الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الجزائر مهددة فعلا في أمنها الإستراتيجي؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2016 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



كثر الحديث حول الأخطار المحدقة بالجزائر، لكن أختلفت القراءات والتوظيف لهذه التهديدات، فالبعض من قوى المعارضة يستهين بها، وترى أن السلطة تستخدمها كفزاعة للإبقاء على الوضع كما هو، والذي يخدم مصالح المستفيدين منه، لكن هل القراءة صحيحة من الطرفين؟، فليس أن الجزائر مهددة في أمنها معناه نبقى مكتوفي الأيدي، نتفرج وندافع عن الوضع المتأزم، ونرفض إدخال أي إصلاحات عميقة للدولة، تتماشى مع تطورات المجتمع، وهدفها إخراج الدولة الوطنية من المأزق، والتي ضحى من أجل إقامتها ملايين الشهداء غبر تاريخها الممتد على آلاف السنين، فبالعكس يجب الإسراع والعمل بذكاء لإدخال إصلاحات عميقة، إن كانت لنا بذرة وطنية، ونخشى على مصير أمتنا ودولتنا، لأن أي إصلاحات ديمقراطية التي ستـأتي في فوضى، وتحت ضغوط داخلية أو خارجية، سيكون مآلها الفشل التام، وقد عرفنا مصير ما وقع في الكثير من الدول التي عرفت ما سمي ب"الربيع العربي"، كيف أنهارت تماما بسبب رفض سلطات هذه الدول لكل المطالب الإصلاحية من مختلف القوى، خاصة الديمقراطية منها، وقد عرفنا ذلك خاصة في سوريا وليبيا، وكان التأجيل لها أو الإلتفاف حولها، يتم بواسطة عناصر محافظة تدافع عن مصالحها تحت غطاءات شتى.
عرفت الجزائر عشية أكتوبر1988 نفس الصراع بين المجافظين والإصلاحيين داخل السلطة وخارجها، فالتماطل الذي عرفته تلك الإصلاحات بسبب مختلف العراقيل التي وضعت في وجه صاحبها الرئيس الشاذلي بن جديد ومنظرها مولود حمروش، أدت بنا إلى أكتوبر 1988، ففشلت بعدها المحاولات الإصلاحية الديمقراطية، لأنها تمت تحت ضغوط داخلية وفي فوضى، وأختلطت بمناوارات من عدة أطراف، وظفت وأستخدمت الفيس المنحل لإجهاضها فيما بعد والعودة بنا من جديد إلى نقطة الصفر، لكن لحسن حظ الجزائر آنذاك أنها حافظت على كيان الدولة، ولم تتفكك، ويقع لها نفس ما وقع في ليبيا وسوريا، ويعود ذلك إلى بقاء مؤسسة الجيش موحدة وصامدة في وجه الإعصار، في الوقت الذي أنهارت فيه كل المؤسسات الأخرى، فأكبر مشكل تعانيه بلد مثل ليبيا اليوم هو عدم وجود مؤسسة عسكرية قوية وموحدة تعيد بناء الدولة ومؤسساتها من جديد.
ومن حظ الجزائر آنذاك عدم وجود مشروعا شرق أوسطيا جديدا لتفيت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما لم تكن الجزائر محاطة مثل اليوم بتهديدات أمنية على الحدود، كما لم تعاني الرأسمالية العالمية بأزمة دورية كما اليوم، بل بالعكس كانت في نشوة إنتصارها على المعسكر الشيوعي، لكن اليوم هذه الأزمة الدورية للرأسمالية، تهدد كيانات دول تعد مجالا حيويا للدول الرأسمالية الكبرى مثل الجزائر بالنسبة لفرنسا، فالأوضاع اليوم تختلف كثيرا عن الأوضاع في نهاية الثمانينيات، مما يتطلب تضحيات كبرى من رجالات السلطة والمعارضة على حد سواء، لأنه لو وقع إنفجارا داخليا شبيها لإنفجار أكتوبر1988، فيمكن أن تذهب الجزائر في مهب الريح، فقد تغيرت أمورا كثيرة، مما يتطلب قراءة صحيحة للوضع الوطني والأقليمي والدولي.
نعتقد أن الجزائر ستعيش مستقبلا تحديات كبرى، يصعب مواجهتها، إن لم نحقق الإلتفاف الشعبي سلطة ومعارضة لمواجهتها، وأكبر خطر يهددنا هو التنظيم الإرهابي "داعش" الذي ما هو إلا أداة تستخدم لتدمير دول، بعد ما وجدت عدة قوى كبرى أرضية أيديولوجية تسهل إنشاء تنظيمات إرهابية، وتجنيد الكثير من السذج والغوغاء لدعمها والقتال بداخلها معتقدة أنه "جهاد من أجل إقامة خلافة غسلامية"، وهي لاتعلم أنها تساق إلى حتفها بإسم "الدين"، كما ساق لورنس العربي عرب المشرق أثناء الحرب العالمية الأولى إلى حتفهم تحت غطاء"العروبة".
فبعد تدمير"داعش" للعراق وسوريا، تم الضغط عليه، كي ينتقل إلى ليبيا بهدف تدميرها، واليوم هناك إستعدادات لتدخل دولي للضغط عليه هناك، لينتقل إلى تونس الرخوة والسهلة السيطرة عليها، ليتم الإنتقال إلى الجنوب الجزائري الغني بالنفط مطبقين إستراتيجية السيطرة على الأطراف والموارد المالية لمحاصرة المراكز.
أن أي تدخل دولي في ليبيا معناه إنتقال الداعشيين إلى تونس والجزائر، والذي سيرافق بتفجير داخلي بسبب الإنهيار اليومي للحياة المعيشية للمواطنين بسبب إنهيار أسعار النفط، ففي هذه الظروف، سيعود من جديد كل الإرهابيين الذين أعاد إنتاجهم أيديولوجيا هذا النظام معتقدا أنه سيوظفهم لتخويف الشعب والقوى الوطنية الديمقراطية، فالأمر أخطر من التسعينيات، لأن على الأقل الجزائريون كانوا آنذاك واعين أكثر، وكانت للقوى الوطنية الديمقراطية مكانة معتبرة نوعا ما في المجتمع، وذلك على عكس اليوم، الذي سيطر فيه الفكر الديني المتطرف، بل يمكن لنا القول أن جزء من مجتمعنا قد تدعش بفعل سياسات ثقافية ودينية مارسها وشجعها النظام معتقدا أنها ستكون في صالحه، وسيستخدمها ضد القوى الوطنية الديمقراطية، التي تشكل خطرا على مصالحه، لما تحمله من مشروع بناء وطني ديمقراطي، فهناك تحالف موضوعي بين التيارات الدينية المتطرفة والأنظمة الإستبدادية في العالم العربي.
كما غاب عن الكثير أن أمريكا لم تكن يوما صديقة لنا، بل تحركها مصالحها، فهي واقعة تحت ضغط اللوبي الصهيوني الذي خطط منذ فترة لتفجير النظام الأقليمي العربي وتفتيته على أسس طائفية وأعراق وهمية، بدأت تطل برأسها في بلادنا المغاربية، فقد ألتقت مصالح الكيان الصهيوني مع المشروع الأمبرطوري الأمريكي الذي يستهدف إقلاق أوروبا أمنيا، خاصة في شمالها المتوسطي بتواجد إرهابي في جنوب المتوسط، خاصة في البلاد المغاربية، وكل من سوريا ولبنان، ويدخل ذلك كله في إطار الصراع خول الزعامة العالمية بين أمريكا والصين وأوروبا.
نعتقد أن الأوضاع تعقدت أكثر بتزامن عدة عوامل، وهي عودة الأيديولوجية التكفيرية متزامنة مع إنخفاض أسعار النفط بإنعكاساته الإجتماعية المغذية للإرهاب؟، ولعل يجيب البعض أن الجزائريين، قد أكتووا بتلك الأزمة، لكن غاب عنهم ظهور جيل جديد، لايعرف الكثير عن تلك المجازرالإرهابية، لأننا غيبنا تدريس تاريخها لأبنائنا في المدارس، كي لا تتكررهذه الظاهرة، وفضلنا طمسها والسكوت عنها.
لكن أضيف لأزمة التسعينيات تحديات أمنية على حدودنا، فليس كافيا توفر جيش قوي لحماية الحدود، إذا لم يصاحبه إقتصادا قويا وموارد مالية معتبرة، فقد أنهارت أمبرطوريات كبرى بسبب عدم توفر كلا الشرطين جيش قوي وإقتصاد قوي حسب دراسة المؤرخ الأنجليزي بول كنيدي حول نشوء وسقوط الأمبرطوريات، فأنهارت أمبرطوريات تمتلك جيشا جرارا، لكن إقتصادها ضعيف كالإتحاد السوفياتي، وينطبق هذا المبدأ على كل الدول التي تعاني تحديات أمنية كبيرة، وهو مايتطلب الإستنجاد بعبقرية خبرائنا الإقتصاديين والماليين لإيجاد حلا لهذا الوضع والكف عن الإعتماد على إنتهازيين، يبررون كل السياسات رغم علمهم في قرارة أنفسهم بأنها عديمة الفعالية.

البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA