الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة الغرباء

مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)

2016 / 2 / 13
الادب والفن


مدينة الغرباء

أطوفُ في زُقاق الزمن القديم ، أبحثُ عن نفسي في هذا المكان ، فلا أجِدُ سوى أحلامٌ مُبعثرة لَمْ تتحقق
وجُملاً لَمْ أنهي كِتابتِها ، بل نسيتُها في زحمة الرحيل ، وكُثرة الأحلام
كُنتُ العاشِقُ بدون حبيبة
كُنتُ المقاتلُ بدون سلاح
وكنتُ الواعِظُ بدون كتاب
كان الحزن طقوس الروتين اليومي ، وحالة دائمة الحضور ، حيث بقيْتُ هناك كأني لستُ هناك
فلا فقدتُ أشيائي هناك ، ولَمْ أبحثُ عن أي شيء ، سوى أن أبحثُ عن نفسي وعن جهةٍ أو ميناء يستقبلني
وهكذا كانت المدينة تشاركني شعور الغُربة والانتظار الطويل
ففي زقاق هذه المدينة التي تبحثُ عن نفسها أيضا ، لَمْ تجِد سوى غرباء يأتون ويذهبون وكلٍ على عجلة
منهم مَنْ يمكثُ قليلاً مؤقتاً ..يراقب دولاب الزمن البطيء ليعود الى حيث جاء
ومنهم مَنْ ولِدَ هنا وما زال ينمو غريباً ، ومنهم مَن مات وهو ينتظِر موعِد الرحيل أو الرجوع
وما زال الكثير هنا مَن يبحثُ عن حلمٍ أو معجزة ، أو ميناء للرحيل البعيد
لا طابع لشكل المدينة ، ولا يُحَدِدْ لونها أيُ شيء ، وهويتُها غامِضة ، فهيَ مزيدٌ مِنَ اللاجئين الغرباء
ومزيداً مِن الحالمين الفقراء ، ومنْ يبحثُ عن فرصة عمل
نهارها عنيدٌ وصاخِب ، فالتاجِرُ والمُشتري ، الفقير والغني ، المُقيم والسائح ، والمارقين بصدفة
جميعهم يملكون المدينة في النهار ، يتقاسمون أطراف وتضاريس المدينة بمطاعمها ، مقاهيها ومتاجرها
وعندما يحِلُ الليل .. لا يبقى للمدينة شيء .. فتبقى صامتة .. خالية مِن الأصوات والشخوص
فلا يبقى فيها إلا مَنْ تاه بين المساحات المزدحمة ، والتضاريس الضيقة ، وبين مَنْ وجَدَ لنفسه
مكانٌ صغير .. بثمنٍ قليل .. ليرتاح مِن عناء النهار وشقائه ليجمَعْ أحلامه الشاردة
ثلاثون عاماً .. منذ كنتُ أبحثُ في زقاق هذه المدينة الغريبة القاسية
عن جملةً وأجوبة لأسئلتي الشقية.. عن حلم بعيد عن هذه المدينة
وكيف أكتشِفُ نفسي بين ركام الأحداث وتناقظ الواقع المرير
تلك المدينة أعرِفُها .. أعرِفُ تضاريسها وكُل أطرافِها الضيقة الصغيرة
وأعرِفُ شوارِعها الفرعية .. ومتاجِرها الصغيرة
كم تسكعت في طرقاتها .. وكم تعبَتْ قدمايَ مِن المشي

ثلاثون عاماً
ورائحة البُن والزعتر
ومالبس الفقراء
تُعيد اليّ صوابي
وتوقظني مِن سكونٍ
مِن صمتٍ .. دام ثلاثين سنة

كم المكان يشبه المكان هنا
وكم الناس هنا يتشابهون
في الشكل .. والحلم يتشابهون

وكم هُم الناس هنا يتشائمون
مِن الحلم والغَد
كم هُم يتشائمون

وقاع المدينة
ما يفصِلُ الشرق عن غرب المدينة
الجديد هنا
والقديم هنا
الفقير .. والغني هنا
كم هُم هنا يتخالطون

تكثُر الناس
والحلم يكثُر
وتصغُر المدينة .. لحجم البشر
فلا ترى مِن ضيق المكان
أُفق بعيد
ولا مكانٌ هنا .. للقمر

لا ساعي بريد
هنا يدُلُك على عنوان
فالعناوين هنا
شخوصٌ .. ليس أرقام
والأسواق مُنعثرة
كعشوائية .. وحركة البشر

أيُ مدينة
وبأي بقاع الأرضِ ..أنتِ
تأخذي كل شيء .. والمزيد
ولا تكتفي
وتطلبين المزيد
وتَبقي صغيرة
كحلم الفقراء .. صغيرة
كعفوية القدر

للمدينة طقوس
وللناس طقوس
وسبع جبال تحيطها
تجعل السماء تبدو صغيرة
وتجعل الناس هنا
يمشون في الطرقات
بدون هدف
كمسافرين .. بدون سفر

كم كنتُ موجودٌ هنا
وكم كانت أحلامي مبعثرة
وهذه المدينة
لم تكن توأمي
ولا حبيبتي المنسية
كل ما اتذكره هنا
اني كنت غريب
أشارِك الغرباء .. الزحمة
وطعام رخيص الثمن
وكأس عصير
وأحلامٌ مُكررة

مصطفى حمدان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا