الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقدان المناعة السياسية في تونس

هيثم بن محمد شطورو

2016 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


لنفترض جدلا أن الأحزاب السياسية في تونس على مستوى خطابها المعلن فعلا فساعتها يزول كل توتر. لكن ما إن يتكلم السياسي حتى نتوغل في التحـليل الازدواجي للغة في علاقتها بالممارسة أولا و في علاقتها بإرادة التورية و البحث عما يراد إخفاؤه وراء الدفع بذاك النسيج من الكلمات.
فزعيم حركة النهضة الاسلاموية الاخوانية إلى اليوم لا يزال ينـفخ في البوق صباحا مساءا مرسلا الأصوات الدالة على منـتهى الطيبة التي تبلغ السذاجة في المناداة بالوحدة الوطنية و بكوننا في وطن واحد يجب أن نتصالح. كلمات جميلة لا يمكن لأي كان أن يرفـضها. لكن ما من شك أن الممارسة التي شهدها الجميع في سنوات النكبة و الكابوسية الترويكوية من هجوم اللحى و الأعلام السوداء الداعشية و بروز الإرهابيـين على المنابر الإعلامية و بين أروقة المؤسسات الحكومية، حتى أن رئيس الجمهورية آنذاك استـقبل المدعو "ريكوبا" احد زعماء ميليشيات ما سمي بـ "حماية الثورة"، إضافة إلى الاغتيالات السياسية و تـنامي أعمال القـتل لجنود و أمنيي تونس الأبرار و لعل أبرزهم العملية الغادرة في سيدي بوزيد التي استهدفت إطارا امنيا بارزا معروف بثـقافته و دماثة أخلاقه و صدقه و إخلاصه في العمل و وطنيته في الذود عن أمن تونس من مواقعه التي اشتغل فيها و هو الشهيد "سقراط الشارني"، الذي تم اغتياله مساء انـتـظار خطاب رئيس الوزراء آنذاك "علي العـريض" لتـقـديم استـقالته، فإذ به يظهر في ساعة متأخرة من الليل ليتحف الإعلاميـين الذين انتـظروه من الساعة الحادية عشر صباحا حسب الموعد المعلن لمؤتمره الصحفي، ليقـول انه سيحارب الإرهاب. و طبعا كانت تلك مهزلة و سخرية و ضحك على الذقـون، فهو مطالب بالرحيل ساعـتها لكـونه متهم من الجميع بمسئوليته عن الإرهاب.
و إننا حين نـركـز على حركة النهضة في مضمار الحديث عن الوحدة الوطنية، فذاك بحكم ا ن أي حديث عن الازدواجية بين الخطاب و الممارسة يستـدعي مباشرة هذه الحركة التي أعلنت الخلافة السادسة عشية انتصارها في انتخابات أكتوبر 2011، و التي صاغت للشعب التونسي المنـفتح على العالم دستورا اخوانيا في جوان 2013 و الذي باركه رئيس المجلس التأسيسي آنذاك " مصطفى بن جعفر" الذي مثل حالة شيزوفرينية رهيبة لكـونه محسوب على العلمانيـين الاشتراكيـين فإذ به يبارك دستورا اخوانيا، تم الانـقـلاب عـليه بفضل الشارع المنـتـفض و انسحاب نواب المجلس التأسيسي المعارضين لحركة النهضة و انضمامهم إلى صفوف الجماهير في إطار ما سمي بـ"اعتصام الرحيل".
و الآن بمقاس زمني يتحـدد بالخريطة السياسية الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة في أكتوبر 2014 و التي تمكن فيها حزب نداء تونس من إحراز الأغـلبية بفضل تجميعه للأصوات المناهضة لحركة النهضة، تـتواصل حركة النـفاق السياسي و ازدواجية الخطاب. الجميع يتحدثـون عن الحداثة و الديمقراطية و العـدالة الاجـتماعية. لكن نجد ميزانية مناهضة للعـدالة الاجتماعية و نجد خطابا جديدا يصعـد في نبرة نكران الثورة حتى أن صحافية قـديمة الطراز تـقـول في التـلفـزيون ان من يـريد الانتحار فلينتحر في بيته. و فعلا فان الانـتحار يقض مضاجعهم. انه أعلى تعبير عن الحرية.
مع كل عملية إرهابية نوعية تخرج حركة النهضة و نداء تونس مطالبة بمؤتمر وطني ضد الإرهاب. أي ان التوجه هو حل إشكالية الإرهاب سياسيا، و تـقول الجبهة الشعبية ان حركة النهضة تـتحمل المسئولية السياسية في الإرهاب، فلا يحـدث المؤتمر.
بعد انـتـفاضة الشارع في شهر جانـفي المنـقـضي ذات الرسالة السياسية الواضحة نجد رسالة أخرى لم يعلن عنها و هي عدم الثـقـة في التـشكيلة السياسية التي تحكم البلاد، و تـدافعت الأصوات للتركيز على مشكلة التـشغيل و التـنمية و لكن الجزء الآخر من الرسالة يبدو انه لم يصل بعـد. الثـقة في السياسيين برمتهم.
و اليوم هناك هوة تـتـسع يـوما فيـوما بين الطبقة السياسية بجميع مكوناتها سواء منها التي في الحكم أو المعارضة، نظرا للتـشويش الكبير الحاصل في المشهد و نـظرا لقصور متوارث في المعارضة التي لم توفـق بعد في تكوين قـطب سياسي قـوي ملهم يـبعث الحماسة و الانـشـداد لأوسع فئة من الجماهير، و نطرا للمستوى الإعلامي الهزيل بشكل عام حيث يتصدر إعلاميون يفتـقـدون للثـقافـة السياسية المنابر السياسية.
وسط هذا الهذيان السياسي الذي يحيل إلى جميع توصيفات الضعف و الشيزوفرينيا و الهزال أمام شعب يكتسب يوما فيوما حالة متـقـدمة من الوعي على الطبقة السياسية المهترئة، تبدو الـدولة متماسكة بفعل ثلاث عناصر و هي أولا قوات الأمن المخـتـلفة و الجيش و ثانيا الإدارة التونسية برغم جميع سلبياتها، و ثالثا اتحاد الشغل و من ورائه من منـظمات المجتمع المدني.
أما اللعبة الديمقراطية على مستوى الأحزاب التي يحكمها منطق النـفاق السياسي، فإنها ستسير بالمشهد إلى اضمحلال القـاعـدة الانتخابية للجميع، و بالتالي المشروعية السياسية الضئيلة لأي منـتـصر حتى يصبح المواطن كأنه يتابع صراع الديكة و ليس صراعا سياسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أي تسوية قد تحاول إسرائيل فرضها في لبنان والإقليم؟


.. أي ترتيبات متوقعة من الحكومة اللبنانية وهل تُجرى جنازة رسمية




.. خبير عسكري: هدف عمليات إسرائيل إحداث شلل في منظومة حزب الله


.. نديم قطيش لضيف إيراني: لماذا لا يشتبك الحرس الثوري مع إسرائي




.. شوارع بيروت مأوى للنازحين بعد مطالبة الجيش الإسرائيلي للسكان