الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موْتُ غريب

مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)

2016 / 2 / 20
الادب والفن


الى الغائب الحاضِر
(مصطفى أبو كاته )

كأنه لَمْ يكُن هنا بيننا ، ولَمْ نشارِكه الأماكِن والذكريات ، لنتقاسَم الحلم والأشياء نفسها
لنكون أقرب اليه مِن أقرب شيء الى ما تراه عينيه
عاش وحيداً غريباً ، كان ينتظِرُ أشياء فقدَها في زحمة الانتكاسات وخسارة الحروب
كان ينتظِر أشياء لَمْ تأتي ، لَمْ تحدث ، لعصورٍ لَمْ تمُر ، لقمرٍ لا يطلع ليكشِف براءة
الشوق في ظلمة الغياب
كان البائس مَن يجمع ويحتفظ بكل الأشياء الحزينة لتذكِره بأجمل الأيام وفرحها
لكنه كان يعرِف الأشياء حوله ، ويعرِفُها بأسمائها وألقابِها ، ولهذا هو كان يعشق
الأرض والشجر ، كان يعشق الأشياء التي لا تتغيّر ولا ترحل ، لأنها قريبة منه
وهو قريبٌ منها ، فيعانق أركانها أينما شاء ، ليلمسها أينما أراد ، وليراها دائماً
كان يقول ! اِن لَم تلمس قطرات ، وتشُم رائحة ندى الصباح ، فأنتَ غير موجود
بل انتَ لَمْ توْلَدْ لهذا الجمال العفوي لتستمتع به
كان يحب كل الأشياء حوله ويعشق اجملها
اخذَتْ الأقدار منه كل شيء ، ولَمْ يبقى له سوى سهر الليالي بين زوايا العتمة
صديقاً للوحدة ، للسكون ، صديقاً للظلام والغربة
يحتَفِل بقدوم يوم جديد ليأتيه بخبرٍ مِن بعيد عن الغائبين ، ربما سيطُل ظِلَ
وطيْفَ مَن رحلوا ولَمْ يعودوا
يشاركه الانتظار واللهفة ، قمرٌ بائس ، وسماءٌ عارية واضحة كالأفكار
كالأحلام التي تسكُن رأسه المتعَبْ
يبحث عن صديقٍ عن قريب ليشكوا له ، ليشاركه شقاء الانتظار في زمن
الرحيل والاغتراب ، ليشاركه أحلام السنين القادِمة
هو يبكي لرحيلٍ قديم ، يندم ويحزن ، هو يدري انه المستحيل أن تعود
الأشياء المفقودة ، وأن الحياة ستكون كالأمس جميلة
يهذي مِن جديد ويقول للقمر والوِحدة ! لوْ تدري يا رفيقي في الشقاء
لوْ تدري مَن أنا ولماذا تغيّرتْ كل الأشياء حولي
أنا فارس العصور القديمة ، أنا مَن أخذ لقبه بعدَ لسانه
أنا مَن تكلَمَ عندما صمَتَ الجميع ، وعندما هجوني ، تبِعتُ الصمْت
أنا علامة استفهام ليومٍ آتي ، أنا الحزين الأبدي على أطلال هذه الحياة
القاسية الخالية مِن كل شيء
ينشُدُ مرثيةً جديدة ، يلعَنها ويمزِق كلماتها ، يكُف عن الغناء ، عن النشيد
يكُف عن البحث العميق تحت جذور أحزانه وأسبابها
يقول كلمات غير مُنظمة ، كلمات عشوائية ويبكي مِن جديد
يلعَنْ القدر ويقول لكل الناس حوله ، كان أبي يغرُسُ يديه في الأرض
كمحراث ، فينبُتُ الزيتون والعنب
كان جِدي هنا يسكن ، وبقي في البيت يتعبد في محراب أولاده وكنيته
يصرخ ، اريد أولادي ، أريد عائلتي ، أريد مَن ذهبوا ، مَن رحلوا
ليتهم يرجِعون ، فيبكي للمرة الستون
هو يحب الأشجار ، ولكنه يحب الأطفال أكثر
هو يفضِل السكون ، لكنه يحب صراخ الأطفال أكثر
هو حزين دائم ، هو مَن انتظر ، وانتظر ، مات غريباً وحيداً
أعطى للقمر وشاح الانتظار ، أعطاه كل السهر
أعطى السماء الفارغة حوله ، أعطاها كل صكوك الأحلام
لكل السنين التي مضَت
مات غريباً مَن كان يحب الأطفال والشجر
مات ، مات ومضى في زحمة الانتظار ولسفر
ليْتك لَمْ تشتري وعوداً مِن القمر ، ليْتك لَمْ تسهر على أطلالنا تسهر
ليْتك لَمْ تشقى ، ليْتك لو أوقفتَ عقارب ساعات القدر
لوْ تدري يا عاشق الأشياء المفقودة ، لوْ تعلَمْ كم مِن السنين مضَت
عليك ، ذرفت فيها كل الدموع ، على جرح لم يلتهب
تُعيد هذيانك وتقول إنهم آتون ، آتون رغم السفر
أيُ داهية ، أيُ قدرٍ ، أيُ زمنٍ ، أيُ دهر
سيرْجِع للقلب المحطم ، للعيون الشاردة الحزينة ، ما هدَر
أيُ سحرٍ ، أيُ صدفة ، أيُ معجزة ، لتوقِف بيديك القدر
وتقول انهم آتون ، آتون ، اني اراهم مِن خلف الأفق آتون إليّ
ليْتك لوْ فعلت شيء عند الرحيل ، ليْتك لو قلتَ شيء
ليْتكَ لمْ تغفو لتحلم بالغائبين
كم مِن الأيام قتلْتَ على مفترق الطرق لتنتظِر
وتقول ، جُلْتُ كل الطرق ، لمْ يبقى طرق
وتصمت .. تبكي .. وتحزن .. وتغني مرتيتان ، واحدة لك
والأخرى للأطفال والشجر
هكذا يا غريب مُتَ وحدك وكأنك لمْ تكن
تذهب وتترك الأشياء مِن بعدِك ، عالقة مجمدة تنتظِر
هو كان بيننا عصفور يغني عشه
هو الحاضِر الغائِب مَن كان يشكوا دهره
لا تنكشوا الذاكرة في قلبه
لا تبحثوا عن المفقود في قبره
إحفروا في قلب الأرض إسمه

مصطفى حمدان
1982








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنا والست والجيران?? علاقة ممتعة بين مزاج صلاح عبدالله وصوت


.. كل الزوايا - الفنان أيمن الشيوي مدير المسرح القومي يوضح استع




.. كل الزوايا - هل الاقبال على المسرح بيكون كبير ولا متوسط؟ الف


.. كل الزوايا - بأسعار رمزية .. سينما الشعب تعرض 4 أفلام في موس




.. رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة يوضح الاستعدادات لعرض افلام