الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المفتاح

رنا كواليت

2016 / 2 / 16
القضية الفلسطينية


بدأت قصتي مع المفتاح بعد مشاهدتي للمسلسل البريطاني القصير "الوعد" (The Promise)، والذي يحكي قصة فتاة بريطانية تسافر إلى فلسطين لمعرفة المزيد عن ماضي جدها الذي عمل كجندي هناك فترة الإنتداب البريطاني. وأثناء تواجدها في فلسطين، تتعرف الفتاة على حقيقة واقع حياة الفلسطينيين المؤلمة في ظل الاستيطان الإسرائيلي، وتمر بسلسلة أحداث تربطها بمذكرات جدها، وتصبح مهمتها قبل العودة إلى ديارها هي إيصال مفتاح منزل عائلة فلسطينية، قدم جدها لها يد العون، عندما إضطرت إلى هجر بيتها على أمل العودة عقب الاجتياح الإسرائيلي بين عامي 1946 و 1948. وتنتهي أحداث المسلسل بتمكن الفتاة من الوصول إلى ابنة صاحب البيت العجوز، والتي كانت ترقد على فراش الموت، وإعطائها المفتاح.

وعقب مشاهدتي للمسلسل حدث أن شارك أحد أصدقائي على صفحته على الفيسبوك في شهر نيسان من هذا العام صورة لمفتاح حقيقي قدم إليه كهدية من القدس. ومنذ وقتها وأنا أسعى جاهدة في البحث عن مفتاح حقيقي، لأهمية الرمز الذي يمثله أي مفتاح من تلك الفترة. ولكن كانت الأجوبة التي أتلقاها خلال بحثي تفقدني الأمل في العثور على واحد في الأردن، وذلك لأنه وبكل بساطة لن تتخلى أي أسرة عن مفتاح العائلة الخاص ببيتهم في فلسطين، فهو أحد الأشياء القليلة التي بقيت لهم هناك، وهو يمثل أمل العودة لديهم، فبهذا المفتاح سيتمكنون من تخطي عتبة منزلهم الذي استولى عليه المحتل.

مضت الأيام وما يئست في السؤال عن إمكانية إقتناء مفتاح لما له من معاني رمزية بالنسبة إلي، إلى أن شائت الأقدار أن تجمعني بالصدفة بشابة من رام الله أتت إلى عمان بغية العمل. وقد سمعت هذه الشابة حديثي مع زميلتها في العمل عن المفتاح فهبت بحماس تقول لي بأنه بامكانها الحصول لي على مفتاح أصلي من رام الله. وبعد بضعة أشهر، أتى هذا اليوم الذي حصلت فيه على مفتاح لمنزل في حيفا تركته العائلة، أو أعتقد بأنها ائتمنته عند عائلة أخرى في المدينة، عند خروجها منه مع أحداث النكبة عام 1948.

يحمل هذا المفتاح الحديدي البسيط، الذي يصل طوله إلى قرابة الثلاثة عشر سنتيميترات، العديد من المعاني التي تنقل حامله إلى عالم يبني فيه الأحداث والواقع كما سمعه من أجيال عاشت خلال تلك الفترة. يسرح في خياله راسماً صورة لشكل المنزل، ورقعة الأرض التي وجد عليها، والخضرة وأشجار الزيتون والطبيعة الخلابة التي أحاطت به، وهو بذلك ينسج حنيناً داخلياً غير مباشر إلى منزل أجداده الذي لم يره يوماً، ولكنه سمع العديد من القصص عنه، وكذلك الحال لبيوت أقاربه وأصدقائه ومعارفه الذين ذاقوا الأمرين.

ويبعث هذا المفتاح فيّ خليط من المشاعر التي يصعب علي وصفها. فكلما أنظر إليه أتخيل بأن جدتي هي مالكة مفتاح ذلك المنزل في حيفا، أقفلته في يوم من أيام شهر حزيران، حين قيل لجدي بأن عليها هجر منزله والنزوح مع عائلته إلى إحدى القرى المجاورة والمكوث هناك بضعة أيام إلى أن تهدأ الأوضاع ويتمكنوا من العودة هم وأهل قريتهم إلى بيوتهم. ولكن هذه الأيام القليلة آلت إلى أشهر والأشهر إلى سنوات، تنقلوا فيها من منطقة إلى منطقة، إلى أن أصبحوا لاجئين خارج حدود الوطن. ولم تعد جدتي تملك من بيتها غير هذا المفتاح والذكريات. وتتمسك جدتي بهذا المفتاح لأنه يمثل بالنسبة لها الهوية والعنوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة