الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسة، التديّن والرومنسية- ج1

نورالدين هميسي

2016 / 2 / 12
الصحافة والاعلام


"الأسواق هي التي تبعث الحياة في المؤسسات، وليس العكس.."
برنار ميتر.

يبدو إدراج مهارات العلاقات العامة في خانة العلوم السياسية وإدارة الأعمال أقرب للمنطق من إدراجها في حقل الإعلام، فعمل رجل العلاقات العامة لا يكاد يشبه في شيء عمل الصحفي إذا استثنينا بعض الحالات مثل الخفقان the spin. ما وصلت إليه مهارات العلاقات العامة بوصفها براكسيس يصعب تنظيره إلا إذا لجأنا إلى بعض خلفيات علم نفس الحروب، ما وصلت إليه هذه المهارات جدير بالتمعن، فثمة الكثير ممّا لا نعرفه عن هذا النشاط.
تعوّد أغلب من يتحدثون عن العلاقات العامة في المنطقة العربية، كباحثين أو كممارسين، على اجترار نفس المبادئ والمفاهيم المشبعة بأبعاد أخلاقية قد يكون من الضروري إعادة مراجعتها، فالعلاقات العامة لم تعد تبحث عن التفاهم والثقة والتقبل فقط، بل أصبحت تسبح في فضاء الدعاية والنصب والاحتيال، لذلك قلنا بأن إدراجها الصحيح يكون في خانة إدارة الأعمال أو السياسة بوصفهما نشاطان متجردان تماما من أي مرجعية أخلاقية.
هكذا يمكن فهم نشاط العلاقات العامة على نحو أفضل، فالمفاهيم الكلاسيكية تبدو غريبة حتى عن السياق الذي أنتجها، سياق ميزته حروب اقتصادية وسياسية طاحنة مليئة بالفضائح والدسائس، ومعارك شرسة بين المؤسسات وأرباب المال الكبار في أمريكا، ثم فجأة يظهر نشاط غريب في هذه الدربكة ويدعي بأنه يسعى لتحقيق التفاهم والثقة، ولكن هذا النشاط سرعان ما يعلن صراحة بأن التفاهم والثقة هما رأس مال إضافي للمؤسسة، وبأن عائدهما بالنسبة للمشروع إستراتيجي وسيظهر في المدى البعيد.
عودتنا تقاليد إدارة الأعمال والسياسة كنشاطين متجردين من الأخلاق على أن الفعل غائي téléologique، وبأن الغايات قد تتعارض مع القيم، وهو نفس القانون الذي احترمته ممارسة العلاقات العامة، فحتى عندما تدعي المؤسسة بأنها طيبة وتسعى للمودة والمساعدة والتقرّب، فهي تفعل ذلك لتحقيق غاية دفينة، وهنا يقع التعارض مع الأنساق القيمية الكبرى: الدين في المقام الأول، والحب في مقام ثان. العلاقات العامة ترسم صورتين للمؤسسة: إمّا رجل متدين، وإما عاشق ولهان.
يمكن أن نفهم التعارض مع الدين من خلال ممارسة العمل الخيري. أصبحت المؤسسات تلجأ إلى العمل الخيري لتقوّم صورتها السوداء التي أفرزتها الليبرالية المتوحشة، فتعظيم الربح ليس مسألة أخلاقية البتة، ولو تطلب الأمر في سبيل ذلك الغش والاحتيال والنصب والكثير من التصرفات اللاأخلاقية التي يحفل بها تاريخ الاقتصاد الجزئي والكلي. هكذا أصبحت الكثير من المؤسسات تتباهى بأعمالها الخيرية فقط لتبعد عن نفسها شبهات الانحراف. المشكلة أن أكثر المؤسسات نشاطا في مجال العلاقات العامة هي أكثرها عرضة للانحراف، وبالتالي فإن مجاهرتها بالعمل الخيري هي في ميزان الدين أقرب للنفاق والرياء.
هناك اعتراف ضمني بفشل الخطابات الأخلاقية التي غزت علم إدارة الأعمال، إن كان هذا علما أصلا، وهذه الخطابات أغلبها يتحدث بلغة المستقبل القادم وصيغة الوجوب عن سلوكات أخلاقية قد يكون ضروريا للمؤسسات انتهاجها من أجل الحفاظ على فرصها في الاستمرار. من هذه الخطابات نموذج أصحاب المصالح، وهو عبارة عن تصور يرى بأن المؤسسة يجب أن تتعلم كيف تتقاسم المصلحة مع بقية الأطراف التي ترتبط بنشاطها كي لا تقع في مطب الكراهية والابتذال تماما مثلما تحذرنا الديانات عن ممارسات الجشع والنهب والسرقة والتفقير... إلخ
أما مسألة التعارض مع الحب فهي أكثر تعقيدا. الحب علاقة تضحية بالأساس، يحاول فيها كل طرف أن يتنازل قدر الإمكان إرضاء للطرف الآخر، وبشيء من الرومنسية فإن الحب هو نفي للذات وإيثار للآخر وتقديس له un altruisme. لكن هل بإمكان المؤسسة أن تكون محبة مثلما يدّعي نشاط العلاقات العامة؟ وهل الحديث عن وفاء الزبون la loyauté يوجد ما يكافئه عن وفاء المؤسسة. على كل حال المسألة معقدة جدا وتمس جوهر مفهوم المؤسسة.. للحديث بقية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن مصمم على التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسر


.. شبح الحرب يخيم على جبهة لبنان| #الظهيرة




.. ماهي وضعية النوم الخاصة بك؟| #الصباح


.. غارات إسرائيلية تستهدف كفركلا وميس الجبل جنوب لبنان| #الظهير




.. إسرائيل منعت أكثر من 225 ألف عامل فلسطيني من الوصول لأماكن ع