الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا من هنا . أنا من هناك - توصيف في الحالة السورية

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 2 / 11
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


السلام لروح درويش إذ ترك لنا صورة الإنسان المفعم بالوطنية حين أعطى لاسم الإشارة والتصاقه بالذات دلالات لم يستطع اكتسابها عبر تاريخه الكلامي المديد، منذ اختراع اللغة ، إذ قال درويش في قصيدته " رب الأيائل يا أبي " (أنا من هنا . وهنا أنا ) فبها نستطيع أن نشعر بصوت السوري الذي بقي طوال السنوات الماضية متشبثا ببيته أو مدينته أو شامه ، وهو يقول " أنا من هنا " وهنا باق . وبها نستطيع أن نشعر أيضا بصوت السوري الذي وصل إلى ألمانيا يحمل على كاهله سبعة عقود من الألفة والدم والماء والتراب ليموت على كرسيّ بارد في حديقة متجمدة قرب "الكامب" ، وهو يقول وعيناه دامعتان " أنا من هناك " ! ... الهنا والهناك بين الباقي والمهجّر هو الوطن السوري ، حيث تسقط الدمعتان . ولذلك فالتخوين الذي يجري بينهما عبثي ، وغير مبصر للفجيعة ، والانجرار خلفه هو صورة من صور بلاغة العنف التي انتجتها الكارثة السورية في الوعي الاجتماعي والقيم المرافقة .
من بقي في " الهنا " حيث الداخل السوري بكل عنفه ، لا شك في قدرته على المغامرة والصبر على الضيم وعشقه للدم والماء والتراب ، حيث لا تستطيع الكتابات المقدسة أن تضع فهما بلاغيا مقنعا للشعور بالانتماء للوطن كيانا وشخصية وتفاصيل !ولكن ذلك لا يقدم له المبرر لاتهام من خرج مهجّرا بهزالة شعوره الوطني واضطراب عشقه للدم والماء والتراب ، بغض النظر عن الذين يرون في الوطن مكانا للرزق الآمن ليس إلا ..وفي أي بقعة من الأرض . ويمكن الوصول إلى حسن الطوية تلك من خلال إجراء مقاربة بين ما وقع للأكثرية وبين مازال في حوزة البعض الآخر بالصدفة أو دون قصد .
ـ هناك فرق في وضعية من يُلاحق أمنياً ومن لم يضع نفسه تحت الملاحقة الأمنية ، أو من هو محمي أمنيا، ولا نقصد هنا غير التوصيف بعيدا عن العثور على العثرات.
ـ وهناك مسافة بين من فُصل من عمله ومن مازال باق في موقعه.
ـ وهناك خراب عند من دُمّر بيته الوحيد ، وهناك وجع وخوف وترقّب عند من مازال بيته قائما على عظامه ولكنه يأويه .
ـ وهناك فرق بين من آمن بالقضاء والقدر ، سلطةً فوقية ، ومن آمن بقدرة الإنسان ودوره في نحت القضاء والقدر وتشكيل جمالية خاصة من حجارته .
نعم هناك فرق ، ولكن تلك الفروق لا تلغي وطنية من خرج ولا تعطي عقود ملكية مطلقة للوطن لأحد.
ومن رحل من " الهنا " وأضحى " هناك " في الجغرافية الكونية تحت ضغط الفروقات المذكورة يمكن التوضيح قليلا لسيد العنف في الأرض السورية :
ـ العيش في الوطن هو أمن وسلام ليس من منظور الاستسلام لك ، ولكن من منظوري أنا ، الذي لا أملك عقود ملكية موقعة لجباله وسهوله وسمائه وبحوره ، ومن منظوري انا الذي أباح لي الله في شرائعه الماء والهواء والطعام بكل ما توحي تلك العبارة من فضاء مفتوح على المدى الملتصق بالحرية .
ثم إن العيش في الوطن، يا سيد العنف أو سادة العنف ، هو البحث عن النرجس البري بعد مطرة ربيعية أنت لا تعرفها، أو الاستلقاء في المدى المفتوح على الظهر لتكبر السماء في العينين حتى يضمحل الشعور بالكثافة وتتم العودة إلى الطبيعة الإنسانية .
ـ العيش في الوطن يا سيد العنف هو الله في هدوئه وسماحته بعيدا عن آلهة الغضب والعواصف وصور القباحة ودمويتها ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدر عريش الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي في تصر


.. عبد الحميد أمين ناشط سياسي و نقابي بنقابة الاتحاد المغربي لل




.. ما حقيقة فيديو صراخ روبرت دي نيرو في وجه متظاهرين داعمين للف


.. فيديو يظهر الشرطة الأمريكية تطلق الرصاص المطاطي على المتظاهر




.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي