الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم جري الوحوش ومعاداة العلم

حامد المسلمي

2016 / 2 / 14
الادب والفن


من الأفلام اللي مكونتش عاوز أكتب عنها، لأنها صدمة حقيقية لي، ولمن سيكمل قراءة المقال النقدي للنهاية.
الفيلم يمشي في مسارين أساسيين؛
المسار الأول: هو العداء الواضح بين دولة العلم والإيمان (التي أعاد إحيائها النظام الساداتي) وبين العلم.
المسار الثاني: هو العلاقة بين المادية والبرجماتية من جانب، وبين الروحانية والعلاقات الإنسانية من جانب أخر.
وكانت الدولة المصرية (بقوانينها ودينها) خصماً في المسارين بشكل واضح.
نبدأ الحدوتة من الأول
الفيلم يحكي عن سعيد أبو الدهب/نور الشريف الثري الذي لا ينجب، فيعلم من صديقه الدكتور نبيه/حسين فهمي بأنه توصل لاكتشاف علمي جديد بإجراء عملية جراحية ونقل جزء "الإنتريالوب" من مخ شخص أخر إليه وسيساعده علي الإنجاب، ليبحث بعدها سعيد عن متبرع أو بائع لهذا الجزء، ويجدوا عبدالقوي شديد/محمود عبدالعزيز المنجد الفقير والذي يقبل بهذه العملية مقابل نصف ثروة سعيد مع تعهد كتابي بأن العملية لن تؤثر علي صحته، ولكنهم يصتدمون بصديقهم الرابع المحامي عبدالحكيم/حسين الشربيني والذي يخبرهم أن هذه العملية لا تجوز شرعاً أو قانوناً، ويسافروا ليجروا العملية بالخارج، وتنجح العملية نظرياً، وبعدها تبدأ صحة الأثنين في التدهور وتتوالي الأحداث.....
• الفيلم إنتاج عام 1987 ويعتبر هذا الفيلم مع سلسلة أفلام أخري تعبر عن صعود تيار الإسلام السياسي والترويج للخرافة والشعوذة في صورة المدافعين عن (وجهة نظر دينية،الأخلاق، العادات والتقاليد....) أمام العلم وظهر هذا واضحاً في عدة أفلام منها جري الوحوش، لا تسألني من أنا، الشعوذة، الإنس والجن وغيرها من الأفلام.
• الفيلم تعبيراً عن فتاوي أقطاب الإسلام في هذا العصر وفي مقدمتهم الشيخ محمد متولي الشعراوي وهذا نصها " ذهب الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى القول أن الإسلام يمنع تنازل المسلم عن أي عضو من أعضائه بالبيع أو الهبة لا حال حياته و لا بعد مماته ، لأن في هذه التصرفات من تصرفات الملكية التي لا يملكها الإنسان في جسمه لا كله و لا بعضه ، لأن مالك الجسم كله هو المولى عز و جل"
• وطبعاً لا يفوت الدلالة الواضحة للإسم جري الوحوش وعلاقته بالمثل الشعبي " اجري يا أبن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش" أو علاقة الفيلم والمثل بالحديث القدسي " يأبن آدم خلقتك" والذي يقول فيه " وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك، وكنت عندي مذموماً "
الدلالة واضحة ولا لبث فيها.
• نبدأ بطرح عدة أسئلة هامة في سياق العلم والتجربة الحياتية ولا يمكن تناول الفيلم دون طرحها
- كم إنسان أقر العلم "في فترة من الفترات" بأنه لن يُنجب، ثم تطور العلم ووجدوا من العلاجات والوسائل التي تساعد علي إنجابه؟
- وماذا عن أطفال الأنابيب والتلقيح الخارجي، وغيرها من وسائل الإنجاب الموجودة حالياً؟
- وكم مريض بالفشل الكلوي وأمراض القلب والكبد وتم نقل كلية أو كبد او قلب ليعيش ويكمل حياته، غير القرانية والنخاع والعلم في تطور مستمر؟
• الفيلم يدور حول مفهوم حرية الإبداع والبحث العلمي والتي يُقيدها الدين تحت دعاوي عديدة بالتحريم والتكفير وحرق الإنتاج الأدبي والعلمي والقتل أحياناً كثيرة، والأمر كان موجود في أوروبا في عصور الظلام، ولكنه لازال موجود في مجتمعاتنا التي لازالت تعيش في الظلام.
• صناع الفيلم لم يقدموا الفيلم ك صرخة في وجه المجتمع مثلما كان فيلم "الحكم أخر الجلسة" مثلاً (وللمفارقة أنه بطولة نور الشريف وكان قبل هذا الفيلم بعامين) والذي يحكي عن أسرة تعاني من توارث مرض الجنون، لتثور زوجة الإبن بوسي وتقوم بإجهاض نفسها حتي لا تنجب إنسان يتعذب في هذه الدنيا، وتقوم الأخت إيمان الطوخي بتعقيم نفسها والدفاع عن زوجة أخياها، بل علي العكس تماماً قدموا الفيلم كإحباط للأمل وتهديد لأي إنسان متعلق بأمل أن العلم يمكن أن يجد علاج لحالته، والحث علي الرضا بالمقسوم، رغم إن "المقسوم" بيتغير برضه مع العلم والوقت.
• من المفارقات العجيبة أيضاً أن بطل الفيلم نور الشريف مثل فيلم "عيون الصقر" بعدها بسنوات قليلة لرجل وزوجته يعانوا من العقم بدرجة معينة ويجد العلم علاجهم وضآلتهم في عملية طفل الأنابيب والتي تنجح ويصبح أب.
• مفارقة أخري فيلم "ألحقونا" لنور الشريف عن سرقة الاعضاء والذي سُرقت كليته ليعيش شخص أخر مريض (الشاهد هو ان إنسان أخر عاش بناء علي الكلية، وليس تبرير سرقة الأعضاء)
• تعليق عبدالحكيم وسعيد علي إقتراح نبيه بأن يأتي إليهم بإمرأة تحمل بمقابل مادي وتوصيف الأمر بالزنا وأن هذا الأمر حرام شرعاً "توصيف ديني/قانوني" ثنائية الدين/الدولة. (تقريباً هذا المشهد الوحيد الذي يمثل المسارين معاً)
• الفيلم ينتهي نهاية واضحة لا جدال فيها عن خط الفيلم والرسالة التي أراد صناع الفيلم "والإتجاة السائد وقتها" بترسيخها في ذهن المشاهد بآية قرآنية " وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " أية 211 سورة البقرة، نهاية توضح دوجمائية الفيلم وصُنّاعه بشكل واضح لا جدال فيه.
• قدم الفيلم نظرية الشيخ الشعرواي أيضاً "نظرية الـــ 24 قيراط" وإن كل واحد فينا واخد نصيبة من الرزق مشكل، لكن كله معاه الــ 24 قيراط بتوعه مشكلين،
السقطة الأكبر في الفيلم كان في هذا المشهد عندما قال سعيد في رده علي نظرية الــ 24 قيراط " يعني مسعاش " فرد عبدالحكيم " لأ أسعي، فليس للإنسان إلا ما سعي" ، ولما حاول السعي لتعديل الــ24 قيراط بتوعه المشكلين حاربه عبدالحكيم بالقرآن أيضاً، وقال محدش يبدل نعمة ربنا!!! (دي أكبر سقطة في الفيلم من ناحية الحبكة والتنظير بشكل عام)
رغم عدم إعتراضي علي نظرية الـ24 قيراط ولكن سياق الأمور مختلف، وتم استخدامها بشكل ساذج لمحاربة العلم.
• أما الإتجاه الثاني فكان بين المادية والبرجماتية وبين الروحانية والعلاقات الإنسانية، وكان هذا الإتجاه هو الجدير بالمناقشة والأكثر عقلانية إلي حد كبير، ويتضح من التحريض الواضح علي زواج سعيد من أمرأة أخري بعدما انقطع طمث زوجته الأولي وفاء/هدي رمزي، وهي التي لم تتركه للزواج من غيره وتحقيق لحلم وغريزة الأمومة.
• في الجزء الثاني من المسار يأتي للصراع الأزلي ومفتاح لكل المفاهيم الأخري حول الصراع بين المادية/الروحية، الجسد/الروح، البرجماتية/الإنسانية هذا الصراع الذي لم يقدم الفيلم أي رؤية علمية ووجهة نظر بأدلة واضحة علي تبنيه أي من وجهتي النظر أو التوفيق بينهم (وأزعم إن اللي يحل اللغز دا هيضع كل شئ في نصابه الصحيح ويرتاح).
• نتكلم بقي علي عبقرية اختيار الأسماء التي تناسب الموضوع وحرفية السيناريو التي تخدم علي فكرة معينة –وإن كنت ضدها- ولكن أعتبر محمود أبوزيد أفضل سيناريست لأختيار أسماء شخصياته علي الإطلاق، وأفضل سيناريست يكتب سيناريو للتنظير (فيلم الكيف تحديداً)
- فلسفة الأسماء الواضحة سعيد أبو الدهب هذا الثري الذي حاز المال والثروة ولم يحظي بالصحة التي تساعده علي الإنجاب.
- عبدالقوي شديد الذي حاز الصحة والقوة وكثرة العيال ولكنه لم يحظي بالمال.
- الدكتور نبيه الذي حاز العلم، وانتهاج البرجماتية لتحقيق أهدافه العلمية حتي علي حساب العلاقات الإنسانية. (فهو النبيه وليس الحكيم مثلاً)
- عبدالحكيم المحامي الذي أعطاه المؤلف الحكمة والقانون والدين والمدافع عنهم وعن الأخلاق ( وقرأ الأية الأخيرة بصوته)
- وفاء تلك الزوجة التي ظلت مخلصة للعلاقة وحبها وزوجها حتي أصبحت غير قادرة، ولكنه عندما قدر بحث عن نصيب أسمه سعيد وتناسي نصيب أسمها وفاء، لتعود وفاء إليه في النهاية راضية بإسمها وحظها منه وفقط.
- رغم عدم دلالة إسم نوسة/نورا لكن هي الحاجة البلدي "النغشة" اللي تفتح النفس وتحمل كل جينات النكد في آن واحد.
• الفيلم يُعتبر مباراة تمثيلية قوية جداً بين مجموعة ممثلين فيلم العار الأربعة وكيف استطاع كل منهم أن يخرج من دوره السابق ليتخرجوا تحفة فنية من حيث الأداء التمثيلي وخاصةً محمود عبدالعزيز ونورا بشكل عظيم، ولا ننسي الحضور الطاغي لأغنية محمود عبدالعزيز يا ترزي البنك، أو مشهد النهاية عاوز ترلوب.
• للأسف أعتبر هذا الفيلم من أسوء أفلام المصرية من منتصف السبعينات فصاعداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب