الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب نسوي أم أدب إنساني

إبراهيم فتحي

2016 / 2 / 13
الادب والفن


غلب في المجتمع الإنساني زمنًا طويلاً النظام الأبوي الذي يعلي من شأن الذكر فوق الأنثى، وعبرت كثرة من المفكرين في مختلف العصور عن درجة عالية من التحيز والوقوف مع الرجل على حساب المرأة، وإعطاء الرجل مكانة أعلى كثيرًا من مكانة المرأة. وعند أرسطو كانت كلمة المرأة لا تدخل ضمن مفهوم الإنسان الذي يعنى به الرجل الأثيني (الأبيض) الحر الذي يشارك في الفضائل الإنسانية؛ أما المرأة فلا تصلح لإدارة الدولة ولا لإدارة الأسرة. فالرجل عند أرسطو هو الصورة الفاعلة والمرأة هي المادة السلبية (الهيولى)، ويقتصر دورها على إنجاب الأطفال ورعايتهم والإشراف على الأعمال المنزلية وأداء الواجبات نحو الزوج. وعند روسو بالمثل تكون المرأة ناقصة وعاجزة تمامًا عن التفكير المجرد ويتضح أن ما كتبه روسو عن اللامساواة بين البشر ودعونه إلى المساواة كان يقصد بها المساواة بين الرجال وحدهم. كما أن كلامه عن أن الإنسان يولد حرًا مع أنه يراه مكبلاً بالأغلال كان ينصب على الرجل دون المرأة التي ولدت لتكون مكبلة بالأغلال بحكم طبيعتها المزعومة. أما كانط فكان يعتبر أن المرأة لا تشملها صفات الكائن العاقل. بل إن وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي التي تنص على أن الناس جميعًا ولدوا متساوين لم تكن واضحة في إمكان أن تشمل النساء كما تشمل الرجال. والطبيعة البشرية عند أرسطو وتوما الأكويني وماكيافيللي ولوك وروسو وهيجل وكثيرين آخرين تخص الذكور وحدهم ولا تشمل النساء صراحة.
وفي العالم العربي رفضت كاتبات هذا التحيز المعادي للمرأة، بل رفضن معه أيضًا مصطلح الكتابة النسائية من منطلق تضمنه للهامشية مقابل مركزية أدب رجالي ذكوري مفترضة. ولكن ما يسمى الأدب النسائي هو أدب إنساني بالدرجة الأولى تمامًا كالأدب الذي يكتبه الرجال، وذلك الأدب النسائي يخاطب الرجل أيضَا كما يخاطب المرأة، لذلك تقول الناقدة خالدة سعيد إن تسمية تلك الكتابة بالنسائية خطأ شائع. وذلك التقسيم يفصل الأدب إلى قسمين: أدب نسائي وأدب رجالي، ويعزل المرأة في نوعية خاصة بها وحدها من المشاكل، على الرغم من أن مشاكل الاستغلال الاقتصادي والقمع السياسي مشتركة بين الرجال والنساء، وإن كانت النساء يعانين من استغلال وقمع إضاقيين بوصفهن نساء. ولا يعني المصطلح عند أنصار الأدب النسائي عندهن وعندهم دونية أو سلبية، فهو يرتبط بحركة تحرير المرأة ونضالها الطويل من أجل مساواتها بالرجل، وعلى العكس يسخر المنتقصون من مكانة المرأة من الأدب النسائي ويدعون أنه كما يزعم إحسان عبد القدوس أدب الروج والمانيكير دون التدقيق في موضوع مثار. ولكن الحقيقة على خلاف ذلك، فالمرأة في كتابتها ذات حضور متعدد الجوانب الاجتماعية والسياسية والفكرية. ومع ذلك ترفض غادة السمان وأحلام مستغانمي مصطلح الكتابة النسائية لأنه ليس شأنًا نصيًأ ولغويًا، وإنما هو شأن خارج العملية الإبداعية. وأكثر مناقشات المجادلة حول قبول أو رفض تسمية الكتابة النسائية لا تركز على مدى تبني هذه التسمية لقضايا الإنسان من حيث هو إنسان.
وهناك مفكرون يرون أن هناك حساسية نسائية متميزة لا تسجن المرأة في جيتو الحريم المحاط بالازدراء فهي لا تعني سوى خصائص ذوات مبدعة تمتلك خصوصية، فالمساواة لا تعني رفض اختلاف المتساويين. وفي السرد تلاحظ سمات خاصة مشتركة بين النساء: رفض الموروث والتقليدي والتوق إلى الانعتاق والمطالبة باعتبار المرأة ذاتًأ تمتلك فاعلية ومقدرة. وفي الصياغة اللغوية تهيمن عندها الأنا ضمير المتكلم المعبر عن وجودها الإنساني الثائر على القهر والاضطهاد والدونية. ففي كتاب المرأة يتداخل النوع (الجنس) والشرط الاجتماعي (المستوى الاقتصادي). والكتابة الأنثوية كما طورتها أعمال هيلين سيكسو كتابة بواسطة الأنثى تفجر البنى القمعية للغة الذكورية والفكر الذكوري، وفيها تعددية الحميمية التي لا تقتصر على ممارسة الجنس، بل تتعدد نحو مغن أو أعنية أو فكرة أوعاطفة أو ملابس. وتلك الكتابة الأنثوية تحطم التضاد الثقافي الذي ينظم الكتابة الذكورية: الرأس في تضاد مع القلب، والإيجابي مع السلبي، والثقافة مع الطبيعة، والأب مع الأم. وبعض نصيرات حرية المرأة اعترضن على مفهوم الكتابة الأنثوية لأنه يعرف الأنوثة غالبًا كصفة ملازمة لبيولوجيا الأنثى ومعارضة جوهرية للذكورة، وبذلك يدعم التضادات الثقافية نفسها التي يهدف إلى تفكيكها. وتفرد سيكسو جان جينيه مع كوليت ومرجريت دورا باعتبارهم وحدهم الممثلين لهذا الأسلوب وهذه الكتابة. وليست الكتابة الأنثوية كتابة موجودة بالفعل بقدر ما هي مثل أعلى طوبائي. أما الكتابة النسوية عند معظم الكاتبات فهي الكتابة المرتبطة بحركة تحرير المرأة وبصراعها التاريخي الطويل من أجل المساواة بالرجل.
وتتعقب شو والتر في درستها "أدبهن الخاص المستقل" التقليد الأدبي النسائي في الرواية الانجليزية حتى اليوم وتكشف عن ثلالثة أطوار كبرى للتطور التاريخي؛ الأول طور ممتد، طور محاكاة أنماط التقليد الأدبي السائد واستدماج معاييره ووجهات نظره في الأدوار الاجتماعية. والثاني كان طور احتجاح ضد هذه المعايير والقيم، والدفاع عن حقوق الأقلية المحتجة بما فيها مطلب الاستقلال الذاتي؛ وأخيرا هناك طور اكتشاف الذات والبحث عن الهوية. وبدأت مرحلة المحاكاة مع ظهور أسماء منتحلة ذكورية في الأربعينيات من القرن التاسع عشر إلى وفاة الكاتبة جورج إليوت في 1880، وتستمر المرحلة الثانية الداعية إلى تحرير المرأة من 1880 إلى 1920، وتبدأ المرحلة الثالثة الأنثوية من 1920 وما بعد ذلك. والكتابة الأنثوية مفهوم قدمته هيلين سيكسو، كتابة متميزة بالأنثوية في أسلوبها ولغتها ومشاعرها مختلفة تمامًا عن لغة وخطاب الذكور. وليس ذلك راجعًا إلى حتمية بيولوجية، فالنساء غالبًا ما يكتبن في خطاب الذكور، والرجال يستطيعون الكتابة بطريقة أنثوية، فالمعطيات البيولوجية ليست العامل الحاسم في تشكيل المرأة وإنما التنشئة الاجتماعية. ومصدر الكتابة الأنثوية يرجع إلى العلاقة بالأم وإلى علاقة الأم بالطفل قبل أن يكتسب اللغة السائدة. وهذه اللغة الأنثوية حينما تستخدم في الكتابة لا تتشدد في التزام المنطق والعقلانية وكل ما يقيد اللعب الحر للمعنى. وتذهب هيلين سيكسو في مبالغة إلى أن أية نظرية عمومًا هي لا شخصية وموضوعية وذكورية، أما الخبرة (التجربة) فهي شخصية وذاتية وأنثوية. وينبغي أن تعلي الكتابة الأنثوية من قيمة التعبيرات التي ظلت تحتل مكانة ثانوية مثل الخبرة المباشرة والجسد والرغبة واللذة.
وفي مصر ولد الإبداع القصصي والروائي للمرأة من بين ذراعي حركة تحريرية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحركة الاستقلال الوطني والحريات الديمقراطية والتيارات التنويرية. وكانت إبداعات المرأة السردية في القصة والرواية تواصل مطالبها برفض اعتبار المرأة كائنًا سلبيًا تابعًا للرجل وتضعها تحت جناحي الحركة التقدمية الاجتماعية في التعليم والتمثيل والصحافة والنقابات، وهي الحركة التي كانت تدعو إلى حساسية جديدة تواكب النهضة وتتجنب أسلوبًا لغويًا بعيدًا عن البهرج والبريق والطنين ويميز بين زينة المحسنات البلاغية وبين الجمال وتوجب أن تكون البلاغة خادمة للحياة وأن يكون الفن تشيعًا للإنسان، كما أن الأخلاق في الفن ليست أوامر ونواهي أو تحيزًا وإملاءً، وانما الحرية والصدق هي الغبطة بالحياة. ولا يشترط أن تقوم الكتابة الجميلة دائمًا على أفكار مجردة فقد تقوم على تصوير حالات نفسية. وهذه جمالية لا يحتكرها الرجال ولا تحتركها النساء، وإن كانت الأسبقية فيها للنساء (مثل الآنسة مي) الباحثات عن التحرر من القوالب التقليدية الأبوية. وتذهب إلين شو والتر من ناحية أخرى بعد بحث مدقق إلى القول بأنها غير راضية عن فكرة خيال أنثوي وحساسية أنثوية، فهي فكرة تقترب من الوقوع في أسر القوالب التمييزية الجامدة وهي تفضل بدلاً من ذلك القول بأن التقليد الأدبي الأنثوي ينبثق من العلاقة التي تواصل الارتقاء بين الكاتبات ومجتمعهن. وهي علاقة تحمل التناقضات والعوائق مع الارتقاء وتقوم على ممارسة طويلة خصبة لا تخلو من صراع ومثابرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا