الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لم اكن هنا

محمد الذهبي

2016 / 2 / 12
الادب والفن


لم اكن هنا
محمد الذهبي
كان يحدث نفسه، لم اكن هنا، كنت غائبا عن الوعي، لم اشعر تجاهها بشيء وهي تتطلع الى حبيبها الاول، لانني بصراحة لم اكن هنا، آلاف النظرات التي كانت تعبر عبر اصابعي وتلتقي هناك في زاوية هو يتخذها، كراسي عديدة صفت بشكل متوازن، وكان يغير مكانه بين حين وآخر، لم انظر بعيدا للامر، كنت احبها قليلا، وربما جاءت اثر ازمة مررت بها، انا الثاني، مهما كانت شرعية حبي لها، وطوال هذه الفترة لم اكن هنا، كنت في عالم آخر، عالم خلقته لنفسي واطرته بأطر كثيرة، اتجه الى الدين ابحث عن الاطمئنان، ثم اجد الاطمئنان في كأس الخمرة، ومرات كثيرة اجد الخلاص بالكتابة، دائما تحضر امامي حكاية الرجل الذي كان يستغل موسم الزيارات للاولياء الصالحين، وهناك يبحث عن مبتغاه من النساء، في زحام معين، بين القبور، المهم يجد مايريد، وكنت اطلق عليه في انه يبحث عن الشيء في غير مكانه، لكنه طالما وجده هناك، المراسيم كثيرة والمناسبات الدينية عديدة، والموتى ايضا يستعجلون الرحيل وهي فرصة طيبة للقاء، هذه ليست الحقيقة، ولكنه يفكر هكذا.
من يستطع ان يمنعني من التفكير بهذا الشكل، لا احد يستطيع ذلك مهما اوتي من حكمة ورزانة وعقل، هكذا كان يقول، استهلك نفسه وفشل في كل شيء، والسبب هو ذات السبب، سانتظر هناك بعيدا وارى الموقف، لماذا تقفين وراء الستارة كاللصة، فكانت تجيب باجوبة متعددة، وغير مقنعة، فيما يتنقل هو في مناسبة حزينة ومؤلمة بين عدة مقاعد، ليرى المقعد المريح الذي يستطيع من خلاله رؤيتها، يحجز الطريق بينهما، ولايستطيع ان يفعل اكثر من هذا، ويردد لم اكن هنا، في مرة رآها تتطلع اليه، وكان هو يقف بجانبه، فقال لها: علام كنت تنظرين، انا كنت واقفا، هل رأيتني، فقالت لا لم ارك، فكرر بعصبية وسخرية: انا لم اكن هنا، كانت من الوقاحة حتى انها تكرر الكذبة كل مرة، تكذب وتكذب وتكذب.
كان يقول ان الكذب صفة الاحياء جميعا، لا استطيع ان استثني احدا، الجميع يكذب، والجميع يعرف ان الجميع يكذب، ليتها تكذب فحسب، انها تكذب وتريد من الآخرين تصديقها، اصرار عجيب، لم اعهده لدى احد، فبمجرد ان ينكشف الكاذب يخجل ويتلعثم، هكذا يقول علماء النفس، والكاذب دوما يكشف نفسه، بمجرد ان تستذكر كذبته في زمن آخر، فترى انه قد نساها، ونسي الحادثة باجمعها، البعض يقسم الكذب الى ابيض واسود، وفي الحقيقة ان الكذب حل مؤقت يلجأ اليه الكاذب ليتخلص من مأزق معين، وهو طريقة للدفاع عن النفس، الطلبة في المدارس جميعهم يكذبون، اهلهم يكذبون امامهم، ويعتقدون ان الكذب هو سلاح يستخدمه الانسان لينقذ نفسه، الزوج يكذب على الزوجة، والزوجة تكذب على الزوج، والابن يكذب على ذويه، والطفل يكذب ليجلب الانتباه اليه، والسياسيون يكذبون، والموظف يكذب على رئيسه في العمل، وهكذا، دوامة كبيرة من الاكاذيب، حتى بعض الاحيان رواة يكذبون ، ومؤرخون يكذبون، وربما وصل الامر الى الاكبر والاكبر، حتى ان الكذب صار منهجا.
انا ايضا اكذب وانت تكذب، نحن نرتدي ثيابا من الكذب، تستخدمها عندما تضيق الدوائر علينا، كان من المفترض ان يرتبط بها، او هكذا فهم الامر، لكنه حسبها بدقة، ورأى ان تعاسة كبيرة تنتظره، فجاء الى والده وترجاه ان يلغي مشروع الزواج من ليلى، وسأله الوالد عن السبب ، فقال: انها لاتعرف ماتريد وهي حائرة في امرها، ربما ابن عمها اقرب اليها مني، وهي ترتبط معه بقصة حب قديمة، وماذا اقول لاهلها؟، صارحهم بالحقيقة خير من ان اكون انا كبش الفداء، ضحك من نفسه كثيرا، وهو يردد : لو كنت هنا لاتخذت مثل هذا القرار منذ زمان طويل، لكنني لم اكن هنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | المخرجة ليليان بستاني: دور جيد قد ينقلني إلى أ


.. صانع المحتوى التقني أحمد النشيط يتحدث عن الجزء الجديد من فيل




.. بدعم من هيئة الترفية وموسم الرياض.. قريبا فيلم سعودي كبير


.. المخرج السعودي محمد الملا يتحدث لصباح العربية عن الفيلم الجد




.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي