الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نزهة فوق الجبل

تسنيم مولود

2016 / 2 / 13
الادب والفن


النزهة فوق الجبل

أحب الليالي الماطرة, عندما نجلس أنا وجدتي قرب الموقد, اتمدد على الارض مستمعًا لها وهي تهز كرسيها وتخبرني القصص والحكم, يسعدني ان تمطر.... فجدتي تُجيد حَبك القصص, في ذلك اليوم أخبرتني جدتي حكمة تعلقتُ بها, حكمة لم أفهمها عندما كنت في عمر الرابعة عشر, جلستُ استمع لها وهي تقص لي قصة....
.
.
كان هناك شخصًا يسكن منزلًا وحيدًا فوق أحد الجبال المنتشره سَلاسلها في شمال العراق، ويقال انه كبير جدًا في السن، وتقول جدتتي إن عمر ذلك الرجل يُناهز الخمسون الف عامًا، فقلت لجدتي :

ـــ ليس منطقيا!!

اجابتني :

ـــ أنه مبارك... لكن دعني أكمل لك القصة...
كان جدُ جدي يحتطب، وفي طريقه الى الغابه رأى رجل كبير في السن يصعد الجبل، وبان على وجه ذلك الشيخ المسن التعب الشديد، فقرر جدي ـــ الذي هو جدك أَيضًا ــ ان يساعده، فترك فأسه عند الجبل، وامسك يد الشيخ وقال له
ــ سأساعدك لتصعد الجبل .
وفعلا ساعده جدك وحمله نصف المسافه، ومن ثم سأله جدك
ــ لماذا تريد ان تصعد هذا الجبل الوعر؟؟
فرد ذلك الرجل الهَرم :
ـــ لماذا لم تسألني عندما بدأنا نصعد الجبل؟؟
لم يعرف جدك مايقول، سكت لبرهة ثم اكمل ذلك الهَرم كلامة قائلا :
ــ بماذا تفكر؟؟...اه صحيح.. من المحتمل أن اكون هَرِم.. خرف!!.. ولن يكن بيتي عند قمة الجبل!!
وقف عندها جدك، وانزله من على ظهره :
ــ أمتأكد ايها الجد!! هل مَنزلك في أعالي هذا الجبل!!؟؟
ــ أجل!!
ـــ متأكد!!؟
ـــ طبعا!! إني اسكن هنا منذ الاف السنين.
تعجب جدك، وفكر بأنه من المؤكد خرف! وقد تاه عن وجهته فـ ظن إنَّ منزله على قمة الجبل، ولأن ذلك المكان لايستطيع أن يسكُنَه البشر... لذلك قال له جدك :
ــ حسنًا يا حجي.. سننزل من الجبل.
ـــ لماذا ؟ منزلي في أعلى الجبل!
ــ هيا أيها الشيخ....
كان جدك غاضبًا لأنه قد تأخر عن الإحتطاب بسبب ذلك الهَرم، ويجب أن يأتي بالحطب ليبيعَه ويشتري بثمنه طعامًا لأولاده الصغار، لكن الهَرِم رد على جدك ردًا اجبَره الإستماع إليه :
ـــ على رُسلك أيها الشاب... إني كنت أختبر صبرك...لكنك رسبت!!
ـ كيف!! ومن أنت ؟؟ أيها الشيخ لِنذهب الى القريه لعلنا نجد احدًا من اقربائك!
لكن الشيخ رد على جدك بقولًا لايصدق!
- أنا ساحر... ومنذ عصور.
نظر جدك الى الشيخ متعجبًا غير مصدق:
- حسنا.. لننزل....
ـ لا !! صدقًا ايها الشاب!..... حسنا لدي فكره...
ثم أكمل مبتسمًا
ـ أ أنتَ مستعجل هكذا.. دائما؟؟
- أجل...
ــ اذا أجلس وسأخبرك قصه ( جلس الهَرِم على صخرة صغيره على السفح)..
ــ أخبرني بالفكرة، وأتركني في سبيل حالي، ياجدي لدي عمل.
- حسنا ..
ثم وقف :
ــ خذني إلى منزلي هناك - مشيرًا بيده الى قمة الجبل الصغير- وفي طريقنا إلى منزلي..سأسألك ثلاث أسئله، وعن كل اجابة صحيحة سأعطيك درهمًا ذهبيًا، وإن كانت إجابتك صحيحه وبسرعة - مشددًا لفظيًا على كلمة بسرعة - سأضاعفه لك، ولكن إن أخطأت سأستردها جميعها!!

فكر جدك بالدراهم الذهبية، وسأل نفسة - مالذي يُثبت صدق هذا الهَرم الذي بان عليه الخرف؟ ولما يصدقه اصلا! -
فسأله جدك :
ـــ ما الدليل على صدقك؟
اخرج الهَرم من جيبه كيس دراهم ذهبية :
ـــ هل يكفيك جوابي؟؟
فقرر جدك عندها أن يصعد مع ذلك المُسن، فَـ بكل الاحوال الوقت قد تأخر, لن يستطيع الذهاب للأحتطاب .
صعدا معاً الجبل....فسأل المُسن جدك السؤال الاول..
ـــ ما أسمك؟؟
ــ محمد علي سليمان الطائي!!
-صحيح (قالها مبتسمًا)
ثم أعطى جدك درهمه الأول, أخذَ جدك الدرهم متفاجئ من بساطة السؤال فأبتسم وفرح فرحًا شديد، ظل المُسن ساكتًا لمدة طويلة حتى تجاوزا أكثر من نصف المسافة، ثم سأله السؤال الثاني
ــــ هل انت متزوج؟؟
ـــ أجل، ولدي ثلاث أبناء
أخرج الرجل الهرم قطعتين ذهبيتين وأعطاها لجدك، أحس جدُك بسعادة عارمة, لان هذه القطع الثلاثة ستكفيه لـ أشهر دون أن يعمل.
راح جَدك يفكر بطريقة ليضاعف هذه دراهم عند نزوله، فكر بأن يشتري مجموعة من الخرفان، و فكر بدُكان صغير ثم فكرأيضًا بالتجارة ببعض الأغراض المنزلية، ثم قال جَدك لذلك الهَرم بعفويه بالغة
ــ سأظاعفها ياشيخ .
ابتسم المُسن إبتسامة ماكرة، جعلت جدك يفكر بأن السؤال الأخير لن يكون سهلًا..
كان ذلك الشيخ قاصدًا تلك الأبتسامة ليربك جدك وعندها لن يستطيع أن يجيب عن السؤال التالي بأجابة صحيحة، ثم سأل سؤاله الأخير :
ــ ما أصعب من الموت؟؟
تنهد جدك وفكر قبل أن يجيب.. ما الشيء الذي هو أصعب من الموت!!
بعد لحظات صمت, أراد جدك ان يجيب , وقبل ان يتكلم اسكته ذلك المسن :
ـــ خذ وقتك وفكر.. لازال الطريق أمامك طويل.
راح جدك يفكر بأشياء كثيرة، يجب أن يُجيب بشيء, ان كانت الإجابة صحيحة فأنه سيأخذ الدراهم الست, تلك الدراهم ستعينه كثيرًا.... هو فعلا يحتاجها, ثم انتبه الى الوقت...تأخر بالرد, وحسب شروط الرجل المُسن... لم يبقى له سوى درهمًا واحدًا عنده، ولكن إن كانت إجابته خاطئة سيخسر كل الدراهم، لذلك قرر عدم الاستعجال، وبقي يفكر بالإجابة.
بدء البرد يشتد معلنًا وصلهما قريبا من القمة، وعندما وصلا القمة رأى جَدك الكوخ!
كان قديمًا من خشب, تفاجئ جدك لانه كان يظن بأن الهَرم خرف! ابتسم المُسن وقال :
ـ بيتي العزيز
التفت المُسن وحدق بنظرات إنتظار بوجه جدك :
ـ لقد وصلنا الى نهاية المطاف..... اذًا ما جوابك؟؟
سكت جدكَ لِلحظة وضم القطع الذهبية الى صدره وقال :
ــ أن أحتفظ بالقطع الثلاث، ولا أخسر يومي هذا دون مال.... فأجد أولادي ينتظرون جياع, ودموعهم أصعب وقعًا علي من إعلان ساعة الموت.
ابتسم الرجل...... ثم ضحك بصوت عالٍ جدًا واعطى جدك درهمه الأخير، وقال :
ـــ لم يُجب احدًا كهذه الإجابه!!
ابتسم جدك فرحًا بدرهمه الاخير.. وضمه الى الدراهم الاخرى بكل أمل, ثم استدركه الفضول فسأل :
ــ ماقصتك ؟؟
ــ إني أسكن هذا الكوخ المنعزل، ولا أنزل إلا كل الف سنة، وأجلس عند الصخرة التي وجدتني عندها وانتظر أحدهم, أرى الكثير من الماره فبعضهم يراني ولا يحرك ساكنًا وبعضهم يساعدني ثم اسأله نفس الأسئلة، لكني أعتدت أن تعود الي دراهمي عند السؤال الاخير - وفي كثير من الأحيان - قبل أن أصل الى كوخي!.... كما إني أفعل هذا منذُ أكثر من خمسين الف سنة.
ضحك جدك غير مصدقًا بتاتًا تلك التواريخ والاعوام الطوال :
ــ أيها الرجل هل أنتَ نبي الله نوح!! ام أنتَ من اصحاب الكهف!!
ــ حسنا... سأسترد دراهمي.. ( قالها بكل جديه وبنظرة حازمة)
توقف لحظتها جدك عن الضحك، وظنه سيستردها، لكن المسن ابتسم لتعبير جدك وقال :
ـــ إني أمزح أيها الشاب..
ابتسم جدك ونظر الى عمق عيني الرجل المسن وسأله بكل ثقة :
ـــ كيف لك ان تعرف إن كانت إجاباتي صحيحة! أقصد كيف عرفت إسمي، او إن كنت متزوجًا ام لا؟؟
ــ لا اعلم... من أنت، متزوج ام لا... لكني ظننت بأني سأسترد دراهمي عند السؤال الأخير.
ــ كيف عرفت إن إجابتي صادقة ؟؟
ـــ لأنك لم تُجب عن نفسك، وفكرت بغيرك اولًا.
ادار الشيخ المُسن وجهه الى الكوخ وهَم بالمسير نحوه, ثم إلتفت الى جدك وعاود الإقتراب منه وسأله :
ـ هل دائما، تفكر بالأمر بعد الحدث وليس اثنائه!
لم ينتظر الشيخ اي اجابة من جدك وعاود المسير نحو الكوخ, ابتسم جدك وادار ظهره لينزل من القمة ثم تذكر بأنه لم يشكر الشيخ على الدراهم، لذلك التفت جدك ليشكره, لكنه لم يجد ذلك المسن! ولا الكوخ!........ لا احد في تلك القمة سواه!!
استغرب جدك.... فكر وهو في طريقه الى المنزل، من هذا الرجل؟ بدأ يقتنع بأنه ساحر قديم، وعندما نزل الجبل وجد فأسه في مكانه وعاد الى المنزل .

قلتُ لجدتي حينها.
ـ أين ذلك الجبل؟؟
ـ لا اعلم... كنت احاول إمتاعك فقط !!
- جدتي... أ قصدكِ إن القصة لا صحة لها ؟؟
نظرت إلي بعينيها الضيقتين موبخةً إياي
ـ أ هكذا يعلمونكم في المدارس؟؟........... يعيش الأنسان خمسين الف عامًا..!! قم ياولد ونمّ ، فغدا العيد.... وفكر ربما هذه القصة ليست لأجل لا شيء.











تسنيم مولود رجب
23-3-2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب