الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع الرشيد...ضحية الحصار ام الحروب ام الاهمال؟

ابتسام يوسف الطاهر

2005 / 11 / 15
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


شارع الرشيد...
بعد عناء المناورة وتجنب الحمالين من الصغار والعجائز الذين ينوءوا تحت اثقالهم من صناديق واكياس، او يجرون عربات يدوية لم تبرح اوائل القرن الماضي بعد! خرجنا من سوق الصفافير الشهير (سوق صناعة وبيع الاواني النحاسية) الذي لم يبق به من الصفارين سوي القليل. قلت لاختي التي رافقتني وهي شاكرة لي فرصة زيارتها لذلك السوق الذي لم تره منذ عشرون عاما بالرغم انها لم تغادر بغداد! قلت اريد ان ازور شارع االرشيد,
ضحكت وهي تقول "انت في شارع الرشيد الان" . تلفتُ وانا اتساءل بدهشة واستنكار "اين؟ ...هذا؟" تطلعت للارض التي لاوجود لبلاط بها , نسير على طبقات من الورق والكارتون وكل مايرميه الباعة المتجولون اوالمحلات التجارية المتراصة على الجانبين.. كل شئ اختلط في ذلك الشارع العريق الضيق، تراكمت فيه المزابل التي لم يعبأ احد لرفعها، المحلات متاكلة الجدران والغبار يشكل لونا موحدا لكل المباني والحيطان، وتمثال الرصافي القريب من هناك ايضا,الذي تاملته وانا اتذكر ماقاله عن الاهمال لشارع الرشيد قبل ثمانون عاما:
نكب الشارع الكبير ببغداد.......ولاتمشي فيه الا اضطــرارا
تتراص سنابك الخيل فيه.........ان تقحمن وعثه والغبــارا
فهي تحثو التراب فيه على......الاوجه حثوا وتقذف الاحجارا
دكاكين كالافاحيص تمتد.........يميــنابطـوله ويــسارا

قبل اكثر من خمسة وعشرون عاما كنت اجري مسرعةاذا مامررت بذلك الشارع هربا من الزحام والضجة خاصة ايام الحر...لم اقف مرةلاتامل المباني الاثرية او التراثية، او لتامل الشناشيل المميزة فيه التي ابحث عنها الان..
يعتبر شارع الرشيد من الشوارع المهمة في بغداد لموقعه واحاطته بالمحلات التجارية ولتفرع اغلب الاسواق منه. افتتح عام 1916 من قبل والي بغداد العثماني (خليل باشا) وقد سمي الشارع باسمه سابقا، ثم تغير الى (الشارع الجديد)، و(الشارع العام) حتى سمي لاحقا باسم شارع الرشيد.
اليوم يشترك الشارع مع كل شوارع بغداد ومدن العراق بحالة الاهمال والتردي وعدم المبادرة لصيانة المباني او الشارع، كأن بعضها لم يخطو خطوة ابعد مما كان عليه قبل عقود من الزمن، فبدا عليها الارهاق والتعب والتآكل، كأن الزمن توقف ماعدا عوامل التعرية، التي ساهمت مع الحروب والحصار وانشغال النظام السابق بالقصور التي فاق عددها المستشفيات والمراكز الصحية. ساهمت بتردي الوضع والخراب الشامل واهمال كل المرافق الخدمية. ,اضافة لقطع الاشجار من الحدائق وبعض الشوارع، من قبل الناس خاصة في فترة الحصار ، فشحة الوقود دفع البعض لذلك العمل الذي ادى او يؤدي لكوارث طبيعية، فقلة الاشجار يقلل من احتمال سقوط الامطار وكذلك يجعل المنطقة مسرحا للعواصف الترابية الرملية، وليصبغ المدينة كلها بلون ترابي قاتم يبعث على الحزن والكآبة، اضافة الى مايسببه من مشاكل صحية للصغار والكبار.
سمعنا في الثمانينات عن حركة اعمار واسعة في بغداد حيث كان يتامل النظام البائد ان يعقد المؤتمر الاسلامي في بغداد في ذلك الوقت ولكن الغيت الفكرة بسبب الحرب مع ايران وقتها، لذا جرت تعديلات واقيمت مبان وعمارات سكنية حديثة ونصب ضخمة في الساحات والشوارع التي قد تمر الوفود الضيفة بها، لتكون مجرد غلاف لماع يغطي ماخلفه من عيوب، كما رايت في شارع حيفا حيث العمارات الحديثة على جانبي الشارع، والتي بدا عليها الاهمال هي الاخرى من تآكل حيطانها التي علاها الغبار، تخفي خلفها احياء فقيرة قديمة متراكمة على بعضها تعوم على اطنان من المزابل، المجاري مهملة لشوارع ضيقة،الامر الذي انعكس على سلوك سكانها، فلا يجرؤ احدا من خارجها على السير فيها بامان!
هناك اهتمام بالشوارع الحديثة التي اتسمت بالاتساع وكلها ذات فسحة لاباس بها تفصل الجانبين ولكن تتوسطهاالمزابل على طول الخط بدلا من الاشجار.
فهل كثير على تلك الارض التي فاقت الانسان العراقي صبرا وتحملا، ان نقابلها بشئ من الاهتمام ردا لجميلها؟
هل اتهم بالبطر، لو طالبت المسؤولين بقليل من الشعور بالمسؤولية لتادية واجبهم بشكل معقول، والاهتمام بالعاصمة على الاقل، عاصمة الرشيد، مدرسة الدنيا سابقا؟
تلك الامور لاتتطلب ميزانية او جهد كبيرين، غير شئ من الهمة والاخلاص بالعمل وقليل من التضحية ونكران الذات. فلابد انهم ،اي المسؤولين، قداخذوا درسا وعبرة من سابقيهم من الحكام الانانيين الجشعين، وكيف ان لا القصور ولا حقائب الدولارات التي خبئوها بحفرهم او التي هربوها قد نفعتهم! فليس كثيرا علي الحكومةالحالية اوالاتية قريبا، ان تهتم بصيانة المباني التراثية والشوارع الرئيسية مثل شارع الرشيد، ليس كثيرا ان تستثير همة الشباب المتحمس لعمل حملة تشجير واسعة لكل الشوارع في كل المدن لصد العواصف الرملية والترابية التي تنافس جحافلها الارهابين على خنق البشر!
فبتوفير حماية بسيطة للشباب العاملين , لحمايتهم من اعداء البشر والشجر من الحاقدين على الحياة، مع مبالغ نسبية للتحفيز، سنري عراقا اخضرا بشوارعه وروح اهله الذين اتعبتهم المناظر الكئيبة المحزنة, من التي تذكرهم بالماضي الكارثي.
ولااعتقد كثيرا على المسؤولين الاتفاق مع اي شركة حتى لو كانت اجنبية للنهوض بتلك المهمة.

لندن 11/11/200








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسارع وتيرة الترشح للرئاسة في إيران، انتظار لترشح الرئيس الا


.. نبض أوروبا: ما أسباب صعود اليمين المتشدد وما حظوظه في الانتخ




.. سبعة عشر مرشحا لانتخابات الرئاسة في إيران والحسم لمجلس الصيا


.. المغرب.. مظاهرة في مدينة الدار البيضاء دعما لغزة




.. مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بالإطاحة بنتنياهو