الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحافة الوطنية العراقية في خدمة الأرهاب؟!

سعد الشديدي

2005 / 11 / 16
الصحافة والاعلام


عبّر عددٌ من الصحف وشبكات الأذاعة والتلفزيزن الفرنسية، من ضمنها كبريات الصحف الباريسية وشبكات اللأذاعة المسموعة والمرئية، عن رغبتها في ممارسة نوع من الرقابة الذاتية على ما تنشره من تقارير وأخبار تغطي أعمال العنف التي اجتاحت العاصمة الفرنسية مؤخراً.
فقد أكتشف بعض المحررّين الصحفيين بأن المجموعات التي تمارس العنف كانت تتصلّ بوسائل الأعلام قبل إلبدءِ باشعال الحرائق في السيارات والمحلاتِ العامة وتطلب من الصحفيين الحضور الى عنوان محددّ ليقوموا بتغطية الحدث. وأعلن أكثر من متحدث بلسان وسائل الأعلام بأنهم وقعوا ولأكثر من مرّة في فخّ من أسموهم بالمشاغبين. إذ كانوا يسارعون، الى حيث تضطرم النيران ويصطدم رجال الشرطة مع المتظاهرين، ليقوموا بإداء عملهم بما يفرضه عليهم ضمير المهنة او سكرتاريا التحرير. وقام اغلبهم بذلك وبمستوى عالٍ من الأداء الحِرُفي والحرص الوظيفي.
ولا نعلم ما هي الأطر التي ستسنها تلك المؤسسات الصحفية في تعاملها مع أحداث العنف التي ما زالت تضطرم نيرانها في شوارع وأحياء باريس الفقيرة. ولكن من المؤكد ان وسائل الأعلام بدأت بمراجعة أساليب عملها بشكلٍ جديد والنظر الى الحدث من زاوية المصلحة العامة وليس فقط من باب ما تفرضه عليها مستلزمات الحرفة وتقاليدها والقواعد الأخلاقية التي تتحكم بها.
تشكّل الصحافة في عالمنا المعاصر واحداً من اهم أعمدة اللعبة الديمقراطية. وهي بهذا المعنى ليست شكلاً من الكماليات أو مظهراً من مواقف البذخ الثقافي. بل قناة من القنوات المهمة لنشر الوقائع والأحداث والأرقام والتحليلات والمواقف، تمنح الفرد فرصة لتكوين صورة لا بأس بها عمّا يجري حوله تساعده في اتخاذ القرارات والمواقف أمام صناديق الأقتراع يوم الأنتخابات.
اذن فالصحفي، من هذا المنظور، لا يقلّ اهميةً عن عضو البرلمان بل يتفوق عليه أحياناً كونَه هو الذي يساعد المواطنين على أختيار السياسيّ لكرسي البرلمان أو أبعاده الى الشارع منتظراً الدورة الأنتخابية القادمة. وبإمكان الصحفي الحاذق تحويل الريشة الى دجاجة والحبّة الى قبة والملائكة الى شياطين إذا ما أراد. ومن هنا جاءت خطوة المؤسسات الأعلامية الفرنسية للتعامل بحذر مع الأحداث بعد أن تيّقن بعض الصحفيين بأن دور الأعلام كان حاسماً في انتشار ضرام الأحداث وتوسع مدياتها. وحصل البعض على قناعة بأن قيادة "انتفاضة" احياء المهاجرين الفقيرة في العاصمة الفرنسية قد أفادت كثيراً من التغطية الصحفية للأحداث.
تعي الحركات السياسية في زمننا بأن أي من أنشطتها، بدءاً من الحملات الأنتخابية على المستوى الوطني وانتهاءاً بالأعلان عن الأجتماعات السياسية الأقل أهمية مروراً بالأضرابات والتظاهرات وحالات العصيان المدني سواءاً كانت في اطار القانون ام خارجه، لن يكتب لها اي نجاح دون تغطية أعلامية متميزة.
فالصحافة أذن سيف ذو حدّين والسير في طريقها ينبغي ان يكون كالسير على الصراط المستقيم يوم القيامة. فأما السقوط في جحيم الفوضى أو الوصول بالمجتمع الى النظام والرفاهية وجنات النعيم.
وهذا ينطبق على كلّ البلدان بما فيها العراق الذي يمرّ منذ سنتين بحالة من الفوضى العارمة وأنعدام الأمن. ولكنّ المثير للدهشة، مقارنة مع موقف وسائل الأعلام الفرنسية، أن مؤسساتنا الأعلامية العراقية لم تقم حتى هذه اللحظة بأيما عملية من عمليات الرصد والتحليل او النقد لدورها وأساليبها في تغطية الأحداث خصوصاً العمليات الأرهابية التي اصبحت أخبارها كاملة الحضور في الصحف ومحطات الأذاعة المسموعة والمرئية.
من الواضح تماماً أن المجموعات التي تمارس الأرهاب في العراق تشّكلُ حالات معزولة لا تستند الى تأييد جماهيري أو عمق شعبيّ. انها جُزر منعزلة تسعى بكل ما أوتيت من جهد وذكاء لتبقى مختفية عن الأعين. ولكن، وفي ذات الوقت، تسعى، بكلّ خبث وعدوانية، لأن يكون لها حضورها العنيف والمدويّ في الحياة السياسية.
وأذا كانت تلك المجموعات تضمن الأختفاء عن طريق استعمال اساليب العمل السريّ، مستفيدة من بقايا انصار النظام الساقط والمتطرفين الأسلاميين وبعض الطائفيين ممن أغاظهم فقدانهم عرش السلطة الذي تمتعوا به منذ اكثر من ثمانين عاماً. فأن وسائل الأعلام العراقية كانت ومازالت هي الضامن الأول والأخير لتأمين الشطر الثاني من معادلة نجاح العمليات الأرهابية. وأقصد هنا توفير التغطية الكاملة لما تقوم به تلك المجموعات ونشره على الملأ.
فالأرهابي الذي يفجّر نفسه وسط أحد الأسواق الشعبية في بغداد يدركُ جيداً أن اخبار ما سيقدم عليه ستنتشر، عن طريق وسائل الأعلام، في أرجاء العراق حاملةً معها الذعر والرعب في قلوب العراقيين ومصيبة اياهم بالشلل في مرحلة قادمة. وهذا هو ما يسعى اليه بالضبط. ذلك ان الأرهاب لا يسعى الى قتل وأصابة عدد محدود من المدنيين في مكان وزمان محددين بل الى نشر الرعب والفوضى في المجتمع بكامله.
ان قيادات المجموعات الأرهابية ليست على هذه الدرجة من السذاجة لتعتقد بأنها ستنجح بعملياتها الصغيرة تلك "بتحرير" العراق من الأحتلال العسكري الأمريكي. وتعرف ايضاً بأن عملياتها تلك ستغدو عديمة الفائدة اذا تمّ تجاهلها من قبل وسائل الأعلام. لهذا السبب فأن التغطية الصحفية لتلك العمليات يصبح الخطوة التالية في سلّم الاولويات لدى قيادات المنظمات الأرهابية تلك.

لقد نجح النظام الديكتاتوري البائد في ترسيخ حكمه الدمويّ والبقاء لأطول فترة ممكنة في دست الحكم عن طريق الأرهاب المنظم الذي كان اخطبوط اجهزته القمعية يمارسه ضدّ كل من يُشّك بولائه لشخص القائد الضرورة. مستغلاً الأعلام الرسمي الكتوب والمسموع والمرئي لنشر أحكام الأعدام لأشاعة الخوف بين صفوف العراقيين. أما المنظمات الأرهاربية التي نشطت على الأراضي العراقية بعد سقوط النظام الديكتاتوري فقد تجاوزت أسلافها في التعامل مع وسائل الأعلام متجاوزةً كلّ العوائق التي ظهرت في طريقها. فالأعلام الوطني العراقي يتطوع بنشر أخبار العمليات الأرهابية محققاً، بوعي او بدون وعيّ، رغبة المنظمات الأرهابية في أشاعة حالة الخوف بين العراقيين ونشر حالة من الفوضى التي لم تستطع قوات الدولة العظمى الوحيدة في العالم من السيطرة عليها حتى هذه اللحظة.

أن نجاح قوى الأرهاب في الوصول الى اهدافها تلك مرهون "بتعاون" وسائل الأعلام معها وهذا ما يحدث في العراق.
واذا كان الأعلام الفرنسيّ الذي يعمل في واحدة من أقدم الديمقراطيات في العالم قد انتبه الى "خطورة الوقوع في فخ" انتفاضة شعبية لم تفعل سوى حرق بعض السيارات فأن مؤسساتنا الأعلامية العراقية مطالبة بسدّ الطريق على قوى الارهاب التي أحرقت الأخضر واليابس في بلد يخطو خطواته الأولى في طريق البناء الديمقراطي.
والسؤال الآن هو هل يستمع الصحفي الى صوت الضمير المهني أم الى أصوات العراقيين الذي يموتون كلّ يوم نتيجة تفجير السيارات المفخخة في الطرق والأسواق ولا يقوم بتقديم دعاية مجانّية لقوى الأرهاب؟؟
لنتوجه الى الصحافة الوطنية العراقية على مواقع الشبكة العالمية والصحف و المجلات ومحطات الأذاعة والقنوات الفضائية ونطالبها بالتوقف عن تقديم أية تغطيات اخبارية للعمليات الأرهابية في العراق والابتعاد عن تقديم دعم مجانيّ لقوى الأرهاب. أو على الأقل تقديم تلك الأخبار بأتباع اساليب تقطع الطريق على قوى الأرهاب وتمنعها من تحقيق اية انتصارات مهما كانت صغيرة.
توقفوا فوراً عن تقديم الدعاية المجانية التي تسعى لها قوى الأرهاب ومن يقف وراءها. وإلا فستوجه لكم أصابع الأتهام بالتعاون أو على الأقل بتأييد تلك العمليات الدموية. الخيار لكم وشعبنا العراقيّ قادرٌ على معرفة أعدائه من أصدقائه حتى وأن ارتدوا ثياب الوطنية الزاهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء عسكري تركي - سوري برعاية روسية في قاعدة حميميم


.. لأول مرة.. حزب -الإصلاح- البريطاني يتفوق على -المحافظين- في




.. لحظات انتشال 9 شهداء بينهم 5 أطفال بقصف منزل بالبريج


.. غريفيث: الأسلحة استمرت بالتدفق لإسرائيل من واشنطن ودول أخرى




.. فرقة غزة حصلت على وثيقة تشرح بالتفصيل عملية احتجاز الرهائن و