الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوهابية تأكل نفسها من جديد: التحالف الدولي في مواجهة داعش الليبية

محمد محسن عامر

2016 / 2 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


بعد صلاة الفجر في غرّة محرم سنة 1400 الموافق ليوم 20 نوفمبر 1979 اجتاحت مجموعة تعدّ 200 مسلح الحرم المكي بقيادة جهيمان العتيبي معلنة ظهور المهدي المنتظر محمد بن عبد الله القحطاني الذي بايعته و أجبرت جموع المصلين الموجودين على مبايعته معلنة عن بداية عهد المهدي الذي سيحارب الجور و يملأ الأرض عدلا . هذا الحدث بدلالاته الامنية و السياسية و الأيديولوجية العميقة نزل على الصاعقة على العائلة السعودية الحاكمة التي تتأسس أيديولوجيا سيطرتها و حكمها على نفس المنطلقات المحتواة من الإسلام السني . بالتالي أصبح التعاطي الأمني الذي فشل امام مقتحمي الحرم المكي بداية سجال ووساوس بدأت تدخل الجيش السعودي حول شرعية هذا الإدعاء و أحست العائلة الحاكمة الخطر فكان الإستعانة بالقوات الخاصة الفرنسية و تم انتهاء الحصار بتحرير الحرم و اعدام من نجى من الإقتحام بما فيهم جهيمان العتيبي قائد العملية .
هذا الحدث عميق الدلالة أكد لدى العائلة الحاكمة و حاشيتها التي تمنحها الشرعية الدينية المؤسسة على الأيديولوجيا الوهابية أنها في مواجهة خطر شقيق لها بالولادة , أي ينطلق من نفس المعطيات و القواعد الفكرية و الدينية التي تبرر حكمهم الديني و تمنحهم الشرعية السياسية , و لكنه رغم الأخوة الأيديولوجية فهو أخ عاق أرعن يتجاوزهم ليدخل جوفهم الشرعي ليفجره . و لعل هذا الخطر سريعا ما تم استيعابه بعد أقل من شهر من احتلال الهرم مع الإجتياح السفياتي لأفغانستان في 25 ديسمبر 1979 عن طريق فتح باب ما سمي الجهاد و تدريب و تسليح و إرسال المقاتلين العرب نحو الحرب الدائرة في أفغانسان بالتالي خلق تنفيس في حجم التطرف السني الصاعد في السعودية و مصر مع انتصار الثورة الإيرانية نحو أعماق أسيا و بالتالي تجاوز هذا الغول المتوحش الخارج من أحشاء الجسد الوهابي .
كانت أفغانستان المطبخ الأول إنجاز التعبير أو المخبر الذي تم فيه استنساخ نسخة سنية متطرفة كانت لقاءا أيديولوجي و تنظيمي بين فكر الحاكمية الإخواني و الولائية الوهابية . هكذا كانت السنوات التسع من القتال في جبال أفغانستان مرحلة تكوين لجنين إرهابي جديد تنصهر فيه كل عناصر الشيطانية الدينية العنيفة و تكتسب فيه عناصرها القدرة و الخبرة القتالية و العملياتية من أجل توجيهها لاحقا كما حدث نحو القلب العربي سوريا و العراق و المغرب العربي.
مع بداية فجر الإنتفاضات العربية التي اجتاحت تونس و ليبيا و مصر حتى سوريا , و بعد مرحلة ارتباك عانتها تنظيم القاعدة تجاه الربيع الجديد الذي نزع عنها شرعية مجابهة الأنظمة “الكافرة” أمام الجماهير الهادرة المطالبة بالديموقراطية لا تطبيق الشريعة , دخلت القاعدة ذاتها مخاضها الدموي الداخلي بين خطها التقليدي الذي ساير الربيع العربي و هادن الإخوان المسلمين في مصر و تراجع عن العديد من مقولاته التي حولت العالم العربي إلى أرض دعوة لا جهاد . هذا المخاض الذي بدأ في العراق على يد المقاتلين العرب أنفسهم الذين تدربوا في معسكرات هيرات الأفغانية و نجوا من الأمريكان و الصحوات العراقية تضخّم حتى فاق تنظيم القاعدة و دفعه في المستنقع السوري أن يحسم الأمر و يطلّ من قمقمه بالعودة من جديد إلى الخط الأممي خطّ أسامة بن لادن .
لم تكن السعودية بمنئى عما يتشكّل في الرقة فالتمويل و التسليح و التدريب كان من نصيبها و قطر و تركيا التي ساعدت هذا الرضيع الحبو في قرى و مدن سوريا حتى الوقوف و السريان كالنار داخل العمق السوري و العراقي . بالتالي كانت السعودية من جديد في صدارة توجيه هذا التوحش السني الجديد من أـجل دفع الإنتفاضة السورية نحو أن تدخل في جو الإقتتال الطائفي و بالتالي تقوم بابتلاع هذا النسيب الديمقراطي المار على المشرق بحريق طائفي قادم من جهنم التطرف السني .
في ضوء التطاحن العنيف بين الفاعلين الدوليين في سوريا و تحول الإنتفاض الديمقراطي إلى ساحة صراع دولي شرس من اجل اقتسام النفوذ بين امريكا و روسيا و إيران التي حوّلت الأسد و نظامه الذي أحسن إدارة الأزمة بشكل كبير إلى ورقة رابحة في يد الإيرانيين و الروس . هكذا تراجع الفعل السياسي المنتفض في سوريا لصالح حسابات الفاعليين الدوليين الكبار و تنظيم الدولة الإسلامية الذي على ما يبدو توسّع أكثر مم سمح له و الأهم أنه أصبح ورقة خاسرة طحنت مطامح الامريكان و السعوديين و من ورائهم القطريون و الأتراك تحت دبابات الجيش السوري في سماء مزدحة بطائرات السوخوي و الأف 16 .
لعل حالة التململ من دعش وصلت أقصاها مع أحداث شارلي إبدو و هجمات باريس التي دقت ناقوس الخطر للغرب بما لم يجعل من شك ان داعش أصبحت خطرا حقيقيا لأوروبا وجب التصدي له و تصفيته إن أمكن أو توجيهه إلى بؤر أخرى بما يسمح لاستيعابه من جديد في لعبة أخرى بدأت تظهر من أسيا من جديد خلف جبال أفغانستان . بالتالي انساق الفرنسيون و الألمان و الامريكان مجبورين امام الصلف الروسي الذي بدأ يدك العمق السوري و معاقل داعش إلى اخذ زمام المبادرة من جديد و التوجه إلى جعل هذه السنة سنة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في معاقله الثلاث العراق و سوريا و ليبيا.
يبدو أن هذا العام هو عام القضاء على داعش بالنسبة للإدارة الأمريكية و التحالف الدولي ضدها المكون من 66 دولة . هذا التحالف الذي عجز من تكوينه على الحد من سطوة داعش في العراق و سوريا حتى قدوم المدد الروسي القادم من السماء الذي أخذ في رج التنظيم و تحقيق انتصارات ملموسة جعلت هيمنته تنحصر أعرب على قلقه من الوضع الليبي الذي تسيطر فيه داعش على مدينة درنة على ساحل البحر المتوسط و التي تسعى إلى التمدد في الوقت الذي يبدو فيه ظهور الحكومة الإئتلافية الليبية الجديدة امرا بعيدا نسبيا على الأقل هذه الفترة .
مهمة تقطيع أوصال “دولة دعاش” لا تبدو مهمة سهلة لا لاعتباري عسكري بحت و لكنه لاعتبارات استراتيجية أساسها ماذا سيؤول له كم هذا التطرف الشيطاني الذي يجتاح المشرق و المغرب و الذي يهدد المغرب الذي فشل الإخوان المسلمون على احتوائه داخل “السحنة” المليئة بالإعتدال و الليبيرالية. هنا يعود السعوديون من أجل تحمل المسؤولية باعتبار العمومة الأيديولوجية مع التطرف الإسلامي لمواجهة تصريف مجاري التطرف الإسلامي من جديد . على ما بدا أن الخيار الأسلم للأمريكين و السعوديين هو خلق حالة شحن قصوى تشبه ما حدث في حرب الخليج الأولى و لكن هذه المرة يتوقف بندر بن سلطان من الإختباء وراء الجيش العراقي ليتحول إلى صدام حسين جديد في مواجهة ما كان يسمى إبان حكم البعث “بالمد الصفوي الفارسي” . قد يكون إعدام نمر النمر و صليات الهجوم الإعلامي و التصريحات العنيفة بين السعودية و إيران قد تكون بداية تسخين لما هو أكبر من خلال تقسيم إستراتيجي للمنطقة قائم على أساس تدافع طائفي سني شيعي تكون إيران و السعودية المتناطحين فيه و قد يكون سلاح التطرف الديني الذي سينجو من محاولة تدمير داعش لاعبا لا يستهان به في منطقة خوزستان أو عربستان السنية .
التحالف الدولي الذي يستعد للإطلال برأسه في ليبيا هذه المرة و الذي يتوجس منه الجزائريون و يحس تجاهه النظام التونسي بالحرج سيقوم بتفجير اللغم الداعشي و استئصاله بطريقة أقل صعوبة مما يحدث في العراق و سوريا . و على ما يبدو أن حلف شمال الأطلسي الذي دك ليبيا إبان حكم معمر القذافي وجد نفسه مجبرا على تحريك الحطام الليبي من جديد بعد أن تغاضى على كون ليبيا مرفأ نقل المتوحشين لبوئر التوحش في سوريا و العراق. و على ما يبدو أن العالم العربي الذي تتقاذفه أمواج المصالح الدولية المتضاربة سيظل مثل سفينة مكسورة الشراع بلا وجهة و لا مخرج . و الأهم من كل ذلك أن الوهابية السعودية مدعوة من جديدة لحفلة طعام دموي تأكل فيه شيئا من ذاتها الوهابية التي تورمت كسرطان لتنتج داعش لتعود من جديد إلى دفة توجيه التطرف السني الممؤسس بما يخدم الفاعلين الدوليين الكبار .
* كاتب من تونس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟