الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلافات التجمع المعارض في سورية: ظاهرة صحية أم ماذا؟

أحمد مولود الطيار

2003 / 1 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


أخبار الشرق - 22 كانون الثاني 2003

كتبت هذا المقال بعد تقرير نشرته صحيفة الزمان تحت عنوان "خلافات داخل التجمع المعارض في محاكمة أمين عام الحزب الشيوعي السوري - القاضي يلوح بتحويل المحاكمة إلى سرية والترك يعتصم" (بتاريخ 21/5/2002). ترددت وقتها في نشره لأسباب كثيرة أقلّها حتى لا يقال "يصب الزيت على النار". لكنني بعد الحديث المطول لداعية الديمقراطية وحقوق الإنسان الأستاذ رياض الترك الذي نُشر في أخبار الشرق (بتاريخ 23/12/2002)، أيقنت انه لا يمنع من دفعه إلى النشر حرصاً على النقد ودفعاً لعملية الحوار إلى مبتغاها.

أثار خبر محاكمة رياض الترك في الزمان (المذكور أعلاه) ردود فعل متباينة بين مؤيد يرى في هذا المقال داعماً لخطه في نقد قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بسبب قصورها وإهمالها وخروجه عن الثوابت في مناسبات وتصريحات عدة، ويأتي التأييد أيضاً من فهم متقدم من وجهة نظري لأهمية ودور الصحافة كسلطة رابعة تنقل الخبر وتقيم وتنتقد وتحلل؛ وبين معارض حجته في ذلك هو عدم نشر غسيلنا في الصحافة وان التقصير والإهمال إن وجد فيمكن معالجته في أروقة التجمع وكذلك أيضاً من فهم شمولي لدور الصحافة لا يرتقي حتى ولا ينفذ إلى جوهر ومفهوم الصحافة الذي يطالبون ويتغنون به باستمرار حول حرية الصحافة وحرية النشر ولو قُدر لهم مسك مقاليد الأمور لما استطاعوا في أحسن الأحوال إنتاج أفضل مما تجود به صحافة الحزب الحاكم في سورية الآن.

يخطئ من يظن أن التجمع الوطني الديمقراطي في سورية مجتمع ملائكة، كذلك يخطئ من يظن أيضاً انه كتلة واحدة متجانسة، من يفكر بهذا الشكل فهو لا يزال يرزح تحت وعي شمولي مفرداته: البذلة الكاكي أو الزرقاء والشعار الواحد والأيديولوجيا الواحدة التي لا يأتيها الباطل لا من تحتها ولا من خلفها، فنحن لسنا في درس للنظام المنظم فطبيعي جداً الاختلاف وطبيعي جداً التنافر وطبيعي جداً الجدل الذي يصل أحيانا إلى حد الصراخ وربما في لحظات الانفعال إلى السباب والشتائم، ولكن ما هو مهم هو وعي هذا الاختلاف وتجييره وتسخيره لخدمة الوطن لا للتكسب ولا لتكسير الرؤوس.

فالتجمع ليس حزباً واحداً له برنامجه الخاص به لاغياً بذلك البرامج الخاصة بالأحزاب وكذلك ليس له القيادة المنتخبة ديمقراطياً التي تقرر ما يصح وتحجم عن الذي لا يصح حسب ما تقتضيه اللحظة السياسية وفق مرجعية وبرنامج واضحي المعالم.

التجمع أحزاب خمسة وشخصيات مستقلة لكل ميوله ومشاربه الخاصة، والتحالف بين هذه الأحزاب والشخصيات جاء على أساس من الثوابت الوطنية والقومية وإخراج البلد آنذاك من حالة - للأسف - لا زالت مستديمة. لم تتدخل أحزاب التجمع في برامج بعضها البعض ولم تدخل في معترك الأمور التفصيلية والصغيرة فهذا متروك أمره للأحزاب نفسها.

طبيعي والحال هكذا أن نجد الاختلاف. واقع الحال يقول هذا .. لا بد من الاختلاف، لا بد من تعدد الرؤى، لا بد من وجود معارضة داخل المعارضة، لا بد من وجود تيار متشدد وتيار يسوس الأمور من زاوية ونظرة أخرى مختلفة، يجب أن يكون هناك بارومتر للتيار المتشدد هو نفسه التيار الهادئ أو اللين أو العقلاني كما يحلو لأصحابه أن يسموا أنفسهم لكي ليكون التشدد غير ذي نفع. كذلك يجب أن يكون هناك بارومتر للتيار المسمى عقلانياً أو اللين أو المائع (كما يحلو لبعض دعاة التشدد نعت رفاقهم على الضفة الأخرى). هذا البارومتر هو نفسه التيار المتشدد لكي لا يذهب أصحاب التيار الآخر في انزلاقات لا تحمد عقباها.

طبعاً يخطئ من يعتقد أنني أقصد بالتيار المتشدد الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي، وبالتيار المعتدل حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، فهذا الفرز ميكانيكي ولا أساس له من الصحة، فضمن الحزبين الأكبر في التجمع يتداخل التياران في الحزب الواحد نفسه.

إذاً عيني عليك وعينك علي، أراقبك وتراقبني، أنتقدك وتنتقدني، لا لكي أتصيدك وتتصيدني، وإنما لحفظ التوازن لكي لا أتصلب فأُكسَر ولكي لا تكون ليناً جداً فتُعصَر، وسواء كُسرت أنا أم عُصرت أنت فهي بالتأكيد خسارة لكلينا.

هذه هي الديمقراطية من وجهة نظري، تعدد في الرؤى. وفي حالة التجمع الوطني الديمقراطي لا شك يوجد تياران .. مدرستان لكل منهما رؤاه وتصوراته. ولا مشكلة هنا، لا خوف على التجمع ولا على الديمقراطية، ولكن الطامة الكبرى والخوف كل الخوف هو التفريط بالثوابت التي وضعها التجمع إبان تأسيسه، والتي اشتغل عليها منذ ذلك التاريخ ولم يحُد عنها في أوج أزمة الثمانينات في سورية، والمتمثلة في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ورفض بنية ونهج النظام. إن التفريط بهذه الثوابت تحت براغماتية سياسية تدعي الحكمة لنفسها والتهور والطيش لغيرها لن تحصد شيئاً ولن تقبض سوى الريح، وسيفرط عقد التجمع ويتذرر إلى غير رجعة، وسيقال وقتئذ: على نفسها جنت براقش، ولن تنفع الحكمة ولا التهور في رأب الصدع.

قد يحتج البعض على قولي بأن قيادة التجمع غير منتخبة ديمقراطياً، ويدلل على رأيه بأنه كانت هناك مؤتمرات أفرزت قيادات منتخبة. لن أطيل التفكير في الرد على هذا الرأي سوى القول: إن السرية لا تفرز ديمقراطية، ومعظم هذه القيادات الموجودة في كل أحزاب التجمع بلا استثناء انتُخبت في زمن السرية الذي لا يزال مخيماً رغم ادعاء العلنية.

__________

* كاتب سوري

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار