الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سمكة في الدرس

غياث منهل

2016 / 2 / 11
الادب والفن


كنت في محاضرة ما، محاضرة عن الكتابة الابداعية او شيء من هذا الهراء، يحاصرني الضجر من اسهابات المدرس ونكاته السمجة، رحت اقلب صفحات الفيسبوك، بينما يناقشه بقية الطلبة ويتضاحكون مجاملة له، لا جديد في "الفيس" هو الاخر، حاولت العودة للمحاضرة والتركيز قليلا لاصطياد كم المعلومات القليل جدا الذي قد يضعه المدرس بين نكاته وقصصه الشخصية عن نفسه وعن تاريخه العائلي، "الخبرة هي الاهم،" لقفت هذه من بين الكثير، دونتها وكانني اكتشفت كنزا، ثم سخرت من نفسي لانني سجلت جملة بهذه البدهية، ما الجديد في هذا؟رحت اشخبط على دفتري الاصفر، ارسم اشكال عشوائية، اخذت اسلي نفسي بان ماافعله اهم كثيرا من التركيز على الدرس، حدثت نفسي انّ باحثا احمق مثلي، سينقب هذه الدفاتر يوما ما ليكتشف رابطا سايكولوجيا ما بين السلالم التي استمر برسمها مشوهة على صفحات دفاتر محاضراتي، وبين ايديولوجيا ما كنت على وشك ان اتمسك بها، او ان اسقط منها، ربما هو عصاب "درنفيسي" ما كنت قد مررت به في مرحلة ما من مراحل حياتي التي لا تستحق ان يبذل عليها وقته التافه، تذكرت ماثيو البارحة، قرأت منشورا له على الفيسبوك، "انا لا اهتم بمشاهدة مباراة نهائي كرة القدم الامريكية، ساكتفي بالتحديق الى قدمي او شيء ما"، ربما على باحثنا الفذ ان يتأمل قدميه بدل ان "يمسلت" عن حياة لا يعرف عنها شيءا، فكرت ان ارمي له طعما بين شخابيط رسمتي الصغيرة، اقحمت عليها جزءا من سمكة، او ما تصورت انه ممكن ان يكون سمكة، قد يسخر مني ويرمي الدفاتر جانبا لوكان له الحد الادنى من العقل، لكنه احمق، اراهنكم على ذلك، هههه سوف يستمر، اعرف هذا النوع. استمرئت حديثي مع نفسي، افضل من الدرس اللعين على الاقل. اهتز جيب البنطلون، ماثيو يتصل بك، ارسلت له رسالة:
انا في وسط درس ماثيو، لا استطيع اجابتك الان، مالامر؟ استرسل وكانه لم يقرأ رسالتي،
-فكرت بان نتبادل الشاي اذا لم يكن لديك مانع، لااريد التطفل،
-كلا ابدا، لكنني لست في البيت.
-ماذا؟ لكنني اسمع صوتك في شقتك، انا متاكد من هذا!
-لا بد انك تتخيل صديقي.
-انا لا اؤمن بالاشباح ولكن من الواضح انهم يقومون بضجة كبيرة في شقتك.
-هههههه، تمزح بالتاكيد، ليسوا اشباح، هذا فقط نسختي الشبحية، طيفي.
-طيب، تبا لصاحبك هذا اذا لم يرد تناول الشاي معي،
-لا ادري، تحدث معه، انا مشغول كما ترى.
-لا عليك سوف اتاكد من الضجة بنفسي، لاادري مالذي تتركه لهم عادة لكن شقتك تكون مزدحمة بالاصوات عند غيابك، ليست المرة الاولى، وانا لست مهووسا بالخرافات صديقي، صدقني، لكن لا تخف، ساعالج الامر، ربما هي الريح، ربما لديك منفذ ما للهواء، انهم جماعة الصيانة، دائما ما يتركون خللا ما، عليك ان تحدثهم فيما بعد، استرسل ماثيو.
-حسنا، لا اعتقد ان هناك ثقب او منفذ للهواء في شقتي، هي دافئة جدا طول الوقت،
-فمن اين ياتي الصوت، انا لست مجنون اذا كان هذا ما تقصد.
-كلا صديقي لم اقل هذا، لست مجنونا، لم اقصد ذلك، كل ما في الامر هو تخيلات او، صوت الريح، او،...ربما شربت كثيرا البارحه و..
-انت تعلم انني اتضايق عندما تتحدث هكذا، فانا لا اشرب اكثر من الاعتيادي، انا لست..
-لم اقصد الاساءة مات، امزح فقط
-حسنا ولكنني استاء
-طيب، لن اكرر الحديث عن ذلك، انا اسف،
-لا عليك، مررت من الاختبار
-ماذا؟
-كنت اختبر معرفتك لكلمة "اتضايق" كنت اظن انكليزيتك سيئة،
-ليس الى هذا الحد، حسنا مازلت اتعلم، لقد قمت بالبحث عنها في النت ههههه
لم يهتم ماثيو بانني مشغول، وانني اتاخر طويلا قبل ان اجيبه، استرسل فقط..
- اسمع، سوف اتاكد من شباك شقتك بنفسي، لا عليك سوف اتولى امر هؤلاء السفلة لدي نصف طابوقة سحرية، او هي كفيلة بمعالجة السحر، سوف اريكها فيما بعد، يجب ان تراها، هي من امي او من عائلتنا على اي حال، سوف اقف بباب شقتك وانتظر خروج هذا الحقير، سوف اضربه على راسه. حسنا ربما لا احتاج ان اضربه، يكفي ان احمل الحجر لينهزم او ينهار او اي من ذلك، المهم، لا تخف على شقتك ياصديقي، انا موجود لك، ساتولى الامر......انظر لقد تاكدت للتو من شباك شقتك، لا مشكلة، ربما هي الريح،، لم ارى شيءا.
كنت اضحك مما يقوله ماثيو، اضحك بدون ان احتقر ما يقوله، اردت ان اقنع نفسي. هلوساته منطقية اكثر من هراءنا هنا، حدثت نفسي. تذكرت شقتي الفارغة، تصورت نفسي ادخلها وانا لست موجودا، اردت ان انظر كيف يكون الحال تماما، هل ترقص الكراسي مع ابواب الخزانات، هل تخرج شخصيات الروايات والقصص من خزانة الكتب لتغير ديكور الشقة الصغيرة المزعج، مالذي يحدث للسرير الذي اجده بذات "الخربطة" كما تركته تماما، لا بد انهم دقيقون جدا في اعادة الامور الى وضعها السابق، تذكرت ما يحدث في فلم ليلة في المتحف، اعجبتني الفكرة، تذكرت ان هناك اشياء مختلفا احيانا، ليست الامور كما اتركها تماما، اين يختفي الريموت كونترول مثلا؟ حنفية الماء التي انساها كل مرة، او اجدها مفتوحة معتقدا اني نسيتها هكذا؟ تسائلت، ربما هم الجماعة، ضحكت من نفسي، ومن ماثيو، التقت عيناي بعيني الاستاذ الذي كان فرحا لانه وجد من يضحك لنكتته الاخيرة، بعدما سئم الاخرون من بقية نكاته. "الخبرة هي ما ينقصكم،" قالها بتاكيد. هز الجميع رؤووسهم، فعلت مثلهم، ثم عدت الى اوراقي. لم اجد السمكة على دفتر ملاحظاتي.
-ماثيوو، هل رايت سمكتي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة