الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة عائلية ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2016 / 2 / 10
سيرة ذاتية


صورة عائلية ..
في بيت كل واحد منّا، أي أنا وإخوتي، صورةٌ لنا الأخوة الخمسة الذكور مع والدتنا ... والغريبُ في أمر هذه الصورة ،هي "تقارب" أعمارنا جميعاً فيها ، فهي وكأنها صورةٌ تجمع صور خمسة شباب في نفس العمر .. حتى أن صورة والدتنا هي صورة لامرأة شابة..
إذن ليست هي صورة تذكارية مشتركة من لقاء عائلي حميم ، أو رحلة مشتركة ، بل هي مجموعة صور شخصية بالأبيض والأسود لكل فرد مِنّا، على حدة ، لكن ما يجمع بينها جميعاً بأنها أُلتقطت في فترة الشباب ، ما بين العشرين والثلاثين ..
بادرَ إلى "تجميعنا" سويةً مع والدتنا ، أخونا الأوسط ،وقد فعل خيراً ، فلولا هذه الصورة ، "لضاعت" ملامح أُمنا التي توفيت ولمّا تبلغ الأربعين .. وكنتُ حينها إبن خمس سنين فقط .
الغريب في الأمر ،بأن أخي الاوسط ، لم يرَ بأنه من الضروري ،ضم أخواتنا الثلاث الى هذه الصورة ..وحينما أُفكر بهذا لا أجدُ سبباً لذلك ..عِلما بأن الرابط العاطفي مع أخواتنا، قد يكون أقوى وأمتن منه في ما بيننا ..
كما ويخلو من الصورة وجه والدنا .. وقد يكون السببُ بأن أخانا الأوسط ، الذي لمّ شملنا في هذه الصورة ، قد خصص للوالد صورة منفردةٌ بالأبيض والأسود أيضاً ، لكنها من فترة شيخوخته . أو لربما لأنه أنجب ذكورا وإناثا من زوجته الثانية والتي كانت وبالاً علينا وعليه أيضاً ... وبهذا لم يعد والدنا لوحدنا ..!!
أُختنا الكُبرى ، والتي أحببناها جميعاً كأم ، كانت أُختاً من الأُم فقط ، وهي الأُخرى لم تحظَ بمكان في الصورة العائلية المشتركة ، رغم أن لها صورٌ فردية وخاصة وهي بثوب العرس ..
نظرتُ في الصورة أتأملها ، شبابٌ كان وولّى ، وخاصةً صورتي وأنا في العشرين من عمري وشعري الكث والكثيف ونظارتي الكبيرة التي تُغطي نصف وجهي ،بحيث أطلقَ عليّ الرفاق حينها لقب "انجيلا ديفيز" ،لشبهي بها أو شبهها بي . وهي مناضلة أفرو-أمريكية، كانت مشهورة في" شبابنا" الفائت ،ناضلت من أجل حقوق السود في امريكا ، وكانت تسريحتي وشعري كشعرها .
أنا الأصغر بين أخوتي من أمي ، لذا فموقعي على الصورة العائلية هو الأخير من اليسار ، والى جانبي شقيق روحي والأقربُ إلّي سِناَ، أخي الذي ذاق أشد المرارة في حياته ، ولما بدأت أموره تتحسن وخصوصاً من الناحية المادية ، توفي في حادث طرق ، وهو لم يتجاوز بعد الثلاثين ، تاركا وراءه زوجة وأربعة أطفال ،أكبرهن كانت في السادسة ... وترك في نفوسنا جرحاً غائراَ لم يندمل .. حتى الآن .
وتحتل وسط الصورة ،أمي ، التي كانت مضرب الجمال واللطف ، والي يمينها أخي الأكبر والى يسارها أخي الثاني ، ثم الأوسط (الذي لمَ شملنا جميعاَ).
حين أتمعن في الصورة ، أكتشف بأن نصف المشاركين فيها لم يعودوا بين الأحياء ، وبقي النصف فقط...!! فالصورة هي "توثيق" للفُقدان الذي عرفته من طفولتي المبكرة ولم يتوقف ..
لكن ، هل كان هدف أخي أن يقول من خلال "لم الشمل" هذا ، بأن يقول ، الأبناء الذكور هم الأبناء "الحقيقيون " لأمنا فقط ؟!! وإلّا ، لماذا لم يضم البنات؟! علماً أن هذه الصورة ذاتها ، تُزيّن بيوت أُختينا ..المتزوجتين والتين أصبحتا جدتين ، حتى أختي التي تصغرني سنا أصبحت جدة للعديد من الأحفاد !! ولماذا لم يضم والدنا ؟! أم يا تُرى، تراه كان غاضباً من والدنا الذي "تخّلى" شعوريا عنّا ، ليخلو له الجو مع زوجته الصغيرة ؟!
او لربما أراد أن يتحدى القدر الذي "حرمنا" من متعة الحصول على صورة جماعية مع والدتنا، فقرر أن يتحدى هذا القدر الأحمق ، ويجمعنا في صورة عائلية ..؟!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدائرة الأضيق
نضال الربضي ( 2016 / 2 / 11 - 09:26 )
يوما ً طيبا ً أتمناه لك يا صديقي!

بعض الأحداث توضح القناعات الداخلية للفاعل من جهة موضوع معين، فإذا ما طبقنا هذا على صورة الإخوة مع الأم، فهمنا - و ربما لا أكون على حق و أنت أدرى- أن أخاك يرى في نفسه و فيكم -الإخوة الذكور- تعويضا ً عن الوجود العاطفي و المعنوي لأبيكم، إنه بتركيز الذكورة في الصورة يقول لوالدتكم الكريمة أن غياب الوالد لا يؤثر على حقها وواجبها من الحب و العناية و الدعم.

الصورة أيضا ً احتجاج صارخ و صرخة مواجهة لكن هادئة على قوتها، مرسلة إلى الأب، و يبدو أن إظهار جميع الذكور فيها يُبرز بشكل صارخ غياب الأب و يركز عليه، إنها رسالة حب قوية للوالدة و قاسية للوالد لا هوادة فيها.

أعتقد أن غياب الأخوات هنا ليس مقصودا ً لذاته لكن كنتيجة جانبية لعدم اشتراكهم في جندر الذكورة الذي هو أداة الرسالة الموجهة للأب.

حفظتكم السعادة و أطيب أمنياتي لكم بالتوفيق و السلام و الحب!


2 - تحليل جيد
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 2 / 11 - 11:51 )
عزيزي نضال
تحياتي وشكرا على التعليق .
التحليل معمق
خالص مودتي

اخر الافلام

.. مناظرة تبادل الاتهامات بين بايدن وترامب | الأخبار


.. انقطاع الكهرباء في مصر: السيسي بين غضب الشعب وأزمة الطاقة ال




.. ثمن نهائي كأس أوروبا: ألمانيا ضد الدنمارك وامتحان سويسري صعب


.. الإيرانيون ينتخبون خلفا لرئيسهم الراحل إبراهيم رئيسي




.. موريتانيا تنتخب رئيساً جديداً من بين 7 مرشحين • فرانس 24