الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التصفيق بين الطقس الاحتفالي والممارسة القهرية

الهيموت عبدالسلام

2016 / 2 / 12
دراسات وابحاث قانونية


التصفيق عند القدماء
التصفيق ظاهرة موغلة في القدم،ارتبطت بالطقوس الاحتفالية كالعبادة والفرح والغناء والرقص والمسرح ،وتقاسم لحظات الفوران العاطفي واندغاغ المشاعر

وكذلك التماهي مع الديكتاتور ،التصفيق في عصرنا نوع من التصويت والاستفتاء والتبعية الكلية للحاكم، التصفيق يشبه الركوع و الانحناء وتقديم القرابين والتبرك

والتزلف خوفا من البطش أو طمعا في الانتفاع والحظوة والجاه والسلطة .

تحفظ الأبحاث الأركيولوجية والأثرية أن التصفيق عند المصريين رافق طقوس الغناء والرقص وعند اليونان ارتبط كذلك بالغناء والمسرح ،بل إن اليونانيين عرفوا فئة

المصفِقين بأجر مالي لاستجلاب الجمهور لهذه المسرحية أو تلك ، المجوس كانوا يصفقون للنار أثناء ركوعهم، كما ظل التصفيق مرافقاً لجلسات وحلقات الذكر لدى الدراويش والمتصوفة.

مع الشعوب القديمة إذن بقي التصفيق فيها مقترنا بالطقوس الدينية الاحتفالية و أنها مارست هذه الطقوس داخل الكنائس والمعابد.

العرب قبل الإسلام مارسوا التصفيق كطقس شعائري أمام الحرم المكي وثقيف ونجران وغطفان وأمام معبوداتهم الوثنية ،وبمجيء الرسول محمد سيمارس القرشيون التصفيق للتشويش وإحداث الضجيج

حتى لا يستطيع الرسول إيصال دعوته الدينية إلى عموم الناس .

عرف التصفيق انتشارا واسعا داخل قصور السلاطين والخلفاء والولاة، إذ اتخذ مدلول القوة والبطش والسلطة المطلقة والإيحاءات السحرية،فحين يصفق

السلطان أو الملك أو الخليفة فالحاضرون يتوقعون أن تتبع هذه التصفيقة موائد فاخرة من المأكولات والمشروبات أو قد يعقب تصفيق الملك ظهور

مغنية تسحر الألباب وتدوخ العقول بسحر جمالها وغنج حركاتها وتموج جسمها ،وقد يعقب التصفيق سيف حاد لقطع رؤوس أينعت وقد حان وقت قطافها .


التصفيق السياسي
إذا كان التصفيق في القدم ممارسة تعبدية احتفالية يندغم فيها الفرح بالتعبد والجبروت بالسحر والجسد بالروح، وإذا كان في العصر الحالي يدل على الفرح

والاستحسان والتشجيع والانفعال الإيجابي ونوعا من أنواع التطهير فإنه في المجال السياسي سيتحول التصفيق إلى ممارسة قهرية كعربون على التأييد لسياسة الحاكم ولسيطرته ونفوذه .

ليس غريبا أن يتخذ التصفيق مؤشرا لقياس ديمقراطية المجتمعات وتقدمها حيث أنه يخِفﱠ-;- التصفيق في الدول الديمقراطية ويزداد صخبا وجلجلة في الأنظمة الديكتاتورية، التصفيق إذن ممارسة استسلامية خنوعة

يعربن بها المواطن المقهور في هذه المجتمعات عن استسلامه الكلي وتفويض كل أموره و عن رهن مصيره للحاكم ، إن التصفيق ممارسة قهرية ينسحق فيها الفرد ويبخس فيها نفسه ويعمق ضآلته ودونيته وعجزه

عن الفعل والمبادرة أمام جبروت الحاكم وسلطته المطلقة.

إن التصفيق في الأنظمة الديمقراطية قد انزاح عن وظيفته الأصلية المؤيدة والتثمينية وتحول إلى ممارسة استهجانية وتحقيرية ،حيث يمارَس بشكل بطيء ومتراخ وساخر وبدون صوت كنوع من الاستخفاف كما حصل على سبيل

الحصر مع الخطابات السياسية التي كان يدعو فيها توني بلير رئيس وزراء انجلترا سابقا للتدخل في العراق.

التصفيق الصاخب والمتهافت والمجلجل كالذي يمارسه مسؤولو كوريا الشمالية ليس حبا في الرئيس جيم كونغ ولكن سعيا لسلامتهم واتقاء لغضباته وخوفا من بطش أو إعدام ،التصفيق الحار يمارسه مسؤولو الشعب الكوري تجنبا للاعتقال

بتهمة قلة التصفيق والتي كان من ضحاياها زوج عمته الذي أعدم لمجرد عدم تصفيقه الحار ولعدم نهوضه السريع من كرسيه أثناء دخول الرئيس إلى البرلمان، ناهيك عن اعتقاله لحولي 1700 مواطنا و مسؤولا لم يبدوا أكثر حزنا وتأثرا على

وفاة والده أمام الكاميرات والذي اعتبر فقدانه حينها كارثة وطنية .

التصفيق كممارسة قهرية تشي بالكثير من الانمحاء للشخصية واستعدادها لخدمة الاستبداد دائما وأبدا لم تحصل فقط مع جيم كونغ ،بل مع الطاغية نيرون الذي حرق روما ومع كل الحكام المستبدين على اختلاف مرجعياتهم القومية أو

الاشتراكية أو الإسلامية، وبعبارة مختصرة فإنه حيث يكثر التصفيق تسود الديكتاتورية وحيث يقل ويخف التصويت ثمة ديمقراطية .


ملحوظة لها علاقة بما سبق
لا حديث هذه الأيام سوى للقرار الذي صدر مؤخرا عن مجلس الشورى السعودي بعد جدال دام لعقود حول إن كان التصفيق حلالا أو حراما، وأخيرا اعتبر

مجلس الشورى للمملكة العربية السعودية أن آلية التصفيق أصبحت حلالا وفقا لنصوص الشريعة الإسلامية من باب الترحيب بالضيوف والزوار فقط ،إذا اعتبره

البعض قرارا جريئا وتاريخيا فيما حوله مرتادو الفايسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي إلى موضوع للسخرية والتنذر .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية


.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق




.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري