الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزوع العرباني و عشق النكوص نحو المستنقعات

محمد محسن عامر

2016 / 2 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في مثل هذا اليوم , في عالم عربي يرزح تحت الاضطهاد السياسي المدعوم و المبارك من الرأسمالية المسيطرة على الكون . و بينما كانت تطحن عظام الفقراء تحت أقدام الاستغلال المافيوي للعائلات الحاكمة , تجرأت شرذمة قليلة على كسر طوق الصمت الرسمي و الاستبداد الرسمي و التعذيب الرسمي و الجوع الرسمي و تفجر صرخة حرة سمعت أصدائها في جنبات الخيمة العربية المتخمة بالنفط و القمع و الاستبداد . و ما فتئ أن ازداد الصراخ من هنا و هناك حتى تحول إلى ريح أسقطت الخيمات واحدة تلو الأخرى و ظهر كم هو سهل التجرأ على النظام و لكم هو جبان ضعيف و بلا حيلة .
يقول الروائي الليبي عمر ككلي صاحب كتاب "سجنيات" و أحد سجناء الرأي في عهد النظام الليبي "شاهدت في فيلم وثائقي عن الغزو الأمريكي لفيتنام كيف كان الفيتناميون_رجال ونساء، كبارا وصغارا، وهم في الملاجئ تحت قصف الطائرات وطائلة الأذى والموت_ يلجأون إلى الغناء الجماعي. لم يكن غناؤهم بالطبع يوقف سقوط الصواريخ أو يحول دون الإصابات الجسدية. لكنه كان يحفظ تماسك الروح ويحفز العزيمة وشهوة الحياة. فما الذي يتحتم على السجين فعله لحماية كيانه؟ لا ينبغي الصدام مع حالة السجن، لأن ذلك سيؤدي إما إلى الجنون وإما إلى الانتحار. كما لا ينبغي،بالمثل السماح له باستبطان الذات والتسليم بأن الساجنين محقون في فعلتهم هذه، لأن هذا امتساخ للذات وخراب للروح يمثل انتحارا معنويا قد يؤدي هو الآخر إلى نوع من الجنون".
بعد سنوات من سقوط أعتى الأنظمة الاستبدادية قهرا و نجاة بعضها لا لشرعية مزعومة و لكن لأن عمود خيمتها الذي نخرها السوس دعّمت بدعامات من الإسمنت المسلح روسي أو أمريكي او إيراني الصنع . هكذا بعد أن غامت السماء العربية بطائرات السوخوي و الأف 16 و الصواريخ العابرة للقارات لتصحح مسارا لا يرضي الفاعلين الدوليين الكبار أونتيجة ما وصلت إليه سياسات الشد و الجذب بين عمالقة العالم في إطار اقتسام مصالح المهوسين بالوصول للبحر المتوسط و المدافعين عن مصالح مشائخ الظلام لينشأ وفاق مبني على جماجم الشعوب العربية التي تجلد منذ سنوات حدا مقدسا على جريمة الانتفاض.
المحزن في كل ما يحدث في هذا العالم العربي ليس أنهار الدم " الديمقراطي" الذي يسل و لا موجات الشر الشيطاني الذي يكتسح الرقة و الموصل و درنة و جبال المغرب العربي و لا كل هذه الرائحة المليئة بالموت. المحزن هو هذا الوعي النكوصي نحو مستنقعات الماضي , وعي النخبة الذي الذي لا يحاول تأول هذا الواقع الغائم على أرض نظرية رخوة و سماء مسخمة بدخان طائرات الغرب فيعجز , أو لنقل يجبن على أن يتحلى بالشجاعة الأخلاقية و السياسية ليقول أن الحاضر في كل الحالات و إن كان شكلا أسوء و مأساويا قياسا بالماضي الإستبدادي هو حالة تقدمية في سياق حركات تحرر الشعوب من الإستبداد . ذلك الوعي المخصي الذي يرى في طريق التحرر مسارا واحدا أوحدا يحتاج لمفاتيح نظرية في أغلبها شعارات أيديولوجية جوفاء هي طريق خلاص أمن نحو الحرية و حقوق الإنسان و الديمقراطية و العدل . يرتد كما يرتد أي وعي عاجز على مجارات التاريخ للماضي ليعتد ب زعامات الماضي الكاريزيمة التي لا يفوته أن يلبسها جلابيبا و سحنا وطنية باعتبار إجابة عاجزة عن الأمس.
النخبة العربية "التقدمية" مضت في مسارين كلاهما عاجز على المراكمة نحو المستقبل كبرميل بلا قعر. خط ليبيرالي يرى في الواقع إجابة ديمقراطية عن أسألة الماضي المستبد و نخبة ضالة اخرى ترى أن ما حدث مؤامرة و _إن كان في جانب منه صحيح_ بالتالي فالماضي بما فيه من استنقاع حالة تقدمية و ملاذ امام سيل الهزائم المتكررة.
علينا ان نتحلى بالشجاعة السياسية و الأخلاقية و نقول , أن كل الأنظمة التي حكمت هي أنظمة كابتة للتحرر بل و أكثر من ذلك هي دعامة المحافظية الاجتماعية التي خرج من جانب منها الإسلام السياسي الذي ما يلبث أن يكشر عن أنيابه الدموية متى عنّ للفاعليين الدوليين استغلاله . و أن موازين القوى الدولية و الداخلية دفعت حالة الانتفاض الشعبي لا نحو تحقيق المهام الديمقراطية بمعناها السياسي و القانوني و الاجتماعي بل نحو الفوضى و القتل هي طريق موضوعي نحو التحرر و رج هذه البنية الاجتماعية حتى تتشكل المواجهات السياسية مع الأعداء التاريخيين للتحرر في الضوء لا أن تبقى في قمقمها و لا تتحرك إلا داخل وضع مختار سلفا من القوى المعادية للتحرر في العالم العربي.
بالتالي على النخب السياسية و هي تقف اليوم في ذكرى بداية الإنتفاضة الليبية التي حولها الغرب إلى مستنقع قتل و سجال سياسي لا مواطني يتحدد بقوة السلاح و الوزن القبلي ان تفكر داخل اللحظة لا خارجها . بمعنى أن تفكر في المهام السياسية التاريخية الراهنة لا ان تخرج جوقة البكائيات و تزيد من عزلتها السياسية عزلة أيديولوجية جديدة تنزع القوة عن التاريخ و تلبسه للزعامات الكاريزمية التي حكمت قوة ميتا تاريخية تستدعيها كل ما عجزت على التفكير في رهانات الواقع . إن التفكير في الإنحطاط من داخل منظومة الانحطاط و ميكانيزماتها المتحجرة لن ينتج في أحسن الأحوال إلا مواقف سياسية و فكرية هي تدعشن فكري و محافظة لا نماري القول أنها لا تختلف كثيرا عن الدعشنة الدينية.. بالتالي في ذكرى سقوط أي طاغية علينا ان نتوقع على البكاء عن الإستبداد بل أن نزيد في الإلحاح في البحث عن الأسباب الحقيقية للانحطاط و طرح حلول تاريخية للتحرر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو