الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنف والوعي الاجتماعي - توصيف في الحالة السورية -

يوسف أحمد إسماعيل

2016 / 2 / 17
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


الثورة بوصفها مسعًى لتغيير البنى العتيقة لصالح البنى الحديثة في المجتمع المدني، تشكل منظومة متكاملة، من القيم الاجتماعية في العدالة و الحرية والكرامة ، ومن القيم الأخلاقية السلوكية التي تتناغم مع مفاهيم القيم الاجتماعية المذكورة . ومن المعطيات البدهية لتلك القيم السعي بالحوار لحل الخلافات بين الآراء المختلفة أو بين وجهات النظر المتباعدة ، أو الاحترام المتبادل للمواقع والمواقف والتموضعات بعد الاتفاق المسبق على المعايير الأخلاقية الإنسانية الكبرى .
ومن بدهيات تلك القيم ، أيضاً، النظر بموضوعية إلى المكونات الاجتماعية في الوطن السوري ، باعتبارها جزءاً من ألوان طيفه وخصوصيته التي لا تسمح بالإقصاء و الإلغاء تحت أية ذريعة أو رؤيا أحادية أو تعميم .ثم النظر بسمو ّإلى مكوناته الاجتماعية جنسية كانت أو إثنية ؛ بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي. ثم يجمع تلك البدهيات النفور من الاستحواذ على الحقيقة، بوصفها ملكا لفرد أو جماعة .
تلك هي صور تجلي الوعي الاجتماعي في" الدولة المدنية التعددية " التي طالب بها النشاط الثوري السلمي قبل أن ينسحب من المشهد السوري بفعل بندقية النظام وسلاح الكتائب السلفية الجهادية .
والآن وبعد مضي خمس سنوات على ذلك الانسحاب تجذرت في السلوك الاجتماعي المظاهر النقيضة لتلك القيم الاجتماعية و مؤطراتها الأخلاقية السابقة المرتبطة بالحرية والعدالة والكرامة وحق الاختلاف والاعتقاد والتموضع ، فبدا المثقف أنانياًوحاداً وإقصائياًلا يقبل الاختلاف مع وجهة نظره أو موقعه أو تموضعه ، يبادر بالاتهام والشتيمة والسخرية ثم ينتهي بالإقصاء و الاستحواذ على الحقيقة بطريقة غير مبالية وساخرة، وإذا كان الموقف المختلف يصدر من أنثى فمصيرها لديه البعد الأخلاقي للمرأة كجنس وعورة يجب أن تصمت حتى لا تبدي فضائحها، وإذا كان المختلف صديقاعتيقا فإما أن يكون مصيره الجبن أو الانتهازية أو ... .
يمكن القول هنا : إن الوضع باق على ماهو عليه؛ فالحرب السورية أعادت إنتاج ما أنتجه النظام في الوعي الاجتماعي عبر أزيد من خمسين سنة من الفساد والاستبداد. ولكن لماذا تم إعادة إنتاج ذلك على الرغم من أن الحراك الثوري كان يبحث عن الخلاص من القهر والفساد ،وبالتالي تغيّر المنظومة الأخلاقية الفاسدة والمهينة ؟
إن الحراك الثوري الذي كان يبحث عن الحرية والعدالة لم يصل إلى النصر ، ولذلك فإن المنظومة السلوكية الأخلاقية التي ترتبط بدولته المدنية المأمولة لم تأخذ طريقها إلى الحياة ، وتلك الهزيمة فتحت الباب على مصراعيه لنشوء الكتائب المسلحة السلفية ، ورافق ذلك التكوين قيم خطاب الإسلام السياسي الذي يهتم بالدرجة الأولى بالسلوك الفردي باعتباره المحطة الأولى في بناء المجتمع ؛ ولذلك برزت في المناطق التي سيطرت عليها الكتائب الإسلامية مظاهر التدخل في الحياة الخاصة قبل البحث عن استراتيجية عامة لإزالة مظاهر القهر والفساد المنتشرة سابقا.
يضاف إلى ذلك أن حمل السلاح بحد ذاته نفي للآخر ، ويقوم على قتل المعارض له ، وإذا كان القتل هو نهاية المأمول ، فإن الافتقار إلى الحوار واللجوء إلى الشتيمة والتخوين والتكفير تصبح بدهيات مرافقة للعنف المباشر المتمثل بالحرب بين المتصارعين ، ومن الطبيعي أن العنف حين يصيب المرأة سيتمثل بتشويهها أخلاقياً خاصة في منظومة أخلاقية إقصائية ، وحين يصيب الطائفة سيخرجها من الوطنية ويلقي بها في ساحة التكفير والتخوين ، وحين يصيب الفرد داخل انتمائه سيصنفه في خانة الردة !
ومما زاد في قسوة الخطاب غير الأخلاقي المتفشي هو فداحة الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب السوري الأعزل داخلياً وخارجياً، على مستوى التمثيل وعلى المستوى الإنساني ؛ فصور الشتات والغرق والهجرة الجماعية بين القارات، في العراء وفي الكهوف وعلى الأسلاك الشائكة في الحدود الدولية لم تترك مجالا لغير النزق العاطفي والغضب الحاد أمام العجز عن فعل ما يوقف المأساة الهزلية الكبرى ... وجميع الأطراف المتصارعة تحمّل بعضها بعضاً مرجعية تلك الجريمة الإنسانية ، وبالتالي فإن أي اختلاف في وجهة النظر ولو جزئيا أو مرحلياًيشكل انفعالا حادايبدأ بالسخرية وقد ينتهي بالتجريم وغيره من صور العنف الأخرى .

.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي