدنيا سوى بعض سنتمترات تمنح لقامته العرجاء استنشاق بعض الهواء، قال:
- عقلك متوقف عن الحياة!
- أغلق صندوقك وأوصد نباحي داخله إذن! قلت له بعصبية ظاهرة
- العقل لا ينشط إلا بالحب، فموعدك مع الجمال لم يحن بعد، أنت تكرهين أكثر مم تحبين لذلك تشعرين بالغربة، أحبِ، فحينها ستكونين على موعد مع الحياة! قال
- عقلي دائم التجدد ولا أملك وقتا للمحبة، لا أحد يحب أحدا الآن، الكل يدوس على الجثث ويفتخر بقوته، الحب ضعف والكره سيادة!
- لماذا أنت هنا في جزيرة الأقزام؟ سألني محاولا احراجي
- الوقت هنا يملك هوية وللمطر لغته، من هنا أستطيع تنظيم طريق العمر، قلت لنفسي ربما هناك في الأفق البعيد تتضح الأشياء وتظهر الحقيقة، لذلك أتيت!
- لذلك نزلتِ من كوكبكِ إلى آخر مكان في الكون؟
- هل هذه آخر المحطات؟ سألته متخوفة
- نعم ولم يبق سوانا من البشر هنا، هلا تشاركنا الحياة؟ هيا بنا نبني صندوق سيدنا (نوح) معا؟
- هل تنوي بناءه فعلا؟
- نعم، لأن النهاية باتت وشيكة!
- لنفعل ذلك معا إذا، سوف أساعدك فقامتي تساعدني على فعل الأشياء الصعبة!
- ومن قال لك أننا سنفعل ذلك معا، وبما أنكِ بدأتِ ومنذ بداية علاقتنا التي لن تستمر، بمعايرتني بقصر قامتي، كيف لنا العيش معا في صندوق واحد، دورة القمر الثانية ستكون سنة 2029، لن أستطيع تغيير معتقداتك السيئة خلال هذا الوقت الوجيز، من الأسهل تغيير وجهة القمر، فربما يصطلح حالنا جميعا وتعودين أنتِ من حيث أتيت... لن تأتي معي لأننا لن نتفق أبدا!
- يا لهذا الوهم الذي كسا عقل الإنسان مثل الوباء، كل يتوهم بتصليح الكون وذلك حسب معتقداته، فما يعانيه البعض من نواقص ونوازع لا تناسب أهواء الآخر، يا لهذه الأنانية، إسمع أيها القزم الواهم، هي ثلاثة حلول لا غير، أو تصبح مثلي أو أصير أنا مثلك، أو يغادر أحدنا الآخر المكان. أجبته بحزم وقسوة
- سأتركك وأذهب إذن، هذا هو الحلّ الذي يرضيني!
- إلى أين تذهب وتتركني وحيدة هنا في عالم الصغار، أقصد عالم الأقزام مثلك؟
- وتجددين الإهانة؟ لسنا صغارا يا صاحبة القامة الممشوقة، بل أقزام ونفتخر.
- لا تذهب، لا تتركني وحيدة هنا أرجوك، ثم كيف نفترق ونحن فقط الوحيدان الموجودان في الكون الآن، لنتدرب كيف يتقبل بعضنا الآخر، وربما ...
- صهِ، كفى، سأزور جزيرة العمالقة أولا، هناك أصير عملاقا وأنتِ ستصبحين بالنسبة لي قزما صغيرا، وسألتقط القمر بيدي هذه المرة رغم قصر قامتي، وسأبدل اتجاهه لكي يستقر الحال بالبشر، يجب أن أفعل شيئا لأن العاديين لا يجدون الحلول لمآسي البشرية.
- إذن ستتبدل من قزم لتصبح عملاقا، وستجد الحلّ وستبدل القمر؟ قلت له ساخرة

لم يأبه، تركني وحيدة وذهب لكي يلتقط القمر بيده، ليكن، ليفعل ما يريده، جميعهم صامتون، ينظرون إلي بصمت مخيف منذ حضوري إلى جزيرتهم، لقد تحولوا إلى صخور، يا ترى ما الذي يخططه الأقزام الآن، قدماي تؤلماني فلم أعتد على المضي حافية، ثم أحذيتهم لا تليق بمقاس قدمي، تهت في المكان ولم أستطع العودة، يا إلهي لقد تحوّلوا إلى أصنام فعلا، وصديقي تخلى عني وأخذ صندوقه معه، صندوق العجب، ولم يظهر القمر في السماء!

جميعنا غرباء، تلفنا الغربة كرداء أبدي لا يهترئ، وسنموت أغرابا مثل الغربان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصيدة الشاعر عمر غصاب راشد بعنوان - يا قومي غزة لن تركع - بص


.. هل الأدب الشعبي اليمني مهدد بسبب الحرب؟




.. الشباب الإيراني يطالب بمعالجة القضايا الاقتصادية والثقافية و


.. كاظم الساهر يفتتح حفله الغنائي بالقاهرة الجديدة بأغنية عيد ا




.. حفل خطوبة هايا كتكت بنت الفنانة أمل رزق علي أدم العربي في ف